رحلة عبر أوكرانيا تظهر أن الغزو قد يأتي بتكلفة باهظة

time reading iconدقائق القراءة - 24
جنود أوكرانيون أثناء حضورهم مسيرة في أوديسا، أوكرانيا. - المصدر: بلومبرغ
جنود أوكرانيون أثناء حضورهم مسيرة في أوديسا، أوكرانيا. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

على بعد ميل من نقطة حدودية تمثل آخر منطقة تسيطر عليها أوكرانيا قبل شبه جزيرة القرم، يخرج الجنود فجأة من بين أعشاب البحر الطويلة لتفقد سيارة متوقفة عن العمل.

إن قلقهم بشأن من يأتي ويذهب ليس بمفاجأة. إذا قررت روسيا غزو أوكرانيا كما تخشى الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن تتدفق الدبابات والمشاة عبر هذا الجسر الضيق الذي يربط شبه الجزيرة بالسهوب المفتوحة على مصراعيها في جنوب أوكرانيا بأرقام لم تشهدها أوروبا منذ عام 1945.

ستكون الخسارة الاستراتيجية لأوكرانيا ضخمة مثل غنيمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فعلى بعد أميال قليلة من الطريق، يمكنه إعادة فتح سد مؤقت قطع شبه جزيرة القرم عن إمداداتها من المياه الزراعية منذ أن ضمّها في عام 2014. وبانتقاله إلى الشرق، يمكنه ربط شبه الجزيرة برياً بروسيا وتلك الأجزاء من منطقة دونباس الشرقية في أوكرانيا التي يسيطر عليها بالفعل الانفصاليون المسلحون من قبل روسيا. ومن خلال الانتقال غرباً إلى أوديسا وموانئها البحرية، تاركاً ما تبقى من أوكرانيا محاصراً.

ومع ذلك، فإن القيادة لمسافة 700 كيلومتر (435 ميلاً) على طول الساحل الجنوبي للبلاد تعطي إحساساً قوياً بما قد تنطوي عليه استعادة حتى هذه المساحة التي كانت تتبع للإمبراطوريات السوفيتية والروسية السابقة - ناهيك عن أوكرانيا بأكملها. هذا هو السبب الذي يجعل الكثيرين هنا يعتقدون أن ذلك لن يحدث.

أولاً، قد يكون من شبه المستحيل الدفاع عن هذا الامتداد اللامتناهي للحقول المفتوحة، لكن حجمه وعدد سكانه البالغ حوالي 8 ملايين شخص سيجعل من الصعب السيطرة عليه. حتى مع حشد 130 ألف جندي - بناءً على التقييم الأمريكي الحالي - فإن المخاطرة ستكون هي الأكبر التي يتخذها بوتين منذ توليه السلطة قبل أكثر من 20 عاماً.

ثم هناك الثمن المدمر المحتمل لاحتلال جزء من واحدة من أفقر دول أوروبا في وقت ستخضع فيه روسيا لعقوبات دولية شديدة، مما يقزم تكلفة أي غزو في السياسة الخارجية قام به بوتين حتى الآن.

روسيا الجديدة

تقول موسكو إنه ليس لديها أي خطط لغزو أوكرانيا، رغم أن قلة من الناس يعرفون نوايا بوتين النهائية، هذا إن كان هناك من يعرف نواياه. إن السيطرة على أوكرانيا - وهي دولة تبلغ مساحتها ضعف مساحة ألمانيا - قد تكون جذابة للغاية لدرجة أنه على استعداد للمخاطرة.

بالنسبة لزعيم مقتنع بحق روسيا الطبيعي في كييف، فإن هذه الخطوة ستعيد بضربة واحدة الكثير من الأراضي التي أشار إليها هو نفسه في عام 2014 باسمها في العصر الإمبراطوري "نوفوروسيا" -أو روسيا الجديدة. سيصبح الاقتصاد الأوكراني معتمداً على الوصول إلى الموانئ التي تسيطر عليها روسيا من أجل قابليته للاستمرار، وستكون آمال اقتصاد أوكرانيا في التكامل مع أوروبا بمثابة ذكرى.


ومع ذلك، فإن الإخفاقات الاقتصادية التي ساهمت سياسات روسيا بالفعل في خلقها – تلك التي كانت ظاهرة على الأرض خلال رحلة من ماريوبول على بحر آزوف، عبر البلدات الفقيرة والمدن التي تعاني إلى ميناء أوديسا النابض بالحياة - تُظهر أن بحوزة الرئيس الروسي أيضاً خيارات متوفرة أقل خطورة بكثير.

سلاح النفط قد يكون أكثر فاعلية لروسيا من الغاز

يمكن أن تستمر زيادة القوات الروسية والهجمات الإلكترونية والتوغلات العسكرية الهجينة في استغلال نقاط الضعف في أوكرانيا وإحداث اضطراب في أسواق المال والطاقة الأوروبية، مقارنة بالفاتورة الضخمة لابتلاع منطقة تجوفت على مدى السنوات الثماني الماضية.

تقول سفيتلانا كوندراتينكو، وهي تاجرة ملابس تبلغ من العمر 46 عاماً في السوق المركزية لمدينة خيرسون الساحلية المزدهرة نسبياً، مستشهدةً بمقولة شعبية: "هنا نحن لا نعيش، بل ننجو".

أزيز الاعتداءات

يمكنك سماع أثر الاعتداءات الروسية عام 2014 على أوكرانيا في أزيز الإطارات أثناء مرورها فوق الشقوق التي خلفتها مسارات الدبابات أثناء مرورها على الأسفلت. إنه أمر شائع في مناطق القتال، ومع ذلك يمتد الأزيز لمسافة أبعد من خط المواجهة الذي يفصل بين الأطراف المتحاربة في صراع دونباس.

تسبب هذا الصراع بمقتل نحو 14 ألف شخص، ووفقاً لبيانات حكومية، وخلف أكثر من 1.4 مليون نازح داخلياً، ولا يشمل ذلك الملايين الذين ما زالوا على الجانب الآخر من خط المواجهة. قطع الاقتتال خطوط النقل وسلاسل التوريد والتنقلات اليومية. لا تزال معدلات البطالة أعلى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في دونباس – التي كانت لفترة طويلة معقل البلاد الصناعي - مقارنة بأي جزء آخر من البلاد.

أزمة روسيا وأوكرانيا قد ترفع أسعار السيارات والخبز

تم فقدان ما لا يقل عن 500 من هذه الوظائف في ميناء بيرديانسك، على بعد حوالي 100 كيلومتر من الجبهة. الميناء الذي هبطت فيه الأحجام بعشرة أضعاف، لتصل إلى 450 ألف طن من البضائع سنوياً من 4.5 مليون قبل الحرب. صادرت وزارة الدفاع الأوكرانية نصف أراضي الميناء لبناء قاعدة بحرية، بهدف تحدي ما وصفته الحكومة بالاستيلاء العسكري الروسي على بحر آزوف.

خارج أحواض بناء السفن، استفادت السياحة من قدوم الأوكرانيين غير القادرين على زيارة شبه جزيرة القرم إلى هذه المنطقة. مع ذلك، فإن الشعور باقتراب حدوث شر منتشر في كل مكان.

فوج "آزوف"

في أورزوف، وهو منتجع في أعمق نقطة في الخليج الممتد بين ماريوبول وبيرديانسك، ترفرف شارة "فولف إنغل" (Wolfsangel) الخاصة بفوج "آزوف" الأوكراني اليميني المتطرف فوق قاعدة عسكرية. مقابل هذا الصدى المتنافر لألمانيا النازية، يقف صف طويل من المتاجر المتهاودة والمغلقة التي تبيع في الصيف سلعاً لقضاء العطلات العائلية على الشاطئ كالمجراف والسطل.

تم تشكيل فوج "آزوف" من قبل متطوعين في عام 2014 لكن تم استيعابهم منذ ذلك الحين في الحرس الوطني، ولديه عدة قواعد على امتداد هذا الساحل، وهو جاهز للانتشار في حالة وقوع هجوم روسي.

بالقرب من شبه جزيرة القرم، كانت الأضرار التي سببتها سنوات من الإهمال من كييف - تلاها توقف مفاجئ لحركة السياحة بعد ضم شبه الجزيرة- وحشية.

تصف مايا شوشالوفا (53 عاماً)، بمرارة كيف تم إغلاق المصنع الذي كان يعالج الملح من بحيرة روز - وهي بركة ساحلية - في عام 2000. إذ عملت هناك مثل أي شخص آخر تقريباً ولم يبق لها شيء في القرية المجاورة، التي تم تشييدها من أجل المصنع الذي أصبح الآن خراباً من الطوب والخرسانة.

تقول شوشالوفا: "اعتاد السائحون القدوم من أجل الملح، لكن هذا أيضاً انتهى" منذ عام 2014. الآن تعمل كمساعدة في المتجر الوحيد بالقرية، رفضت التحدث عن السياسة في الأماكن العامة، مثل الآخرين الغاضبين من الطريقة التي سارت بها الأمور.

هنا كما في الشرق، اعتادت الأغلبية التصويت للرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش وليس لديهم أي حب لما يسمى بالثورة البرتقالية واحتجاجات الميدان الأوروبي اللتان منعتا خوضه للانتخابات مرتين أو خلعتاه من منصبه. لم تفعل الحكومات التي تلت ذلك سوى القليل أو لم تفعل شيئاً لتحسين حياة السكان. أدى ارتفاع الأسعار والركود الاقتصادي إلى القضاء على بصيص الأمل القصير الذي أعقب انتخاب الرئيس فولوديمير زيلينسكي، الممثل الكوميدي السابق الذي كان يُنظر إليه على أنه من خارج المشهد السياسي الأوكراني الذي يعتريه فساد لا نهاية له.

فات الأوان

يقول تاجر محلي، لم يرغب في الكشف عن اسمه خوفاً من الملاحقة في مجتمع صغير: "إنه موضوع مؤلم للغاية". ورداً على سؤال حول التوترات مع روسيا، قال: "لم يأتِ منها شيء جيد، كما لم يأتِ شيء جيد من الثورات. كان بإمكانها فعل ذلك، لكن بعد 30 عاماً فات الأوان".

كانت مستوطنة سولكوفي الصغيرة الواقعة على الجسر الثاني الذي يربط شبه جزيرة القرم بالبر الرئيسي هي الأكثر تضرراً. فمحطة البنزين ومطعم "قفقاس" مهجوران منذ عام 2014، وكذلك معظم المنازل القليلة هنا.

يقول نيكولاي إلكيف، الراعي البالغ من العمر 49 عاماً الذي يرعى قطيعه حول المباني المتداعية، "كان هناك 200 شخص أو أكثر يأكلون يومياً في المطعم"، واختفت سوقه الرئيسي في شبه جزيرة القرم وركود أسعار الأغنام وسط ارتفاع تكاليف العلف، إذ يقول "ولكن بعد ذلك توقفت – بلمح البصر".

يعتبر إلكيف نفسه أوكرانياً ويقول إن شبه جزيرة القرم "وطننا". لكن يتحدث الكثيرون على طول الطريق من ماريوبول إلى أوديسا باللغة الروسية وهم متناقضون فيما بينهم بشأن المكان الذي ينتمون إليه.

في خيرسون، كانت إيرينا فيرشينيوك، نادلة ومعلمة لغة إنجليزية سابقة، وتنتمي إلى العائلات الكثيرة التي قسمها بوتين. فإنها روسية عرقاً ولكنها سعيدة في أوكرانيا، حيث يقضي زوجها شهرين من العمل ثم شهرين دونه، إذ يخرج لقيادة الشاحنات في أوروبا مقابل 2000 يورو (2230 دولاراً) شهرياً، وهو ما يكفي للنجاة من الفقر الذي يواجهه الكثيرون.

تقول فيرشينيوك إن الاستيلاء على القرم كان مفيداً لوالديها. كانوا يعيشون في مدينة كيرتش القديمة في شبه الجزيرة. وقالت إن والدها مصاب بالسرطان ولدى روسيا تأمين صحي عام أفضل. وتضاعفت معاشاتهم ثلاث مرات تقريباً.

في الوقت نفسه، أمطر بوتين شبه جزيرة القرم بالطرق الجديدة وخطوط النقل لتحويلها إلى ما أسمته "صالة العرض". كزائرة منتظمة لأقارب في إقليم روسي لا يقع في "صالة العرض"، تقول فيرشينيوك إنها لم تنخدع. لكنها متشككة أيضاً بتوطيد أوكرانيا علاقتها مع أوروبا الغربية، لأن الدولة "ليست مستعدة".

تكلفة الصراع

من المستحيل تحديد رقم دقيق للتأثير الاقتصادي للصراع مع الكرملين على المنطقة. حددت دراسة نشرت في عام 2020 التكلفة المحتملة لفاتورة إعادة الإعمار، إذا استردت أوكرانيا مناطق دونباس المنفصلة، بـ 21.7 مليار دولار.

إذا فعلت روسيا ما تخشاه واشنطن، من المحتمل أن يترك خوض حرب شرسة للاستيلاء فقط على مناطق دونباس المتبقية وعبر ماريوبول إلى أوديسا أضراراً مماثلة، مما قد يضيف 62 مليار دولار إلى فاتورة الكرملين. ويفترض ذلك نفس التكلفة للفرد واستناداً إلى تقدير الأمم المتحدة لسكان المنطقة التي يسيطر عليها الانفصاليون البالغ 2.8 مليون نسمة.

سيكلف رفع الرواتب والمعاشات إلى المستويات الروسية عشرات المليارات من الدولارات أكثر، وكذلك الإعانات التي ستكون ضرورية لاقتصاد سينقطع عن التجارة بموجب العقوبات الدولية.

أوديسا

عند وصولك إلى أوديسا، تظهر المخاطر والمكافآت المحتملة جلياً. إنها مدينة يزيد عدد سكانها قليلاً عن مليون نسمة بها اختناقات مرورية وأضواء نيون وحانات ومطاعم مزدحمة - عالم بعيد عن الأجواء التي كانت سائدة في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي التي تهيمن على الشرق. يمتلئ مركز المدينة التاريخي بالملاهي الليلية، وتزدحم موانئها بفضل الأعمال الإضافية من طفرة السلع والتحول في حركة المرور غرباً.

تصل ثقة المدينة لدرجة الاعتقاد بأن أوكرانيا ستمنع وقوعها في أيدي الروس. يقول أرتيم فيليبينكو، محلل أمني يبلغ من العمر 56 عاماً في مركز الابحاث الحكومي "المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية"، وهو يجلس في حانة في مركز مدينة أوديسا: "أعتقد أنه يمكننا الدفاع عن هذه المنطقة، لدينا ما يكفي".

مع ذلك، في ظل انتشار القوات الروسية الآن على حدود أوكرانيا وإرسال تعزيزات جديدة إلى أسطول البحر الأسود، لا يمكن تجاهل التهديد، على حد قول فيليبينكو. إذ تقع أوديسا على مسافة قريبة جداً على البحر الأسود بالقرب من شبه جزيرة القرم، وقد قدمت روسيا عرضاً من خلال حشد وتدريبات إنزال برمائية في البحر الأسود.

تقع ترانسنيستريا - وهي جيب موالي لروسيا في مولدوفا المجاورة، وفيها 1500 جندي روسي و7500 جندي انفصاليين مسلحين ومدربين تدريباً جيداً - على بعد ساعة واحدة بالسيارة شمالاً.

أوكرانيا تتهم مجموعة مرتبطة بمخابرات روسيا البيضاء بشن هجوم إلكتروني

وفقاً لفيليبينكو، على الأرجح، لدى بوتين خيار آخر غير اجتياحي: كالتهديد الذي يمكن أن تشكله المجموعة الكبيرة من المواطنين الموالين لروسيا في ترانسنيستريا وأوديسا في هجمات مختلطة أو سرية دون الغزو.

تمر بعض خطوط السكك الحديدية والطرق الأوكرانية عبر ترانسنيستريا. وترتبط منطقة دلتا النهر الواقعة جنوب المدينة -والمعروفة باسم بيسارابيا- بجسرين فقط يمكن نسفهما، مما يمكن العملاء الروس من إثارة التمرد. يمكن أن تتعرض الموانئ للتخريب أو جعل الشحن التجاري غير متاح.

الولايات المتحدة: روسيا تحضر عمليات لتبرير الهجوم على أوكرانيا

يخلص فيليبينكو، الذي هو أحد جنود الاحتياط الذين يجلسون على أهبة الاستعداد في شقته، إلى أن "فرض حصار بحري على موانئ أوديسا سيكون مدمراً للاقتصاد الأوكراني". ومع ذلك، "بالنسبة لروسيا فإن الغزو أمر أسهل من بسط السيطرة، للاستيلاء على أوديسا، سيحتاجون بالتأكيد إلى المزيد من القوات".

تصنيفات

قصص قد تهمك

استهداف ثروات بوتين.. السلاح الوحيد المؤثر لمواجهة غزو أوكرانيا

time reading iconدقائق القراءة - 8
مخاوف من غزو روسي وشيك لأوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
مخاوف من غزو روسي وشيك لأوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

ازدادت المخاوف المتعلقة بغزو روسي وشيك لأوكرانيا خلال الأسبوع الماضي. قام حلفاء الناتو بإرسال سفن وطائرات مقاتلة لتقديم الدعم لأوكرانيا، في حين وضعت الولايات المتحدة 8500 جندي على أهبة الاستعداد وأصدرت أوامرها لأسر كافة الموظفين الأمريكيين في سفارة الولايات المتحدة بمغادرة البلاد.

تسود الوضع حالة من التوتر. عقب الاستيلاء على شبه جزيرة القرم سنة 2014، ليس في الإمكان استبعاد احتمال حدوث عملية غزو. في حال حدوث هذا الأمر، فستكون أوكرانيا في حاجة إلى الحصول على دعم من باقي دول أوروبا علاوة على حلف شمال الأطلسي. رفعت أوكرانيا بطريقة تدريجية من حجم الإنفاق العسكري لديها منذ سنة 2014، وهو ما تركها في نفس مستوى الإنفاق لدى روسيا تقريباً من حيث نسبة الحصة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

طالع المزيد: هل يمارس بوتين سياسة حافة الهاوية في أوكرانيا؟

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

بيد أن روسيا تمتلك واحدة من القوات العسكرية الأكبر على مستوى العالم، وتتوافر لديها كافة الميزات الأساسية. بحسب تعداد خلال القوات العاملة، يحتل الجيش الروسي المرتبة الخامسة بين أكبر الجيوش على مستوى العالم. ومن خلال المقارنة، يأتي الجيش الأوكراني في المرتبة رقم 22.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

يعد المطلب الأساسي لروسيا هو وقف عملية التوسع الخاصة بحلف الناتو. طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحصول على ضمانات بعدم إتاحة الفرصة لأوكرانيا مطلقاً بالانضمام إلى صفوف الحلف، كما طالب بالقيام بعملية انسحاب من دول أوروبا الشرقية. يعد ذلك، بالطبع، مسألة غير ممكنة بالنسبة للحلفاء. وللرد على هذا الأمر، يطرح جيمس سترافريديس اقتراحاً بالترحيب بطريقة حماسية بانضمام دولتين أخريين لحلف الناتو وهما: السويد وفنلندا. مع ختام السنة الماضية، عبرت وزارة الخارجية الروسية عن امتعاضها من فكرة انضمامهما إلى حلف الناتو. يعني منحهما العضوية جعل الأمر واضحاً تماماً بالنسبة لبوتين بأنه لا يمتلك بطاقة حق النقض فيما يرتبط بأمر توسيع التحالف الديمقراطي.

طالع أيضاً: معارضة روسيا تدفع فنلندا والسويد للتمسك بـ "الناتو"

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

حالة الهوس الإعلامي تترك الأمر يظهر وكأن الغزو بات أمراً حتمياً. لكن ماذا عن وجود سيناريو آخر ينظر لعملية خفض التصعيد على أنها ذات احتمالية أكبر؟ هذا ما صممه ليونيد بيرشيدسكي كسيناريو. بطريقة مختصرة، نصب بوتين فخاً لالتقاط الطعم من قبل جورجيا في سنة 2018 للقيام بأول تحرك مدمر- ومع الأخذ في الاعتبار عملية إعادة تسليح أوكرانيا لجيشها – من المحتمل أنه كان لديه أمل بدلاً منه في إشعال أمر على نفس المنوال مرة ثانية. وعوضاً عن ذلك، نجح الرئيس الأمريكي جو بايدن في قلب الطاولة من خلال تنفيذ حملة دعائية ضخمة، وهو ما أتاح الفرصة لإمدادات الأسلحة الغربية بالانتقال إلى أوكرانيا وتوجيه ضربة لأسواق الأسهم في روسيا وعملتها المحلية.

في ظل تراجع بوتين في الوقت الراهن، سيكون من مصلحة الكرملين الانتظار حتى نهاية الأزمة وبالتالي تدمير مصداقية الولايات المتحدة.

يعرض أندرياس كلوث النظرية التي تقوم على أن بوتين من المحتمل أنه تسبب بطريقة متعمدة في خلق أزمة تكون كافة الأمور معها ممكنة في آن واحد. وعلى نفس النهج الذي يكون معه "قط شرودنغر" الذي يكون ميتاً وفي نفس الوقت حياً، فإن بوتين يعيش في حالة تعاقب متواصلة بين الهجوم وعدم الهجوم والاختراق وعدم الاختراق، كما أنه يجذب اهتمام العالم نحوه. بيد أن تلك الحالة من غير الممكن استمرارها أبد الدهر.

في هذه الأثناء، نجم عن هذه التوترات موجات من التداعيات في مواقع أخرى أيضاً، من بينها أزمة نقص الطاقة في أوروبا. تصل نسبة واردات أوروبا من الغاز الروسي لحوالي 40% تقريباً، وفي حال أسفرت الحرب عن خسارة كافة هذه الإمدادات، فستكون المنطقة مجبرة على اتخاذ تدابير شديدة القسوة. أصدر خافيير بلاس تحذيره من أن صعود أسعار الغاز سيكون اتجاهاً حديثاً ولن يحدث لمرة واحدة وينتهي الأمر. في حال كنت تتمتع بشعور جميل وإحساس بالأمان داخل الولايات المتحدة، فعليك أن تراجع ذلك الأمر حيث يوجد أيضاً لدى روسيا قدرة على تعطيل أسواق النفط على مستوى العالم، وهو ما قد يسبب خسارة مباشرة للأمريكيين. توضح ميغان أوسوليفان أن ذلك الخيار ربما يكون له تداعيات سلبية بدرجة أقل بالنسبة لروسيا، ومن الممكن أن يجري بطريقة خفية وبسهولة من خلال انفجار في خط أنابيب أو كارثة بيئية.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

في هذه الحالة، كيف من المفترض أن يتصدى الغرب؟ كما كتبت هيئة تحرير وكالة بلومبرغ، فإن الاتحاد يعد أقوى سلاح في يديه. يشير أندرياس إلى أن أوروبا لا تبدو متحدة في الوقت الراهن، لا سيما في ظل انهماك ألمانيا في "الحوار". واقعياً، رغم أن الحكومة ما تزال تتعامل مع فضيحة "بارتي غيت" (Partygate)، فإن المملكة المتحدة تظهر وكأنها شخص راشد في غرفة لمرة واحدة، عقب اتخاذ قرار دبلوماسي صريح بطريقة استثنائية لتقديم 2000 صاروخ من أحدث طراز من نوع N-LAW المضادة لأسلحة الدبابات إلى أوكرانيا، بحسب ما ذكره مارتن إيفينز.

في حال استطاع الغرب توحيد صفوفه لمدة زمنية كافية تفضي إلى رد منسق، فسيكون التحدي متمثلاً في القيام بمعاقبة بوتين باللغة التي يفهمها بطريقة أفضل - من خلال محفظة أمواله الخاصة به والخاصة بأصدقائه. يحتج ماكس هاستينغز بأنه مع أن توقيع عقوبات اقتصادية على روسيا كدولة أمر سليم، إلا أنه غير كاف حيث قال: "السلاح الوحيد المؤثر هو شن هجوم على ثروات وأساليب حياة العصابات الموجودة في الكرملين، المحفوظة عندهم والمستثمرة حول العالم".

اقرأ أيضاً: بايدن يهدد بفرض عقوبات شخصية على بوتين إذا غزت روسيا أوكرانيا

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

يعتبر تحديد موقع ثروة روسيا المستترة في خارج البلاد ومن تؤول إليه مسألة صعبة، بيد أنه في تلك المرحلة من الصحيح أن نقول إنه يوجد الكثير منها. نوهت واحدة من الدراسات التي تعود لسنة 2017 إلى أن الثروة الموجودة خارج البلاد الخاصة بروسيا تبلغ حصتها من الناتج المحلي الإجمالي 54.5%.

تعتبر واحدة من السبل التي تمكن من الوصول إلى محفظة الأموال الروسية هي قطع اتصالها عن "رابطة الاتصالات المالية العالمية بين البنوك"، أو "سويفت" ( Swift)، والتي يُعتمد عليها في نقل الأموال عبر الحدود أو تسوية عمليات تداول الأوراق المالية. عملة الاستبداد والاقتصاد سيتم حجزها في حال جرى حظر وصولها إلى نظام "سويفت". بيد أن تيموثي أوبراين يشير إلى أنه ربما يكون الوصول إلى بوتين في حد ذاته غير كافٍ. كما جاء في تقارير متعلقة بواقعتي تسريب أوراق باندورا وبنما، يخفي بوتين ثروته - وأسهمه في الشركات المملوكة للدولة – من خلال شبكات يديرها أفراد من الأسرة ومستشاروه المقربون منه. ولكي يشعر بوتين بنفس الوجع المالي الذي يشعر به زملاؤه الروس في حال جرى حظر وصول البلاد إلى نظام "سويفت"، سيتوجب على الغرب التعرف على شبكاته المالية وتجميد الحسابات في خارج روسيا. سيكون هذا الأمر صعباً، بيد أنه يستحق العناء.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

موسكو

8 دقائق

-4°C
غائم جزئي
العظمى / الصغرى -6°/-4°
15.4 كم/س
59%

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.