خبراء لـ"الشرق": هذه خارطة طريق إنعاش اقتصاد سوريا المنهك

سوريا تحتاج إلى تحولات على مستوى الاقتصاد والعملة والطاقة والعلاقات الخارجية

time reading iconدقائق القراءة - 13
شابة سورية خلال احتفال بسقوط نظام بشار الأسد، 8 ديسمبر 2024 - رويترز
شابة سورية خلال احتفال بسقوط نظام بشار الأسد، 8 ديسمبر 2024 - رويترز
المصدر:

الشرق

بعد سقوط نظام بشار الأسد وتسلم الإدارة الجديدة السلطة، برزت تحديات كبرى في سوريا على المستويات كافة، ولكن أكبرها تتمثل في الظروف الاقتصادية التي تواجهها البلاد، ومحاولة تركيب علاقاتها الإقليمية مع الرؤية الجديدة للدولة.

استخلصت "الشرق" من خلال تغطية خاصة تحت عنوان "سوريا مسار الاقتصاد"، رؤى نخبة من المسؤولين والخبراء السوريين والدوليين، بشأن ما يرونه وصفة عاجلة وسريعة لمعالجة الظروف الاقتصادية المأزومة، والتي تبدأ بالليرة المنهارة، ولا تنتهي بالعقوبات الدولية المفروضة على سوريا.

بوصلة جديدة للاقتصاد

منذ تسلمها السلطة في ديسمبر الماضي، بدأت الإدارة الجديدة العمل على تحديد بوصلة للدولة بعد 14 سنة من الحرب. وتتطلع سوريا الآن إلى تأسيس بنية اقتصادية جديدة بخلاف الاشتراكية، بحسب تصريحات سابقة لقائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، مشيراً إلى أن بلاده تحتاج إلى بنية اقتصادية على الطريقة الحديثة، بعد أن كانت تحيا في ظل عقلية اشتراكية تفرض هيمنة الدولة على قطاعات الاقتصاد.

بالإضافة إلى تحديد البوصلة، تحاول الإدارة الجديدة إعادة وضع البلاد على الخارطة الاقتصادية العالمية، وإلغاء العقوبات الدولية. أول محاولات فك العزلة الدولية عن سوريا، كانت من خلال جولة قام بها وزير الخارجية أسعد الشيباني شملت السعودية والإمارات وقطر والأردن. كما أوفدت الإدارة الجديدة الشيباني لتمثيلها في اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، وهي مشاركة وصفها الشيباني بأنها "الأولى من نوعها في تاريخ البلاد".

اقرأ المزيد: سوريا الجديدة تطل على الساحة الدولية عبر بوابة دافوس

معالجة انهيار الليرة

إزالة العقوبات المفروضة على البلاد، شرط رئيسي لبدء التعافي الاقتصادي، بحسب دريد درغام حاكم مصرف سورية المركزي الأسبق، معتبراً أن أحد أسباب عدم استقرار سعر الصرف هو شح السيولة، ما يتسبب في تجمد الاقتصاد.

تشكل العقوبات المفروضة على البلاد حاجزاً أمام تدفق الاستثمارات والمساعدات المطلوبة لإعادة إعمار البلاد والاقتصاد. وناشدت الإدارة الجديدة عدة مرات المجتمع الدولي بضرورة إلغاء هذه العقوبات. 

في يناير الماضي، علّقت واشنطن بعض العقوبات المفروضة على سوريا بشكل مؤقت ومحدود، كما اتفق الاتحاد الأوروبي على مسار لرفع العقوبات عن البلاد "بشكل تدريجي"، في حين دعت دول عربية عدة في مقدمتها السعودية وقطر، إلى رفع العقوبات. هذه الخطوات رفعت آمال الإدارة الجديدة بإمكانية التوصل لاتفاق ينهي ملف العقوبات.

اقرأ أيضاً: السعودية تستعجل رفع العقوبات عن سوريا لدعم الاقتصاد

درغام دعا مصرف سورية المركزي إلى التحرك على مستوى سعر الفائدة، معتبراً "أننا أمام مشكلة على مستوى الورقة النقدية الواحدة، حيث إن أكبر فئة منها لا تكفي لشراء أصغر سلعة".

ظهرت الأزمة التي تحدث عنها درغام بوضوح في أول تقرير للتضخم يصدره مصرف سورية المركزي، إذ أشار إلى أن معدل التضخم بلغ 28.8% في نوفمبر الماضي على أساس سنوي، وهو أدنى من 146.9% المسجل في الفترة ذاتها من السنة السابقة، في حين بلغ التضخم العام 67.4% في الفترة بين ديسمبر 2023 وحتى نوفمبر 2024.

التقرير نبه إلى أن تباطؤ التضخم في نوفمبر يأتي مترافقاً مع "تراجع الطلب على مكونات سلة السلع الأساسية للمستهلك، مع انخفاض الدخل وارتفاع الأسعار بشكل كبير، ما أدى إلى انعدام القدرة الشرائية لأبسط المواد والاحتياجات اليومية، وانخفاض حركة المبيعات".

اقرأ أيضاً: هبوط الطلب على السلع يُبطئ وتيرة التضخم في سوريا إلى 29%

بدأت الحكومة بخطوات أولية تهدف لتسيير عجلة الاقتصاد، إذ كلفت ميساء صابرين لتكون أول امرأة تتولى منصب حاكم مصرف سورية المركزي، كما تمت إعادة العمل بأجهزة الصراف الآلي، وألغت تجميد معظم الحسابات المصرفية، واستأنفت المطارات الرئيسية في سوريا عملها، وعادت الشاحنات القادمة من الأردن للدخول إلى الأراضي السورية، ما أنعش سعر صرف العملة لتُتداول عند مستويات ما قبل سقوط الأسد.

يتراوح معدل صرف الليرة السورية حالياً ما بين 11.5 و13 ألف ليرة للدولار، ولكنها لا تزال بعيدة جداً عن مستويات ما قبل الحرب، عندما كان الدولار يتداول عند نحو 47 ليرة.  

اقرأ أيضاً: مصرف سورية المركزي يجمد الحسابات المصرفية التابعة للنظام السابق

من جانبه، قال علي كعنان عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، إن المساعدات من الدول العربية والصديقة هي الحل العاجل لدعم الليرة، معتبراً أن عودة المستثمرين السوريين من الخارج، بالإضافة إلى تحويلات المغتربين والمقدرة بنحو 3 مليارات دولار سنوياً، عوامل قادرة على المساعدة في تحسين سعر الصرف.

أما محمد الحلاق نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، فاعتبر أن مصرف سورية المركزي يستطيع القضاء على السوق السوداء للدولار، إذا توفرت لديه السيولة الكافية للتدخل في السوق المحلية، وتحديد سعر صرف عادل لليرة مقابل الدولار. 

سوق دمشق تعود قريباً

خصخصة الشركات الحكومية وخصوصاً الخاسرة منها، من بين الأمور التي تعول عليها سوريا لإطلاق عجلة الاقتصاد، وفق تصريحات وزير المالية محمد أبازيد. كما تتحضر لإقرار قوانين لتشجيع الاستثمارات الأجنبية، بالتزامن مع تحركات مكوكية لرفع البلاد من قائمة العقوبات.

اقرأ أيضاً: وزير المالية السوري لـ"الشرق": ندرس خصخصة الشركات الحكومية الخاسرة

وبحسب وزير المالية، فقد لاحظت حكومة تصريف الأعمال أن أكثر من 70% من شركات القطاع العام ذات الطابع الاقتصادي "خاسرة"، رغم "أنها تقدم خدمات حصرية للدولة مثل شركة الكهرباء وشركات معامل الدفاع"، مؤكداً أن الحكومة "تعمل على إصدار قوانين استثمار لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا".

ولكن إطلاق العنان للقطاع الخاص، لا بد أن يترافق مع عودة العمل بالأسواق المالية، خصوصاً أنها تساهم في تأمين التمويلات التي تحتاجها الشركات.

شادي بيطار نائب رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية اعتبر في تصريحه لـ"الشرق"، أن توجه الحكومة الجديدة نحو الخصخصة، سيمهد لطرح الكثير من الشركات للاكتتاب العام. 

كما كشف أن سوق دمشق للأوراق المالية تتطلع لعودة التداول قريباً، معتبراً أن قرار إلغاء تعليق الحسابات المصرفية، سيساهم في تعزيز عمليات التداول في السوق.

تم إيقاف التداول في 8 ديسمبر الماضي. وبعد يومين أدى الاعتداء الإسرائيلي على البلاد لتعطيل وحدات لوجستية في سوق دمشق، وسط عدم استقرار في النظام المصرفي.

سابقاً كان التداول في سوق دمشق مقتصراً على الأسهم والسندات، لكن بيطار كشف عن التوجه نحو إضافة أدوات جديدة، من بينها إصدار صكوك إسلامية، وصناديق استثمارية ومنصات التمويل الجماعي، وإنشاء سوق ثانوية في البورصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، متوقعاً عودة المستثمرين إلى البلاد خاصة في مجالي الصناعة والنقل.

نفط سوريا إلى أين؟ 

يعتبر قطاع النفط ركيزة أساسية لإعادة إحياء الاقتصاد السوري. لكن هذا الملف يواجه تحديات منها سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) على مناطق كبيرة في شرق وشمال شرق البلاد، حيث يتواجد معظم الاحتياطي النفطي، البالغ إجماليه 2.5 مليار برميل، بحسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وزير المالية السوري شدد على أن الحكومة بمختلف أعضائها "على تصور واحد يتمثل في أن كل الموارد على أراضي البلاد "هي موارد سورية، وستعود إلى الخزينة السورية".

استعادة سيطرة الحكومة الجديدة على المناطق التي تضم حقول النفط، بالإضافة إلى تأهيل وتطوير الحقول الحالية، والسماح بدخول الشركات الأجنبية للتنقيب عن النفط، أول الخطوات لإعادة عجلة الإنتاج في القطاع، بحسب أنس فيصل الحجي مستشار التحرير في منصة "الطاقة" المتخصصة.

ولكنه لفت أيضاً إلى أن الشركات الأجنبية لن تدخل إلى القطاع من "دون وضع دستور جديد"، وهي عملية قالت الإدارة الجديدة إنها قد تستغرق سنوات. 

واستبعد فيصل الحجي إحياء مشروع خط الغاز بين قطر وتركيا عبر سوريا وصولاً إلى أوروبا، موضحاً أن هناك شحاً في الغاز الذي يمكن تصديره عبر الخط، نظراً إلى تخصيص معظمه لمشاريع الغاز المسال، بالإضافة إلى أن تجربة الدول العربية في خطوط الأنابيب لم تنجح سابقاً، بسبب بعض التوترات الجيوسياسية وغيرها من التحديات.

اقرأ أيضاً: سوريا وغاز شرق المتوسط.. سواحل النار وأمواج المصالح

رغم ذلك، شرعت السلطات السورية في إعادة تأهيل البنية التحتية الخاصة بمصافي وخطوط النفط، ومحطات وشبكات الكهرباء، بهدف زيادة إنتاج الوقود والكهرباء، بحسب مسؤولين تحدثا إلى "الشرق".

بلغ إنتاج سوريا النفطي نحو 400 ألف برميل يومياً في الفترة بين 2008 و2010. لكن بعد نشوب الحرب، هوى الإنتاج ليصل إلى حوالي 15 ألف برميل يومياً في 2015، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية. وفي 2023، بلغ إنتاج سوريا من النفط والسوائل 40 ألف برميل يومياً.

أما فيما يخص الغاز، فكانت سوريا تنتج 30 مليون متر مكعب يومياً قبل 2011، لكن الإنتاج انخفض إلى 10 ملايين متر مكعب يومياً، بما يقل عن احتياجات سوريا لتشغيل محطات الكهرباء البالغة 18 مليون متر مكعب يومياً.

ونتيجة لذلك، باتت دمشق تعتمد على الاستيراد لتأمين 95% من احتياجاتها النفطية. وبحسب تقديرات رسمية تستورد البلاد نحو 5 ملايين برميل شهرياً، أو ما يزيد على 160 ألف برميل يومياً، بعدما كانت تصدّر 150 ألفاً من الخام يومياً قبل عام 2011.

دول الجوار

إعادة إحياء الاقتصاد السوري من شأنه أن يؤثر إيجاباً على العديد من دول الجوار، ولكن تركيا التي باتت لاعباً مهماً في البلاد، ستستفيد على مستويين رئيسيين، بحسب حافظ غانم نائب الرئيس السابق للبنك الدولي في تصريح لـ"الشرق".

المستوى الأول وفق غانم، هو "عودة اللاجئين من تركيا" ما يخفف من الضغوط على اقتصادها، خصوصاً أنها تستقبل أكبر عدد مقارنة بدول الجوار. كما ستستفيد تركيا من خلال "المساهمة في إعادة إعمار الاقتصاد المتداعي في سوريا"، ومن "تعزيز الصادرات" بفضل علاقاتها الجيدة مع الإدارة الجديدة.

اقرأ المزيد: تركيا تسعى للعب دور أكبر بإعادة تطوير صناعة النفط والغاز في سوريا

تسعى الشركات التركية منذ سقوط النظام في سوريا، للحصول على امتيازات تجارية واستثمارية في عدة مجالات. وأعلنت وزارة التجارة التركية أن أنقرة ودمشق اتفقتا على البدء بمفاوضات إحياء اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وسوريا، التي علقت عام 2011.

غانم قال لـ"الشرق" إن دول الجوار ستلعب دوراً مهماً بإعادة الإعمار في سوريا، فور توفر الاستقرار الأمني والسياسي وبناء العقد الاجتماعي في البلاد، موضحاً أن البنك الدولي والاتحاد الأوروبي قدرا الأضرار في ثماني مدن سورية بحوالي 10 مليارات دولار، معظمها في البنية التحتية التي تؤثر على الزراعة والصناعة والنقل.

حجم الدمار العام أعلى بكثير من هذا الرقم، إذ تكشف تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة عن تكاليف قد تصل إلى 300 مليار دولار لإعادة الإعمار، وهو ما يفوق الناتج المحلي للبلاد حتى قبل اندلاع الحرب. وكان وزير المالية السوري أشار إلى أن الناتج المحلي الإجمالي تقلص من 60 مليار دولار قبل 2010، إلى "أقل من 6 مليارات دولار في 2024".

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.