مواجهة أممية في جامايكا تقرّر مصير التعدين في أعماق البحار

وضع اللوائح التنظيمية هو الهدف الأبرز لاجتماع الهيئة المختصة التابعة للأمم المتحدة بعد انقضاء الموعد النهائي لإصدارها

time reading iconدقائق القراءة - 12
نشطاء يشاركون في وقفة لحركة \"لوك داون\" أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل يوم 6 مارس 2023، للمطالبة بمنع التعدين في أعماق البحار - AFP
نشطاء يشاركون في وقفة لحركة "لوك داون" أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل يوم 6 مارس 2023، للمطالبة بمنع التعدين في أعماق البحار - AFP
المصدر:

بلومبرغ

صدّقت الأمم المتحدة في يونيو على معاهدة تاريخية لصون التنوع البيولوجي في المحيطات، ما ينبئ على ما يبدو بتحوّل في كيفية تنفيذ الأعمال من قِبل الدول والشركات في أعالي البحار. لكن اجتماع "الهيئة الدولية لقاع البحار" (International Seabed Authority) التابعة للأمم المتحدة الذي يُعقد في كنغستون، جامايكا الأسبوع الجاري، سيشهد وضع قواعد التعدين في أعماق البحار الذي من شأنه أن يهدّد النظم البيئية ذاتها التي تحتاج إلى الصون.

يأتي الاجتماع السنوي للهيئة في لحظة حاسمة بالنسبة إلى التعدين في قاع البحار القادر على التحول إلى قطاع يبلغ حجمه تريليون دولار، حيث أدى التحول إلى استخدام المركبات الكهربائية إلى زيادة الطلب على المعادن، مثل الكوبالت والنيكل، الموجودة في أعماق المحيط. في التاسع من يوليو الجاري، انقضى الموعد النهائي لإصدار "الهيئة الدولية لقاع البحار" لوائح التعدين في أعماق البحار. وحالياً، أصبحت الدول الأعضاء الـ167 (فضلاً عن الاتحاد الأوروبي)، ملزمة بقبول طلبات الحصول على التراخيص من الشركات الراغبة في بدء التنقيب، حتى مع غياب تدابير الحماية البيئية.

كيف ستردّ الهيئة على مقدمي الطلبات يبقى هو السؤال الرئيسي الذي ستظهر إجابته في الأسابيع المقبلة، كما يمكن أن تنظر الهيئة في اقتراح قدمته تشيلي وفرنسا وبالاو وفانواتو، بعدم الموافقة على أي ترخيص للتعدين إلى حين إصدار اللوائح.

تجتمع الهيئة التي تضمّ 52 موظفاً دائماً وتقارب ميزانيتها السنوية 10 ملايين دولار، في ظل مواجهة جيوسياسية حادة على التعدين في قاع البحار. ويطالب عدد متزايد من الدول الأعضاء بالهيئة في أوروبا وأميركا اللاتينية والمحيط الهادئ، بتأجيل التعدين أو إيقافه مؤقتاً، نظراً لشح المعرفة العلمية بالنظم البيئية في أعماق المحيط وتأثير التعدين في قاع البحار عليها.

ترقب عالمي لمسودة معاهدة الأمم المتحدة بشأن التخلص من البلاستيك

ومع بدء اجتماع "الهيئة الدولية لقاع البحار" يوم الإثنين، انضمت كندا، الدولة العضو وعملاقة التعدين الصناعي، إلى المطالبة بفرض حظر مؤقت على عمليات التعدين. وفي الوقت ذاته، فإن الدول الأعضاء المؤيدة للتعدين، ومن بينها الصين وروسيا والنرويج واليابان وكوريا الجنوبية، تضغط على الهيئة لإكمال اللوائح والشروع في إصدار التراخيص.

مع تركيز الانتباه العالمي على هذه المنظمة الدولية التي عملت لفترة طويلة بعيداً عن الأضواء، إليك ما تحتاج إلى معرفته عن "الهيئة الدولية لقاع البحار"، والتعدين في أعماق البحار، ومن سيستفيد من تحويل آخر منطقة حياة بكر وغير مستكشفة في العالم، إلى منطقة صناعية.

ما هي "الهيئة الدولية لقاع البحار"؟

أسست اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) لعام 1982 "الهيئة الدولية لقاع البحار" لتنظيم استغلال قاع البحار في المياه الدولية، ولضمان الحماية الناجحة للبيئة البحرية. حينها، كان الاعتقاد السائد هو أن قاع البحار، الذي تشير التقديرات إلى أنه يحتوي على أكبر احتياطيات معادن في العالم، عبارة عن هوة سحيقة خالية من الحياة إلى حد كبير.

بلومبرغ: المناخ بحاجة إلى حليف مثل سلطان الجابر

أُنشئت الهيئة لتجنب تكرار الاستغلال الاستعماري للمعادن الأرضية، مثل الذهب والنحاس، الذي أثرى الغرب وترك إرثاً من الدمار البيئي والفقر في الدول النامية. وتحقيقاً لتلك الغاية، أعلنت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار أن قاع البحار "إرث مشترك" للبشرية، ولا بد من مشاركة حقوق الامتياز والمنافع الأخرى الناتجة عن التنقيب في أعماق البحار بين الدول الأعضاء، مع منح الأولوية للدول النامية.

كما أسست الاتفاقية مجموعة مكونة من جميع الدول الأعضاء في الهيئة باعتبارها جهة صنع القرار. ويضع مجلس يضم 36 دولة، السياسة العامة، ويفوّض بدوره اللجنة القانونية والفنية بمعظم هذا العمل. وتتكون هذه اللجنة من 40 خبيراً تعينهم الدول الأعضاء لإعداد مشروعات اللوائح، ومراجعة طلبات التعدين، وتقديم التوصيات في ما يخص الموافقة عليها. وتجرى مداولات اللجنة في جلسات سرية، ويتطلب رفض تلك التوصية تصويت ثلثي أعضاء المجلس بذلك.

عندما بدأت الهيئة عملها في 1994، ظلت عمليات التعدين على عمق 4 آلاف متر (13 ألف قدم) تحت سطح المحيط غير مُجدية من الناحية التجارية والتكنولوجية. وكان حضور اجتماعات الهيئة غير منتظم، ونادراً ما تصدّر عناوين الأخبار. وفي الأعوام الأولى للمنظمة، ركزت على وضع اللوائح لإدارة استكشاف مواقع التعدين المحتملة.

دراسة: محيطات العالم تعج بـ171 تريليون قطعة بلاستيكية

منذ 2001، أبرمت الهيئة 31 عقد استكشاف مع الشركات الخاصة والمؤسسات المدعومة من الحكومات والهيئات الحكومية، لاستكشاف فرص وجود الكوبالت والنيكل والمعادن الأخرى، على مساحة تتجاوز 1.3 مليون كيلومتر مربع (500 ألف ميل مربع) من المحيطات الأطلسي والهندي والهادئ، مع وجوب أن تكون كل من شركات التعدين تحت رعاية إحدى الدول الأعضاء بالهيئة، والتي يجب أن تكفل "رقابة فعلية" على المتعاقد، وتتحمّل المسؤولية عن ضمان امتثاله للوائح البيئية، وبالتبعية، يمكن للدول الراعية الحصول على حقوق امتياز ورسوم من المتعاقدين التابعين لها.

منذ 2017، تضع "الهيئة الدولية لقاع البحار" -بوتيرة بطيئة- "قانون تعدين" دقيقاً، يهدف إلى إدراج المعايير البيئية، إلى جانب معادلة محددة لمشاركة حقوق الامتياز الناتجة عن التعدين، وإجراءات الفحص والامتثال الخاصة بمراقبة النشاط الصناعي الذي سيُجرى على بعد آلاف الكيلومترات عن الشواطئ وعلى عمق 4 كيلومترات (2.5 ميل) تحت سطح المحيط.

أين سيحدث التعدين في أعماق البحار؟

أبرمت الهيئة عقود استكشاف لاستطلاع فرص وجود المعادن على الجبال الموجودة تحت الماء، والمعروفة باسم الجبال البحرية، وفي حقول الفوهات الهيدروحرارية التي تنفث سوائل فائقة السخونة مثقلة بالكبريتيد، والتي راكمت ترسبات المعادن على مرّ العصور. لكن معظم شركات التعدين تركز على العقيدات متعددة الفلزات، وهي صخور في حجم حبات البطاطس غنية بالكوبالت والنيكل والمعادن الأخرى.

كيف تحولت رقعة نفايات المحيط الهادئ إلى مصدر تهديد بيئي جديد؟

تغطي مليارات "العقيدات" (وهي كريات تحتوي على معادن متعددة) قاع البحر في منطقة بالمحيط الهادئ تُسمّى منطقة كلاريون-كليبرتون، وتقع بين هاواي والمكسيك. وعلى مدى ملايين السنين، ترسّبت المعادن من ماء البحر، وتراكمت حول أسنان أسماك القرش وغيرها. ويتوقع العلماء أن تكون العقيدات موطناً بيئياً لنصف الحيوانات الأكبر حجماً في منطقة كلاريون-كليبرتون.

لمَ العجلة في التعدين بقاع البحر؟

في 2021، استندت دولة ناورو، وهي دولة جزيرة تقع في جنوب المحيط الهادئ ويبلغ تعداد سكانها 8 آلاف نسمة، إلى "قاعدة العامَيْن"، المنصوص عليها في الاتفاقية، والتي تفرض على الهيئة الانتهاء من صياغة قانون التعدين بحلول 9 يوليو 2023، أو الموافقة على الطلبات بموجب أي لوائح قائمة في ذلك الموعد.

تمهلوا قبل ضم المحيطات إلى معركة تغير المناخ

ناورو هي الدولة العضو في الهيئة والراعية لشركة "ذا ميتلز كومباني" (The Metals Company)، وهي شركة كندية مسجلة عُرفت سابقاً باسم "ديب غرين" (DeepGreen). أثارت ناورو "قاعدة العامين" بعدما أبلغت "ذا ميتلز كومباني"، التي تمتلك عقود استكشاف تحت رعاية دولتين جزيرتين أخريين في جنوب المحيط الهادئ، المستثمرين المحتملين بأنه يُتوقع بدء التعدين بحلول 2024. وقالت الشركة مؤخراً إنها تتوقع تقديم طلب لبدء التعدين بحلول نهاية العام الجاري. وأثار تحقيق أجرته "بلومبرغ غرين" في 2012 شكوكاً حول ممارسات "ذا ميتلز كومباني" التجارية، وكشف عن تأثير الشركة على الدول الراعية لها.

من هم المهتمون بالتعدين في قاع البحر؟

بينما يملك عدد من الشركات عقود استكشاف، ينشط جزء بسيط منها في الاستعداد لبدء التعدين إذا ما اعتمدت الهيئة اللوائح. تمتلك شركة "جي إس آر" (GSR)، التابعة لعملاقة التجريف البلجيكية "ديمي" (Deme)، عقد استكشاف، وقد اختبرت مثلها مثل "ذا ميتلز كومباني"، نموذجاً أولياً لآلة تعدين تجمع العقيدات متعددة الفلزات من قاع البحر.

عملاقة الصناعات العسكرية الأميركية "لوكهيد مارتن" مهتمة بالتعدين في أعماق البحار أيضاً، ويعود اهتمامها هذا إلى سبعينيات القرن الماضي. وتملك شركتها التابعة البريطانية تراخيص من الهيئة في منطقة كلاريون-كليبرتون منذ 2013. لكن في مارس الماضي، تخارجت "لوكهيد" من القطاع الوليد عندما باعت شركتها التابعة المتخصصة في التنقيب بقاع البحر إلى شركة نرويجية ناشئة.

بدورها، تمتلك الصين 5 عقود استكشاف، أكثر من أي دولة أخرى عضو في الهيئة. كما اختبرت اليابان نماذج أولية لمعدات التعدين في قاع البحر في مياهها الإقليمية.

لماذا يثير التعدين في أعماق البحار الجدل؟

في دراسة أجريت عام 2022 راجعها خبراء آخرون، أجرى فريق من كبار علماء أعماق البحار تقييماً شاملاً للبحوث المتاحة، وتوصلوا إلى أن هناك "انعداماً تاماً في المعرفة العلمية" بأغلب مناطق قاع البحر التي يستهدفها التعدين. الباحثون، ومن ضمنهم 4 أعضاء من اللجنة القانونية والفنية في الهيئة، أقرّوا بأن وضع لوائح ناجحة للتنقيب في أعماق البحر، أمر غير ممكن حالياً. كما أوضح بحث منفصل نُشر في مايو الماضي، أن المناطق التي تشملها منطقة كلاريون-ليبرتون المعدة للتعدين، هي موطن لخمسة آلاف نوع، كلها تقريباً غير معروفة للعلماء.

الحيتان هي الأشجار الجديدة لكنها لن تنقذ المناخ

وفقاً لوثائق "الهيئة الدولية لقاع البحار"، فشل بعض متعاقدي التعدين أكثر من مرة في إجراء بحث بيئي أساسي كاف على المناطق المستهدفة بالتنقيب، كما تقتضي عقود الاستكشاف. تمثل تلك البيانات ضرورة جوهرية لتطبيق اللوائح البيئية بنجاح. وكشف تحقيق استقصائي أجرته "ناشيونال جيوغرافيك" في 2019، أنه على مدى 16 عاماً، لم يجمع بعض المتعاقدين إلا عينة بيولوجية واحدة لكل 10400 كيلومتر مربع (4 آلاف ميل مربع) من المناطق الممتدة على مساحة تقارب 75 ألف كيلومتر مربع (29 ألف ميل مربع).

كما كشفت التحقيقات الاستقصائية التي أجرتها "بلومبرغ غرين" وصحيفتا "لوس أنجلوس تايمز" و"نيويورك تايمز"، عن تقارب أمانة الهيئة، وهي الذراع الإدارية للمنظمة، مع شركات التعدين التي تنظّم الهيئة عملها، ومن ضمنها شركة "ذا ميتلز كومباني".

ما المبرر المؤيد للتعدين في أعماق البحار؟

يشير مؤيدو التعدين إلى أن استغلال قاع البحر سيكون أقل ضرراً بكثير على البيئة والمجتمع من التعدين في البر الذي يدمّر الغابات المطيرة، ويلوّث الممرات المائية، ويقوم بتشغيل الأطفال. تُصور "ذا ميتلز كومباني" التعدين في أعماق البحار على أنه أمر جوهري لمواجهة تغيّر المناخ عبر الحصول على المعادن لصنع بطاريات السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والتكنولوجيات الخضراء الأخرى.

ما موقف الولايات المتحدة من التنقيب في أعماق البحار؟

الولايات المتحدة ليست دولة عضواً في الهيئة، إذ لم تصدق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لكنها مراقب معتمد يحضر اجتماع الهيئة. وفي اجتماع مجلس الهيئة في مارس 2023، قال مندوب الولايات المتحدة إنه يجب عدم إصدار تراخيص التعدين إلى حين تطبيق اللوائح.

ماذا سيحدث الآن؟

يجتمع مجلس "الهيئة الدولية لقاع البحار" من 10 يوليو وحتى 21 يوليو، وسيمضي المجلس معظم وقت الاجتماع في محاولة للتوصل إلى اتفاق بخصوص لوائح التعدين، فيما تعقد الجمعية العامة اجتماعاً من 24 إلى 28 يوليو. إحدى المسائل الشائكة هي قيمة حقوق الامتياز التي سيُفرض على شركات التعدين سدادها إلى الهيئة، وكيفية توزيعها على الدول الأعضاء مقابل مصادر تعود ملكيتها لكل الدول. أما السؤال المهم فهو: متى أو هل سيطرح وفد ما بشكل رسمي وقف أو تعليق عمليات التعدين في أعماق البحار على التصويت؟

تصنيفات

قصص قد تهمك

هل تسرّعت إسبانيا في مساعي إنتاج الهيدروجين الأخضر؟

البلاد موطن لنحو 20% من مشروعات استراتيجية للهيدروجين عالمياً وتحل في المرتبة الثانية بعد أميركا في المجال

time reading iconدقائق القراءة - 21
منشأة الهيدروجين الأخضر التابعة لشركة \"ايبردرولا\" في بورتولانو - المصدر: بلومبرغ
منشأة الهيدروجين الأخضر التابعة لشركة "ايبردرولا" في بورتولانو - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

اجتمع اثنان من ملوك أوروبا في ظهور نادر خلال شهر يونيو، في ميناء عند مضيق جبل طارق، ليمنحا موافقتهما على محاولة جريئة ومجازفة.

هناك، وبجوار سفن الشحن في ميناء ألخثيراس الإسباني، افتتح ملك إسبانيا فيليب السادس وملك هولندا فيليم ألكسندر، ممراً ملاحياً جديداً. أما الشحنة المهمة التي جذبت انتباه العائلتين الملكيتين المعاصرتين هي الأمونيا الخضراء، المستخدمة في نقل الهيدروجين، والتي تُعد جزءاً أساسياً من خطط إسبانيا لتصبح مركز الطاقة النظيفة بالقارة.

لكن بقية دول أوروبا قد لا تكون مستعدة بعد.

تضخ إسبانيا ما يزيد عن 18 مليار يورو (19.5 مليار دولار) في استثمارات لإنتاج وتوزيع الهيدروجين المُنتج من مصادر الطاقة المتجددة، ما يمثل أكبر جهود أوروبا طموحاً حتى الآن لتبني التقنيات الضرورية لتصبح أول قارة تحقق صافي انبعاثات صفرية في العالم.

يفترض نهج "حقل الأحلام" (Field of Dreams) (القائم على فكرة فيلم أميركي بنى فيه مزارع ملعب بيسبول في حقله أملاً في أن يأتي اللاعبون)، أنه فور توفير العرض، سيظهر الطلب. لكن دولاً، منها فرنسا وألمانيا، بدأت في الانسحاب تدريجياً من أجزاء مما يُطلق عليه "الصفقة الخضراء" الأوروبية، والتي تستهدف إنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين النظيف بحلول 2030، حيث انجرّت الخطة الطموحة إلى "حروب ثقافات" بسبب مخاوف من التكاليف السياسية والمالية.

قد تزيد الانتخابات المبكرة التي ستُقام في 23 يوليو من عدم اليقين، إذ قد تأتي بحكومة جديدة أقل رغبة في الإنفاق على القطاع، وهو ما قد يكرر التاريخ، عندما انسحبت إسبانيا فجأة من برنامج في 2007 لدعم ألواح الطاقة الشمسية، بعدما خرجت الالتزامات المالية عن السيطرة.

وضع استثنائي

تمتد مشروعات الطاقة في إسبانيا من السواحل الشمالية إلى السواحل الجنوبية، وتضم الدولة أكبر منشأة في أوروبا لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مدينة بورتولانو. وضعت شركة "كالفيرا هيدروجين" (Calvera Hydrogen SA) في سرقسطة خططاً لإنتاج معدات لتوليد الوقود وتخزينه، حتى في محطات تعبئة وقود السيارات والحافلات والقطارات. وإجمالاً، فإسبانيا موطن لواحد من كل 5 مشروعات استراتيجية للهيدروجين في أرجاء العالم، وتحل في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في ذلك المجال.

وبهذا الشأن، قال كارلوس باراسا، نائب الرئيس لشؤون الطاقة النظيفة في شركة التكرير المحلية "سيبسا" (Cepsa SA) إن "إسبانيا في وضع استثنائي ومتميز يؤهلها لأن تصبح أكبر دولة مصدرة للهيدروجين الأخضر". يُذكر أن الشركة تستثمر 3 مليارات يورو في مشروعات يُطلق عليها اسم "وادي الهيدروجين الأخضر في الأندلس".

يُنتج الهيدروجين الأخضر باستخدام الكهرباء المُولدة من مصادر الطاقة المتجددة التي تفكك جزيئات الماء، ويُعتبر ضرورياً للتحول عن أنواع الوقود الأحفوري. كما أنه وسيلة ناجحة لتخزين الطاقة من الشمس، والرياح، والمياه بطريقة يمكن نقلها عبر خطوط الأنابيب وسفن الشحن.

ولمنع أسوأ تبعات الاحترار العالمي، تقدّر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أنه يجب أن يقفز إنتاج الهيدروجين إلى أكثر من 500 مليون طن بحلول 2050 من مستواه الحالي الأدنى من مليون طن.

خطى مبالغ في سرعتها ونطاقها

بتميزها بأفضل الأحوال المواتية لإنتاج الطاقة الشمسية في أوروبا، تهدف إسبانيا للاضطلاع بدور رئيسي، لكن الخطر يكمن في أنها تمضي قدماً بمبالغة في النطاق والسرعة.

ويقول مارتن لامبرت، رئيس قسم بحوث الهيدروجين بمعهد أوكسفورد لدراسات الطاقة إن "هناك ترتيباً منطقياً للأشياء، فالخطوة الأولى هي فعل كل ما يمكن لحد انبعاثات نظام الطاقة محلياً، ثم إنتاج الهيدروجين من فائض الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة للاستخدام المحلي، ثم الانتقال إلى الصادرات".

لكن أظهر الحضور الملكي في ألخثيراس أن إسبانيا تقفز مباشرة إلى خطط النقل.

يُعد نقل الأمونيا أكثر سهولة، إذ يمكن تسييله بيسر. ويُعتبر المركب المكون من جزيئات النتروجين والهيدروجين "أخضرَ" عند إنتاجه بكهرباء مولدة من مصادر طاقة متجددة.

تعتزم شركة "سيبسا" استثمار مليار يورو في الإنتاج بمنشأة سان روكو، والمقرر أن تكتمل بحلول 2027. يُتوقع أن يشهد طريق التجارة الجديد شحن المادة الكيماوية إلى ميناء روتردام الهولندي، مثل مشروع مشابه لـ"إيبردرولا" (Iberdrola SA)، أكبر شركة مُنتجة للطاقة النظيفة في أوروبا، والواقعة في مدينة ولبة القريبة.

لكن الأمونيا مادة شديدة السمية، وسريعة الاشتعال، ومسببة للتآكل. ونظراً للمخاطر الصحية والبيئية، يتطلب نقلها تطبيق معايير سلامة صارمة، وفقاً لمنظمة "المنتدى البحري العالمي"، ما يحد من عدد السفن التي يمكن استخدامها في نقل المادة.

إسبانيا تخصص المليارات لتصبح مركزاً للهيدروجين الأخضر وتستهدف تصدير مليوني طن بحلول 2030

الجهةوصف المشروعحجم الاستثمار
سيبسامنشأتا توليد بقدرة 300 ألف طن سنوياً3 مليارات يورو
"إتش تو ميد" (H2MED)خط أنابيب من أيبريا إلى فرنسا وألمانيا، بسعة مليوني طن سنوياً 2.5 مليار يورو
مستثمرون متنوعونمنشآت محلية لنقل وتخزين الهيدروجين في إسبانيا (تقدير من شركة "إيناغاز")4.7 مليار يورو
إيبردرولاتوسيع مشروع بورتولانو ومشروعات أخرى في إسبانيا وخارجها 3 مليارات يورو
بي بي (bp)تحليل كهربائي بسعة 2 غيغاواط في مصفاة تكرير بمنطقة فالنسيا بحلول 2030 ملياري يورو
الحكومة الإسبانيةدعم القطاع3.2 مليار يورو
هاي ديل (HyDeal)محللات كهربائية بقدرة 7.4 غيغاواط بمركز في شمال إسبانيا. يبدأ الإنتاج في 2027لم يُكشف عنه

غموض يحيط بدعم المشروعات

مع ذلك، تشكل شركة "إتش تو ميد" (H2Med) أساس طموحات إسبانيا في التصدير؛ إذ يمكن لخط الأنابيب البالغة تكلفته 2.5 مليار يورو نقل مليوني طن من الهيدروجين سنوياً، وسيمتد الخط البحري، المقرر أن يتلقى تمويلاً من الاتحاد الأوروبي، من برشلونة إلى مرسيليا، وقد يصل في نهاية المطاف إلى ألمانيا.

بينما تُنفذ خطوط الإمداد والنقل في إسبانيا، ما زالت دول أخرى متأخرة عن الركب؛ فأقل من 10% فقط من مئات المشروعات المُعلن عنها مدعومة برأس مال متعهد به، حسب "هيدروجين كاونسل" (Hydrogen Council)، وهو اتحاد صناعي. وتتوقع شركة "أورورا إنيرجي ريسيرش" للتحليلات أن 1% فقط من مشاريع خطوط الأنابيب العالمية قيد الإنشاء حالياً.

تضم الدول الأوروبية المتأخرة عن الركب ألمانيا، التي تفشل في تحقيق مستهدفها لإنتاج 10 تيراواط من الهيدروجين بنهاية العقد.

قد يكلف إنتاج الهيدروجين الأخضر أكثر من ضعفي تكلفة إنتاج النوع "الرمادي"، المنتج باستخدام الوقود الأحفوري. وبينما تشجع الولايات المتحدة على إنتاج النوع النظيف بتخفيضات ضريبية للمساعدة على تضييق تلك الفجوة في التكلفة، فإن إطار السياسة الأوروبية مربك أكثر، ما يثير القلق في إسبانيا.

في هذا الشأن قال إغناسيو غالان، رئيس مجلس إدارة شركة "إيبردرولا"، ومقرها في بيلباو: "لدينا مشروعات كثيرة للهيدروجين الأخضر في إسبانيا ودول أخرى، لكن ما زلنا لا نعرف ماذا سيكون الدعم المقدم لهذه المشروعات. علينا تسريع الوتيرة". جاء ذلك في مكالمة مع المحللين بعد إعلان أرباح الربع الأول.

لن يُقام أول المزادات التجريبية لدعم شركات الإنتاج عبر تحديد سعر ثابت للكيلوغرام قبل الخريف المقبل؛ كما لن تصدر اللوائح الكاملة حتى 2028.

دول أخرى تستهدف القطاع

مع انخفاض أسعار طاقة الرياح والطاقة الشمسية بها، تستمر إسبانيا في العمل في أماكن مثل بورتولانو. على بعد 240 كيلومتراً (150 ميلاً) إلى الجنوب من مدريد، أنشأت "إيبردرولا" أكبر مُحلل كهربائي صناعي في أوروبا، وهو جهاز مرتفع السعر وضروري لفصل جزيئات الماء إلى هيدروجين وأكسجين.

داخل المبنى البسيط الأشبه بالصندوق، توجد 16 خلية تحتوي على غشاء تبادل بروتوني (PEM). التقنية الناشئة أكثر وفراً للطاقة عن الأنواع التي تُستخدم فيها المواد القلوية، والتي تنتج الهيدروجين باستخدام هيدروكسيد البوتاسيوم، المعروف باسم البوتاس الكاوي، حسب ماريا ريتورتو، العالمة بالمجلس الوطني الإسباني للبحوث.

تُولّد الكهرباء من حقل قريب به 246 ألف لوح طاقة شمسية، حيث ترعى الأغنام لإبقاء العشب قصيراً حتى لا تشتعل به النار أو يعيق وصول أشعة الشمس لألواح جمع الطاقة.

يمكن للمنشأة التي بلغت تكلفتها 150 مليون يورو توريد 3 آلاف طن من الهيدروجين سنوياً. بينما يشكل ذلك نحو 9% فقط من الحجم التي تحتاجه منشأة محلية تنتج الأمونيا لصنع الأسمدة، فهي اختبار مهم للتكنولوجيا. تهدف "إيبردرولا" لزيادة قدرتها الإنتاجية 10 أضعاف واستثمار 3 مليارات في مشروعاتها للهيدروجين الأخضر بحلول 2030.

وقال خافيير بلازا، مدير المنشأة: "طموحنا أن يتمكن المستهلك النهائي من شراء الخبز عبر سلسلة إنتاج خضراء بالكامل".

مع ذلك، تحتاج إسبانيا إلى ما يقارب 300 منشأة أخرى مثل تلك الموجودة في بورتولانو لتلبية طلبها على الهيدروجين الأخضر قبل أن تتمكن من بدء شحنه خارج حدودها، حسب خافيير رفيلتا، مدير أول بشركة الاستشارات "أفري مانجمنت كونسلتنغ".

توجد دول أخرى تستهدف القطاع أيضاً، خاصة في ظل عيوب توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية مقارنة بتوليدها من مزارع الرياح البحرية، والتي توفر فرصة لزيادة الإنتاج بشكل أكبر. ولهذه الغاية، تزمع شركة "بلغ باور" ( Plug Power) الأميركية إنشاء منشأة لإنتاج الهيدروجين في فنلندا، والتي ستتمتع بميزة إضافية وهي القرب من مراكز التصنيع في شمال أوروبا.

"يبقى لنرى ما إذا كان التصدير من إسبانيا هو الخيار الأمثل أم لا"، حسب قول رفيلتا.

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.