قدم هوارد لوتنيك مرشح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمنصب وزير التجارة، أكثر الإشارات وضوحاً بشأن رؤيته للعديد من الملفات، في مقدمتها الرسوم الجمركية وأثرها على التضخم، بالإضافة إلى العلاقة مع الحلفاء والخصوم.
لوتنيك اعتبر خلال حديثه في جلسة تأكيد تعيينه أمام لجنة مجلس الشيوخ للتجارة والعلوم والنقل في واشنطن، أن الرسوم الجمركية تحقق للولايات المتحدة عدة أهداف في وقت واحد، فهي تعزز الأمن القومي، كما من شأنها إعادة التصنيع الأميركي، والمحافظة على سلاسل التوريد، وفقاً لحديثه في عدة فيديوهات نشرتها "بلومبرغ" من جلسة تأكيد التعيين.
أفادت "بلومبرغ" أيضاً بأن لوتنيك شهد استقبالاً حاراً من الجمهوريين في اللجنة، وبعض الديمقراطيين، في وقت قال نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس خلال تقديمه للجنة، إنه "رجل طيب يمكنه عكس ركود الأجور، والترويج للاقتصاد الأميركي في الخارج". قد يشير هذا إلى أن مسيرة تأكيد تعيينه ستمر من دون الكثير من المعوقات.
تعهد الرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية على الحلفاء والخصوم بنسب متفاوتة. كما يخطط لفرض رسوم شاملة على جميع واردات الولايات المتحدة من الأدوية الأجنبية وأشباه الموصلات والمعادن، "في المستقبل القريب".
اقرأ أيضاً: لماذا تثير خطط ترمب لزيادة الرسوم الجمركية جدلاً واسعاً؟
تطرق لوتنيك بكثافة إلى موضوع الرسوم الجمركية، إذ ميّز بين استخداماتها والأهداف منها.
واعتبر أن تهديد الرئيس بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على كندا والمكسيك اعتباراً من الأول من فبراير، هو "تكتيك قصير المدى مرتبط بشكل ضيق بقضايا الهجرة والفنتانيل على حدودهما مع الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن البلدين يستطيعان تجنب الرسوم في حال تم "تنفيذ المطالب الأميركية".
وقال في إشارة إلى كندا والمكسيك: "إذا كنا أكبر شريك تجاري لك، فأظهر لنا الاحترام وأغلق حدودك"، مضيفاً: "على حسب معلوماتي، فإنهم يتصرفون بسرعة، وإذا قاموا بتنفيذ الطلبات الأميركية فلن يتم فرض رسوم جمركية، ولكن إذا لم يفعلوا ذلك فسيكون هناك رسوم جمركية".
أهداف أطول أجلاً
رغم حديثه عن التكتيكات "قصيرة الأجل"، إلا أن لوتنيك الذي اختاره ترمب لقيادة "أجندة التعريفات والتجارة"، يفضل الأهداف الأطول أجلاً التي من شأنها أن تعيد ضبط العلاقات التجارية، وتدفع التصنيع إلى الولايات المتحدة، وذلك عبر استخدام وسائل مثل الرسوم الجمركية "على نطاق واسع" على أساس "كل دولة على حدة".
اقرأ أيضاً: تهديدات ترمب الجمركية تعيد للدولار هيبته وتقلق سكينة سوق العملات
برر لوتنيك تفضيله، بأن الولايات المتحدة "تُعامل بشكل فظيع" في بيئة التجارة العالمية، وهي شكوى سبق لترمب أن أكد عليها، مندداً بالممارسات غير العادلة من قبل شركاء الولايات المتحدة التجاريين.
الآثار على التضخم
أثارت التهديدات بفرض رسوم جمركية على أبرز شركاء الولايات المتحدة التجاريين مخاوف من تصاعد وتيرة التضخم. وتطرق رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى هذا الأمر في مؤتمره الصحفي بعد الإعلان عن قرار الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية، رغم أنه لم يعط إجابة تطفئ نار الأسواق القلقة.
اقرأ أيضاً: معاناة اقتصاد العالم بسبب سياسات ترمب ستتجلى في 2026
باول أشار إلى أنه "لا نعرف ما الذي سيحدث مع الرسوم، الهجرة، السياسة المالية، أو التنظيمية". وأضاف: "نحن بحاجة إلى السماح لهذه السياسات بالعمل قبل أن نتمكن من البدء في إجراء تقييم معقول لما ستكون عليه آثارها على الاقتصاد"، معتبراً أن "الاحتمالات واسعة جداً.. ولا أود أن أبدأ بالتكهن، لأننا لا نعرف كيف ستتبلور الأمور". وخلص إلى أن "أفضل ما يمكن فعله هو ما فعلناه حتى الآن.. الترقب ودراسة الوضع".
لوتنيك وصف مخاوف زيادة التضخم بسبب الرسوم الجمركية بأنها "كلام فارغ"، رغم اعترافه بأن أسعار بعض المنتجات سترتفع.
"تكتيك تفاوضي فعال"
رغم حديثه عن خطط التعريفات الجمركية، إلا أن لوتنيك وصفها أيضاً بأنها "تكتيك تفاوضي فعال" من شأنه أن يجبر الدول الأخرى على "إعادة احترام الولايات المتحدة".
باتت فكرة استخدام الرسوم بهدف الضغط لتحقيق مكاسب اقتصادية أو سياسية مقبولة في الولايات المتحدة، وسبق أن رددها العديد من المسؤولين من ترمب وصولاً إلى وزير الخزانة المعين حديثاً سكوت بيسنت.
اقرأ أيضاً: ترمب والرسوم الجمركية.. أداة تفاوض أم تهديد جدي؟
ولكن هذه الاستراتيجية باتت أكثر وضوحاً خارج الولايات المتحدة أيضاً، إذ أشارت كريستيا فريلاند السياسية الكندية التي تتنافس على منصب رئاسة الوزراء خلفاً لجاستن ترودو، إلى أن ترمب يهدد الحلفاء لإيصال رسائل إلى الصين.
"أعلى رسوم على الصين"
لوتنيك لم يغفل عن الصين، إذ أشار عندما سئل عما أن إذا كانت سياسة التعريفات الجمركية تميز بين الأصدقاء والخصوم، إلى أن "الصين يجب أن تواجه أشد الرسوم الجمركية بشكل عام، ولكن الحلفاء لن يسلموا".
وأضاف: "أعتقد أن التعريفات الجمركية الصينية يجب أن تكون الأعلى، لكن حقيقة أننا لا نستطيع بيع سيارة أميركية في أوروبا خاطئة تماماً، ويجب إصلاحها"، وتابع: "إنهم يستغلوننا، إنهم لا يحترموننا، وأود أن أرى نهاية لذلك".
اقرأ أيضاً: هل تأثر الاقتصاد الأميركي برسوم ترمب الجمركية السابقة على الصين؟
عاد لوتنيك أيضاً لموضوع الصين عندما سئل عن ضوابط التصدير والاختراق الذي حققه نموذج الذكاء الاصطناعي من شركة "ديب سيك" (DeepSeek) الصينية الناشئة، واعتبر أن "ضوابط التصدير لدينا، غير المدعومة بالتعريفات الجمركية، تشبه التكهن"، مضيفاً: "يتعين علينا إيجاد طريقة لدعم ضوابط التصدير لدينا، بنموذج التعريفات الجمركية". وبشأن نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني، رأى لوتنيك أنه لم يتم تنفيذه بشكل كامل بطريقة "نزيهة"، معتبراً الأحاديث عن هذا الأمر "مجرد كلام فارغ".
اقرأ أيضاً: ما هو "DeepSeek" الصيني ولماذا يقلق عمالقة الذكاء الاصطناعي؟
قانون بايدن للرقائق
لم تقتصر تصريحات المرشح لمنصب وزير التجارة على الرسوم الجمركية، إذ شملت أيضاً قانون الرقائق الذي أقره الرئيس السابق جو بايدن والذي يعتبره أهم إنجازات عهده.
لوتنيك الذي قد يقود الوزارة المسؤولة عن برنامج دعم أشباه الموصلات بقيمة 52 مليار دولار، رفض دعم البرنامج بشكل غير مشروط، ولكنه لفت أيضاً إلى أنه "دفعة أولى ممتازة لقدرتنا على إعادة تصنيع أشباه الموصلات إلى الولايات المتحدة".
اقرأ أيضاً: فوز ترمب يشعل سباقاً لإتمام اتفاقيات قانون الرقائق
خصص قانون الرقائق 39 مليار دولار في شكل منح لمشاريع التصنيع، بالإضافة إلى قروض وإعفاءات الضريبية، وذلك بهدف تعزيز صناعة الرقائق الأميركية، بعد عقود من تحول الإنتاج إلى آسيا.
وحتى الآن، تم صرف 4.3 مليار دولار فقط من حوافز التصنيع. وذلك لأن الشركات لن تتلقى المال إلا عندما تصل إلى معايير البناء والإنتاج الرئيسية، وفق "بلومبرغ". وقال لوتنيك عندما سُئل عن الحوافز: "كهيكل، أعتقد أننا بحاجة إلى مراجعتها وتصحيحها".