أسعد الشيباني، وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة - وكالة الأنباء العربية السورية (سانا)أسعد الشيباني، وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة - وكالة الأنباء العربية السورية (سانا)
تعتزم الإدارة الجديدة في سوريا خصخصة الشركات المملوكة للدولة، وتعتبرها ركيزة أساسية لخطة الإصلاح الاقتصادي، والتي تشمل أيضاً تحفيز الاستثمار الأجنبي وتعزيز التجارة الدولية في إطار جهود البلاد لإنهاء العزلة الدولية، بحسب وزير الخارجية أسعد الشيباني في مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز".
تأتي التصريحات، بعدما كشف وزير المالية السوري محمد أبازيد لـ"الشرق" مطلع الشهر الجاري أن أكثر من 70% من شركات القطاع العام في سوريا "خاسرة" رغم أنها تقدم خدمات حصرية مثل شركة الكهرباء وشركات معامل الدفاع، مضيفاً أن الحكومة تعمل على إصدار قوانين استثمار لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا.
الشيباني كشف عن اتجاه لتشكيل لجنة لدراسة الوضع الاقتصادي للبلاد والبنية التحتية مع التركيز على جهود الخصخصة، بما يشمل الموانئ والمشآت النفطية ومصانع القطن والأثاث، وكذلك استكشاف فرص الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتشجيع الاستثمار في المطارات والسكك الحديدية والطرق.
لكن التحدي سيكون في العثور على مشترين لتلك الكيانات التي تدهورت على مدى سنوات بسبب غياب الاستثمار الأجنبي عن البلاد، بحسب الشيباني منوهاً بأن "رؤية الأسد لسوريا كانت أمنية فقط أما نحن فرؤيتنا تستند إلى التنمية الاقتصادية".
تركز حكومة تصريف الأعمال السورية، في الفترة الحالية على إعادة تأهيل البنية التحتية التي استُنزفت خلال الحرب، والتي تشمل الطاقة، والمواصلات، وشبكات المياه والصرف الصحي، والاتصالات.
وخلفت الحرب المستمرة منذ 2011 دماراً كبيراً، إذ تكشف تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة عن تكاليف ضخمة لإعادة إعمار سوريا، تتراوح بين 250 و300 مليار دولار.
يعتزم الشيباني، الذي يمثل بلاده في المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في دافوس، استغلال وجوده في التجمع العالمي لتجديد الدعوة إلى إلغاء العقوبات التي فُرضت على بلاده أثناء حكم الأسد قائلاً إنها ستعيق التعافي الاقتصادي في بلاده وتحبط الاستعداد الواضح لدى بعض الدول للاستثمار في دمشق.
تثقل العقوبات الغربية كاهل قطاع النقل والمواصلات وتعيق عمليات الإصلاح في البلاد، بحسب وزير النقل السوري بهاء الدين شِرِم في مقابلة سابقة مع "الشرق"، وتحاول الإدارة الجديدة في سوريا إعادة ضخ الدماء في شرايين الاقتصاد بعد الدمار الذي طال البنية التحتية بسبب الحرب التي دارت لأكثر من عقد.
تتكشف الرؤية الاقتصادية لسوريا ما بعد الأسد تدريجياً. وقال قائد البلاد الجديد أحمد الشرع في مقابلة مؤخراً إن بلاده تحتاج إلى بنية اقتصادية على الطريقة الحديثة، موضحاً أن البيئة الاقتصادية في سوريا أساسها زراعي ثم صناعي، ثم يأتي قطاع الخدمات والمصارف وغيرها.
لافتة مكتوب عليها " نرحب بكم ترحيباً حاراً جداً" قبيل انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، في 22 مايو2022 . - المصدر: بلومبرغلافتة مكتوب عليها " نرحب بكم ترحيباً حاراً جداً" قبيل انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، في 22 مايو2022 . - المصدر: بلومبرغ
في تحول جذري في السياسة السورية على الساحة الدولية، أوفدت الحكومة السورية الجديدة وزير الخارجية، أسعد الشيباني، لتمثيلها في اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا. هذه المشاركة، التي وصفها الشيباني بأنها "الأولى من نوعها في تاريخ البلاد"، تُعد خطوة رمزية وعملية نحو كسر عزلة دامت عقوداً، وإعادة دمج سوريا في النظام الدولي.
تأتي هذه الخطوة في إطار مسعى واضح نحو تطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي، وفتح الباب أمام مساعدات واستثمارات أجنبية ضرورية لإعادة بناء الاقتصاد المدمر بفعل الحرب. ويأمل الشيباني أن تُسهم هذه المشاركة في وضع سوريا مجدداً على الخارطة الاقتصادية العالمية، في وقت تُواجه فيه البلاد تحديات هائلة على جميع المستويات.
خلفت الحرب المستمرة في سوريا منذ 2011 دماراً كبيراً، إذ تكشف تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة عن تكاليف ضخمة قد تصل إلى 300 مليار دولار لإعادة إعمار سوريا، في حين أشار وزير المالية السوري محمد أبازيد في تصريح سابق لـ"الشرق"، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي تقلص من 60 مليار دولار قبل 2010، إلى "أقل من 6 مليارات دولار في 2024".
الشيباني أشار في منشور على منصة "إكس" إلى أن الهدف الرئيسي من مشاركته هو "نقل رؤيتنا التنموية حول مستقبل سوريا، وتطلعات شعبنا العظيم" للعالم.
أنظار العالم على سوريا
تتطلع غالبية حكومات العالم إلى سوريا وما يحدث بها، خصوصاً أنها كانت معزولة بشكل شبه كامل بعد العقوبات التي فُرضت على النظام السابق، والتي تعمقت مع بداية الحرب في 2011.
لم يشجع تاريخ الإدارة الجديدة كثيراً على الرفع الفوري للعقوبات، خصوصاً بسبب ارتباطات سابقة لعناصر من هذه الإدارة بكل من تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، المصنفين كإرهابيين.
تدرك الإدارة الجديدة هذا الأمر، لذلك سارعت، ومنذ اللحظة الأولى لتسلمها السلطة، إلى تقديم تطمينات للدول الإقليمية والغربية بشأن مستقبل البلاد.
برزت التطمينات الاقتصادية بشكل سريع، وجاء أبرزها على لسان قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، إذ اعتبر أن البلاد تحتاج إلى بنية اقتصادية على الطريقة الحديثة بعدما كانت تحيا في ظل عقلية اشتراكية تفرض هيمنة الدولة على قطاعات الاقتصاد.
كما عيّنت الإدارة الجديدة، بعد أقل من شهر على تسلمها السلطة، ميساء صابرين لتكون أول امرأة في تاريخ البلاد تقود "مصرف سورية المركزي"، وهي خطوة لها دلالاتها في ظل الظروف التي شهدتها وتشهدها سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، تدرس البلاد خصخصة الشركات الحكومية السورية الخاسرة، كما تتواصل مع "جهات دولية وإقليمية عدة بغرض الحصول على الدعم"، وفق تصريحات وزير المالية، الذي كشف أيضاً أن البلاد تتجهز لإقرار قوانين تشجع الاستثمارات الأجنبية على القدوم إلى البلاد.
كل هذه الإشارات تدل على أن سوريا تتجه نحو اقتصاد السوق الحر، وهو أمر غالباً ما تطالب به المؤسسات الدولية المانحة كأحد الشروط لتقديم دعم.
كما أن من شأن المشاركة في المنتدى أن توسع آفاق النموذج الاقتصادي الذي تبحث عنه سوريا، إذ قال الشرع عندما سُئل عما إذا كانت بلاده ستتجه إلى النظام الرأسمالي: "نحتاج إلى خبراء يعرفون مقومات البلد ويحاولون أن يستفيدوا من كل تجارب العالم، حتى يتم الإتيان بشيء يتناسب مع طبيعة المجتمع".
رسائل سياسية
لم تقتصر رسائل التطمين على الاقتصاد. ولعل أبرز رسالة سياسية تمثلت في إيفاد وزير خارجية إلى منتدى اقتصادي يشارك به كبار المسؤولين الماليين من حول العالم، عوضاً عن إيفاد وزير المالية أو الاقتصاد.
كما عمدت الإدارة الجديدة خلال الأيام الماضية على توجيه رسائل تطمين سياسية للمجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية.
استقبال الشرع لديبرا تايس قبل أيام إحدى أبرز هذه الرسائل، إذ قالت والدة الصحفي الأميركي المعتقل في سجون الأسد منذ العام 2012 أوستن تايس، إنها لمست "تصميم الإدارة الجديدة على إعادته لبلده وذويه". وكانت تايس زارت العاصمة السورية آخر مرة في 2015 للقاء مسؤولين للاستعلام منهم عن مصير ابنها، قبل التوقف عن منحها تأشيرات الدخول.
جاءت الرسالة الثانية بعد حفل تنصيب ترمب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، إذ نشرت القيادة السورية الجديدة تهنئة باللغة الإنجليزية من الشرع إلى ترمب.
الرسالة أشارت إلى "الثقة بأن ترمب هو القائد الذي سيجلب السلام إلى الشرق الأوسط ويعيد الاستقرار إلى المنطقة"، وأعربت عن آمال القيادة الجديدة في سوريا بـ"تحسين العلاقات بين البلدين بالاعتماد على الحوار والتفاهم"، وعن ثقتها بأن البلدين "سيغتنمان الفرصة لبناء شراكة تعكس آمال وتوقعات البلدين".
وحتى اللحظة، لا يتضح موقف الإدارة الأميركية الجديدة من سوريا، ولكن ترمب سبق وصرح في أول مؤتمر صحفي كرئيس منتخب في ديسمبر الماضي، أن الإدارة الجديدة في سوريا مدعومة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قائلاً إن "أردوغان نفذ استيلاءً غير ودي على سوريا"، وهو ما دفع تركيا إلى رفض هذه التصريحات، ولكنه لفت في الوقت ذاته إلى أن الرئيس التركي "شخص أنسجم معه بشكل جيد".
قبل أيام من هذه التصريحات، أشار ترمب أيضاً إلى أن "سوريا في حالة فوضى، وهي ليست صديقتنا". وأضاف في منشورات على منصة "تروث" التي يملكها، إلى أنه "لا يجب على الولايات المتحدة أن يكون لها أي علاقة بذلك، هذه ليست معركتنا، لا يجب الانخراط بها".
مناشدات رفع العقوبات
تأتي هذه الرسائل وسط مناشدات من المسؤولين السوريين لرفع العقوبات عن البلاد بعد سقوط النظام السابق، ما يفتح الباب أمام عملية إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد.
رغم أن العقوبات لم تُرفع، إلا أن هذه المطالبات وجدت آذاناً صاغية، إذ أعلنت واشنطن عن إعفاء مؤقت ومحدود لبعض العقوبات على سوريا يغلب عليه الطابع الإنساني، إفساحاً بالمجال لإمكانية زيادة وصول المساعدات، في حين يدرس الاتحاد الأوروبي تعليق العقوبات "بنهج تدريجي".
من شأن المنتدى الاقتصادي العالمي أن يعطي الإدارة الجديدة مساحة للتأكيد على رؤيتها الاقتصادية والسياسية للبلاد، ويزيد من انكشافها على العالمين العربي والإقليمي، خصوصاً أنها أكدت في عدة مناسبات على أنها تريد استعادة دورها عربياً وعالمياً.
هذه الرسائل شدد عليها الشيباني خلال جولة عربية وإقليمية بدأها فور استلام مهامه، حيث زار كلاً من السعودية وقطر والإمارات والأردن وتركيا، قبل انطلاق المنتدى الاقتصادي العالمي.
"تفاؤل حذر"
الرسائل السورية وخصوصاً تلك المتعلقة برفع العقوبات، حظيت بدعم عربي واضح خلال المنتدى، رغم أن "التفاؤل الحذر" كان السمة الأبرز التي طغت على التصريحات.
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قال في جلسة حوار خلال المنتدى الاقتصادي العالمي، أن "الإدارة الجديدة منفتحة على العمل مع المجتمع الدولي للتحرك في الاتجاه الصحيح"، ولديها "رغبة كبيرة ونية حاسمة" للتعاون والتعامل معه بطريقة متجاوبة.
ولكنه نبّه إلى أن لديه "تفاؤلاً حذراً" بشأن سوريا، رغم وجود "فرصة كبيرة لنقل سوريا باتجاه إيجابي"، مطالباً المجتمع الدولي برفع العقوبات ومساعدة البلاد في المرحلة الانتقالية، وإعادة بناء الدولة ومد يد العون للشعب السوري.
قطر لم تكن بعيدة عن هذا التفكير أيضاً، إذ اعتبر رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في منتدى "دافوس" إنه "يتعين التفاؤل بحذر". وأضاف أن السلطات الجديدة، التي تولت المسؤولية "تحتاج إلى المساعدة من أجل استقرار الوضع في البلاد". من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري الثلاثاء، أن قطر تتعاون بشكل يومي مع الإدارة الجديدة في سوريا بشأن رفع العقوبات الدولية، وعلى تجاوز التحديات الميدانية.
والحال أن الرسالة التي تريد سوريا إيصالها في المنتدى واضحة، وسبق أن وجدت آذاناً صاغية، خصوصاً أن الإدارة الجديدة "تقول الأشياء الصحيحة في السر والعلن"، كما قال وزير الخارجية السعودي. ولكن العبرة تكمن في تحويل الأقوال إلى أفعال "إيجابية"، يُفترض أن ينظر إليها المجتمع الدولي ويحدد مسار سياساته وفقاً لها، ولسرعة تنفيذها.
نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.