الديون الخضراء تنمو بوتيرة أسرع من تأثيرها المناخي

time reading iconدقائق القراءة - 11
تحذيرات من تقديم المؤسسات المالية صورة مبالغ فيها بشأن دورها في تمويل مكافحة تغير المناخ - المصدر: بلومبرغ
تحذيرات من تقديم المؤسسات المالية صورة مبالغ فيها بشأن دورها في تمويل مكافحة تغير المناخ - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تشهد سوق الديون الخضراء نمواً بوتيرة أسرع بكثير من مشاريع العالم الواقعي الذي تأسس بهدف دعمها، وذلك بفضل قدر من الهندسة المالية.

وفي الوقت الذي لا يتوفر تقدير رسمي يميِّز بين التمويل الأخضر وشركات الأنشطة الخضراء الفعلية، تحذِّر مجموعة متزايدة من المراجعين، والباحثين، ونشطاء المناخ من أنَّ الأرقام التي قدّمها المصرفيون تطرح صورة مبالغة بشأن دورها في مكافحة تغير المناخ.

قال ستانيسلو استيفنياك، الباحث في التمويل المستدام بمؤسسة الفكر ""Instrat، ومقرها وارسو: "ترسم المؤسسات المالية صورة عن نفسها تبرز مساهمتها في التحول المناخي بأنَّها أكثر جدوى مما هي عليه في الواقع".

ويتمحور الاهتمام حول إعادة بيع القروض الخضراء، إذ يتم احتساب مساهمة قطاع التمويل في مشروع أساسي بقدر ما تتم إعادة تمويل الدين الأصلي.

وبعد إصدار القروض، يمكن للمصرفيين تجميعها في سند واحد. ويمكن بعد ذلك بيعها إلى مؤسسة مالية أخرى، ومضاعفة الأصول المالية الخضراء في المراكز المالية للبنوك دون إضافة إلى المشاريع الخضراء الحقيقية.

وأصدرت المؤسسات المالية هذا العام رقماً قياسياً من السندات الخضراء بلغ 180 مليار دولار، وهو أكثر من أي قطاع خاص آخر.

تضخيم الأرقام

من جانبها، قالت مايا غوديمير، محللة التمويل المستدام في "بلومبرغ إن إي إف": "يتعذر وضع رقم على مستوى الحساب المزدوج الذي سيحدث بسبب الطبيعة الخاصة لسوق القروض".

وأضافت: "ومع ذلك؛ فإنَّ المخاطرة تتمثل بأننا نجازف في النهاية بـ صورة أكثر إشراقاً حول إزالة الكربون الفعلية التي يتم تمكينها من قبل مؤسسات الائتمان".

وتمثل إعادة تجميع الديون وهيكلتها مجدداً شكلاً راسخاً وقانونياً تماماً للهندسة المالية.

فعلى الرغم من توفر أمثلة تبرز النتائج العكسية التي يمكن أن تنتج من هذه النماذج في حال تم تطبيقها دون قيود، وانهيار سوق الرهن العقاري الثانوي كمثال على ذلك؛ فإنَّ إعادة تجميع الديون يمكن أيضاً أن تضيف السيولة، وتجلب المزيد من أصحاب المصلحة إلى السوق لمساعدتها على النمو.

ونظراً لأنَّ البنوك تتعرض لضغوط من الجهات التنظيمية، خاصة في أوروبا، من أجل جعل إقراضها أكثر التزاماً بالتحول الأخضر؛ فإنَّ هذا النوع من إعادة التجميع يخدمها جيداً.

لكنَّ الانفصال عن الأعمال التجارية الخضراء الفعلية قد يعوق الجهود الرامية لتتبع مساهمتها في إزالة الكربون العاجلة اللازمة لتجنب كارثة مناخية.

التصدي للغسل الأخضر

ويباشر صانعو السياسات جهودهم في مواجهة احتمالية الغسيل الأخضر هذه في سوق الديون. وبحسب بول تانج؛ وهو العضو بالبرلمان الأوروبي المسؤول عن توجيه التشريع، تتضمن تعديلات مقترحة على معيار السندات الخضراء في الاتحاد الأوروبي بنداً من شأنه أن يحول دون "إنشاء سندات خضراء من فراغ" عن طريق إعادة التمويل المستمر.

يقول ويس بريكر، الذي يشارك في قيادة قسم حلول الثقة بمؤسسة "برايس ووتر هاوس كوبرز": "إنَّه إذا كان هدف الاتحاد الأوروبي هو استخدام نسبة الأصول الخضراء التي سجلتها البنوك لتحديد حجم الاستثمار في المشاريع الخضراء حتى يتمكن صانعو السياسات والمجتمع من فهم ما إذا كنا ننتقل بوتيرة سريعة بما فيه الكفاية؛ فإنَّنا نتلقى إشارة غير دقيقة من خلال عملية التضخيم".

وأضاف بريكر: "يعتمد الأمر على ما نريده من هذا الرقم، ومن يستخدمه، ولأي غرض".

شكوك حول الأثر المناخي

يشار إلى أنّ فئات الأصول القائمة مثل السندات الخضراء لها تأثير مناخي يثير الشكوك أيضاً. وغالباً ما توفر المال لإعادة تمويل المشاريع الخضراء المكتملة، ولا يُلزم السند جهة الإصدار باستخدام رأس المال المحرَّر في مشروع أخضر آخر.

وشهد هذا العام ظهور المشتقات الخضراء، ومستودعات إعادة الشراء، التي حذّر المشرِّعون من أنَّها قد تكون عرضة للغسيل الأخضر، وهم في سباقهم نحو تصميم كتيب قواعد لمثل هذه المنتجات.

الحزم التنظيمية للاتحاد الأوروبي يتسم نطاقها بالعالمية، وتؤثر في الشركات خارج الاتحاد إذا كانت تستهدف العملاء في دوله. وتتمثل الفكرة في توجيه رأس المال بعيداً عن الأنشطة التي تضر بالكوكب، وضخها في المشاريع التي تستهدف حماية البيئة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

يقول فريديريك هاش، الذي يرأس مرصد التمويل الأخضر، ومقره بروكسل، إنَّ صانعي السياسة في أوروبا يجب أن يسترشدوا بالرؤية التي تم الكشف عنها في قمة المناخ باسكتلندا الشهر الماضي.

ويرى أنَّ أي بنك يعيد تمويل سجل القروض الخضراء لديه عبر الأوراق المالية الخضراء لا يحسب القروض في نسبة الأصول الخضراء.

وأضاف: "لقد سلط مؤتمر الأمم المتحدة للتغيُّر المناخي COP26 أخيراً الضوء على الأهمية المُلحة لتجنب الحساب المزدوج لأرصدة الكربون لأغراض السلامة البيئية والمصداقية"، مشيراً بالقول إنَّ "الأمر نفسه ينطبق على المطالبات الخضراء".

تصنيفات

قصص قد تهمك

2022 هو عام مواجهة الغسل الأخضر في الصين

time reading iconدقائق القراءة - 10
صورة جوية لمواقع البناء والتطورات السكنية الجديدة في منطقة نانتشوان في شينينغ ، مقاطعة تشينغهاي، الصين. - المصدر: بلومبرغ
صورة جوية لمواقع البناء والتطورات السكنية الجديدة في منطقة نانتشوان في شينينغ ، مقاطعة تشينغهاي، الصين. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

إذا أرادت الصين اختيار عبارة للعام الجاري، فيجب أن تكون عبارة "حياد الكربون" في القائمة المختصرة.

منذ أن أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أن أكثر دولة مصدرة للانبعاثات في العالم ستصل إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060، أصبحت عبارة "حياد الكربون" إحدى العبارات الرئيسية التي يتم ترديدها في كل اجتماع وخطاب في البلاد، بغض النظر عما إذا كان الأمر يتعلق بالاقتصاد أو التمويل أو التكنولوجيا أو حتى الثقافة والسياحة.

الغسل الأخضر

يُظهر ذلك وعياً متنامياً بالمناخ في المجتمع الصيني، لكنه في الوقت نفسه يخلق مستويات غير مسبوقة من الضجيج والغسل الأخضر.

في الأشهر القليلة الماضية وحدها، أرسلت 10 شركات على الأقل دعوات لنا لزيارة مدنها الصناعية "محايدة الكربون" أو للتعرف على منتجاتها "محايدة الكربون" من البيرة إلى القمصان القطنية.

تُرافق الدعوات دائماً أوصافاً للتقنيات المبهرة المستخدمة لتقليل الانبعاثات، والرسوم البيانية التي توضح كمية الطاقة أو المياه التي يتم توفيرها، وبالطبع شعارات تردد كلمات كبار القادة في بكين.

ومع ذلك، غالباً ما تكون هناك معلومة أساسية مفقودة لديهم: وهي انبعاثاتهم. ما هي كمية ثاني أكسيد الكربون التي تم إطلاقها خلال صنع المنتج؟ ما مقدار الوقود الذي تم حرقه لإنتاج مواده الخام؟ ما نوع برامج التعويض التي تقوم الشركة بتمويلها لتحقيق التوازن في ذلك؟

كما تكتسب العديد من المصطلحات الأخرى ذات الصلة اعتماداً أكبر: "إيكولوجي" و"نظيف" و"أخضر" و"صديق للبيئة".

ولهذه المصطلحات آثار أكثر سلبية، لأن غموضها يسمح للشركات بتضليل العملاء، وإرباك الجمهور، والتستر على الصناعات والشركات التي تستمر في التلوث.

الحياد الكربوني

إن الحياد الكربوني ليس شعاراً جذاباً، بل إنه هدف يتطلب حسابات دقيقة وخطط عمل مفصلة.

يقول لي شو، محلل السياسة العالمية في قسم شرق آسيا لمنظمة "السلام الأخضر": "المناخ وحياد الكربون هما آخر الكلمات التي أصبحت الأكثر شعبية في العام الماضي... وعلى الرغم من أنه من الأفضل أن يتحدث الناس عن هذا الأمر كثيراً بدلاً من أن يتحدثوا عنه نادراً جداً، سرعان ما سيتعين على الجميع أن يصحوا ويدركوا أنه لم يتبق الكثير من الوقت لمثل هذه الضجة؛ فهناك أسئلة حقيقية تجب مواجهتها والإجابة عليها".

منذ تعهد شي بشأن المناخ في سبتمبر 2020، أعلنت العديد من الشركات الصينية مواعيد نهائية للوصول لصافي انبعاثات صفرية. لكن العديد من المقترحات تتكون من وعود غامضة بدلاً من إجراءات ملموسة، بل إن بعض الخطط تتعارض مع اتجاه الابتعاد عن الوقود الأحفوري.

العالم يحرق أكبر كمية فحم في تاريخه لإضاءة الأنوار

الفحم النظيف

خذ على سبيل المثال شركة "المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري"، أكبر منتجة للنفط والغاز البحري في الصين.

للوصول إلى "الحياد الكربوني"، وعدت الشركة بالقضاء على الانبعاثات في عملياتها، على الرغم من أنها لن تعمل على معالجة غازات الاحتباس الحراري المنبعثة عند حرق النفط الذي تبيعه.

بالإضافة إلى ذلك، تخطط الشركة لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي، الذي لا ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون فقط عند استخدامه، ولكنه يعد أيضاً مصدراً رئيسياً لغاز الميثان الأكثر قوة من ناحية احتجازه للحرارة.

وما يسمى "الفحم النظيف" هي عبارة أخرى تستخدمها الصناعات والشركات لتغطية استثماراتها المستمرة في أكثر أنواع الوقود تلويثاً.

أيدت الحكومة المركزية مؤخراً هذا المفهوم المثير للجدل من خلال تخصيص أكثر من 200 مليار يوان (31 مليار دولار) لتمويل مشاريع الفحم النظيف بمعدلات تفضيلية، ضمن إطار جهود الصين "لتعزيز تنمية صديقة للبيئة ومنخفضة الكربون".

جاء هذا الإعلان بعد أيام فقط من مساهمة الصين في قيادة جهود اللحظة الأخيرة خلال قمة المناخ "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021" لإضعاف صيغة القرار الخاص بالتخلص التدريجي العالمي من طاقة الفحم.

الرقابة على الشركات

تقول تشين يان، المحللة الرئيسية لقسم الكربون في "ريفينيتيف" (Refinitiv)، إنه لا يوجد معيار أو آلية وطنية للتحقق من جميع الادعاءات المحايدة للكربون التي تزعمها الشركات، والمؤسسات التي تحكم على مشاريع تعويض الكربون تختلف اختلافاً كبيراً.

تضيف يان: "إن توحيد نظام الائتمان والتحقق سيكون الخطوة التالية التي يجب أن تذهب الصين باتجاهها... الطريقة الصينية هي من أعلى إلى أسفل وتعتمد على اللوائح الإدارية، بينما في أوروبا هناك إشراف من مجموعات مستقلة، وغالباً ما تنتقد وسائل الإعلام سلوكيات الشركات بشأن الغسل الأخضر".

بدورها، لا تقوم وسائل الإعلام الصينية بالمساعدة على فعل ذلك. فبدلاً من رصدها للغسل الأخضر، انضم الكثيرون إلى جنون الاستخدام الأعمى لعبارة "حياد الكربون".

في الشهر الماضي، اقترحت مقاطعة شاندونغ مخططاً جديداً يسمح فقط للشركات بإطلاق مشاريع عالية الانبعاثات عندما يكون بإمكانها إثبات أنها تجنبت نفس الحجم من الانبعاثات من مشاريع أخرى لها، من خلال الترقيات التكنولوجية أو تقليل السعة أو التحول إلى الطاقة النظيفة.

في حين أن المطلب لا يفعل شيئاً لتقليل إجمالي الانبعاثات، فسرت العديد من وسائل الإعلام الصينية هذه السياسة على أن "المشاريع الجديدة يجب أن تكون محايدة الكربون".

يقول لي من منظمة "السلام الأخضر": "الشعارات الفارغة لن تدوم طويلاً بدون خطط يمكن الوصول إليها، والأكاذيب الخضراء ستنتهي قريباً... لم نعد في الوقت الذي يكون فيه الهدف طويل المدى الذي تم تحديده لعقود لاحقة كافياً لإرضاء الناس... حالياً بعد غلاسكو نحتاج إلى معرفة ما هي الخطة للسنوات الثلاث المقبلة".

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.