انسحاب أميركا من منظمة الصحة العالمية يهدد أبحاث الأمراض المعدية

تغييرات أحدثها ترمب في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تقلق العلماء بشأن تفشي أمراض خطيرة

time reading iconدقائق القراءة - 15
صورة تعبيرية عن تبعات انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية - بلومبرغ
صورة تعبيرية عن تبعات انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يعتمد العلماء على تقارير شبكة مختبرات متخصصة بمراقبة الحصبة والحصبة الألمانية، تُعرف اختصاراً باسم "غريملين" لمتابعة أخطر الأمراض المعدية حول العالم. وتضم هذه الشبكة أكثر من 700 مختبر دولي تفحص عينات تُجمع من نحو نصف مليون مريض سنوياً.

لا تقتصر أنشطة "غريملين" على مراقبة الحصبة والحصبة الألمانية، بل تمتد لتشمل مجموعة واسعة من الأمراض المعدية، مثل كورونا والفيروس التنفسي المخلوي (RSV) وحمى الضنك والحمى الصفراء والإيبولا.

اللافت أن هذه الشبكة تؤدي هذا الدور الحيوي بميزانية سنوية متواضعة لا تتجاوز 8 ملايين دولار، أي أقل من 10% من تكلفة طائرة مقاتلة واحدة من طراز "إف-35".

اقرأ أيضاً: ترمب يوجه بانسحاب الولايات المتحدة من "منظمة الصحة العالمية

وقف التمويل

مع ذلك، قد يتوقف هذا البرنامج الذي تديره منظمة الصحة العالمية، لكونه يتلقى تمويله بشكل رئيسي من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها - الوكالة الأميركية الرائدة في مجال الصحة العامة التي تقود منذ تأسيسها عام 1946 في أتلانتا، جهود مكافحة تفشي الأمراض المعدية الخطرة، وهو دور يُتوقع أن تستمر في تأديته في كل مرة ترصد شبكة المختبرات تهديدات صحية كبرى.

لكن بعد تولي الرئيس دونالد ترمب منصبه في 20 يناير، اكتشف العاملون في شبكة المختبرات أن مصير البرنامج أصبح في مهب الريح بعدما قررت الولايات المتحدة سحب تمويلها، ما دفعهم للبحث بشكل عاجل عن جهات مانحة بديلة.

هذا القرار الذي اتُخذ ببساطة يقدم مثالاً مهماً حول الاضطرابات التي تعصف بمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها التي باتت اليوم تخضع إلى روبرت كينيدي جونيور، الذي طالما روّج لمزاعم زائفة تشكك بسلامة اللقاحات وغير ذلك من مفاهيم لا تستند إلى العلم، وعينه ترمب وزيراً للصحة والخدمات الإنسانية في 13 فبراير. 

أُبلغ نحو 700 موظف في المراكز، بينهم علماء ميدانيون وفنيو مختبرات بإنهاء خدماتهم، حيث تلقى كثير منهم إشعارات بصرفهم من الخدمة عبر رسائل إلكترونية لأن "أداءهم لم يكن كافياً لتبرير استمرار توظيفهم".

انسحاب من منظمة الصحة العالمية

تلقت المراكز أيضاً أمراً بالتوقف التام عن التواصل مع منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، التي برغم الأخطاء التي ربما ارتكبتها خلال جائحة كورونا، تبقى المنصة العالمية الرئيسية المعنية بتنسيق السياسات الصحية العامة ومشاركة المعلومات بشأنها.

في نهاية فبراير، كاد خبراء الانفلونزا في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها يفوتون حضور القمة العالمية لمناقشة تركيبة لقاحات الانفلونزا المقبلة، ولم يؤكدوا مشاركتهم إلا قبل 48 ساعة من موعد الاجتماع. وفي وقت من الأوقات، كانت صفحات الموقع الإلكتروني للوكالة التي تحتوي على بيانات صحية أساسية، تختفي بوتيرة سريعة جداً لدرجة أن الباحثين المستقلين اضطروا لبذل جهود مكثفة لحفظها وتحديد المعلومات المحذوفة أو المعدلة.
رفض متحدث باسم مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الإدلاء بأي تعليق عند إعداد هذا التقرير، كما لم تستجب وزارة الصحة والخدمات الإنسانية على طلب التعليق.

أتت بعض التغييرات التي أجرتها إدارة ترمب في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بتوجيه من وزارة الكفاءة الحكومية التي يقودها إيلون ماسك، رغم أنها في الواقع مكتب يعمل تحت إشراف البيت الأبيض وليست وزارة رسمية. لكن توقيت هذه التغييرات يتسم بالخطورة، فالولايات المتحدة تشهد أسوأ موسم إنفلونزا منذ 15 عاماً، أدى منذ شهر أكتوبر إلى إدخال 430000 مريض إلى المستشفيات ووفاة 19000.

إلى ذلك، سُجل ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة، في ظل تراجع معدلات التلقيح. وقد أدى تفشي الفيروس الفتاك شديد العدوى إلى حالات استشفاء، وتسبب بوفاة شخص واحد على الأقل في ولاية تكساس.

هناك عامل ممرض آخر يثير القلق، وهو "إتش 5 إن 1" المعروف باسم "إنفلونزا الطيور" الذي تفشى في مزارع الدجاج، ما أدى إلى ارتفاع أسعار البيض، وبدأ يصيب الأبقار الحلوب وحتى البشر، وإن كان بأعداد محدودة حتى الآن. ويزداد خطر حدوث طفرة قد تحول المرض إلى وباء مع اتساع نطاق انتشاره.

مخاطر على الأرواح

يؤكد ماسك وترمب وحلفاؤهما أن هذه التغييرات ضرورية لضبط الإنفاق غير الأساسي وإعادة الحكومة للتركيز على الأولويات. من جانبه، أشار كينيدي خلال جلسة المصادقة على تعيينه في مجلس الشيوخ إلى نيته توجيه البحوث الاتحادية للتركيز أكثر على الأمراض المزمنة، بدل الإفراط في التركيز على الأمراض المعدية، على حد وصفه.

لكن علماء وخبراء في مجال الصحة العامة قابلتهم بلومبرغ بزينسويك قالوا إن البرامج المستهدفة لدى مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وغيرها من الوكالات الصحية والعلمية ليست هدراً بأي شكل من الأشكال، وإن إلغاءها قد يقود إلى زيادة الوفيات الناجمة عن أمراض يمكن الوقاية منها وعلاجها.

قالت أنجيلا راسموسن، عالمة الفيروسات في جامعة ساسكاتشيوان بكندا والمحررة الشريكة لدورية "فاكسين" (Vaccine): "هذا أسوأ سيناريو يمكن أن أتخيله... لا يمكن تصور عدد الأشخاص الذين ستُدمر حياتهم".

قبل تنصيب ترمب، كانت السياسات الصحية الأميركية ترتكز إلى ثلاث مؤسسات رئيسية، بحيث تتولى مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها رصد التهديدات الصحية الحادة، لا سيما الأمراض المعدية، والاستجابة لها محلياً ودولياً، وكانت الوكالة الرديفة لها "المعاهد الوطنية للصحة" تقدم نحو 47 مليار دولار سنوياً لتمويل بحوث في مجال الطب الحيوي، سواء في مختبراتها أو في المؤسسات الأكاديمية الأميركية.

فيما كانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تعمل على تعزيز أنظمة الرعاية الصحية عالمياً وتوفير العلاجات، ومنها علاجات فيروس نقص المناعة المكتسب (إتش آي في)، التي طوّرتها الولايات المتحدة وأسهمت في إنقاذ ملايين الأرواح في أفريقيا جنوب الصحراء.

زعزعة الدور الأميركي

لا شك أن الصحة العامة مجال تعاوني بامتياز، إذ يتعين على العاملين فيه الحفاظ على تواصل مستمر مع زملائهم حول العالم، مع ذلك، كانت الولايات المتحدة تضطلع بدور فريد من نوعه في هذا المجال.

قالت ميتشيل وارن، المديرة التنفيذية لمنظمة "أفاك" (AVAC) في نيويورك، التي تدعم البحوث حول الوقاية من فيروس نقص المناعة المكتسب: "على امتداد سلسلة القيمة، أي بدءاً من تطوير المنتجات والموافقة عليها، مروراً بتقديم الإرشادات وإنشاء البنية التحتية للتوزيع، وانتهاءً بالحفاظ على أنظمة المراقبة لضمان السلامة عالمياً، قد لا تكون الولايات المتحدة اللاعب الوحيد، لكنها المحرّك الأساسي على كلّ هذه الأصعدة".

تمتد فوائد هذه البنية التحتية الصحية إلى الاقتصاد. فهي توفر أكثر من 400 ألف وظيفة للأميركيين، كما تضمن اطلاع الحكومة الأميركية أولاً بأول على كل التهديدات الصحية التي قد تؤدي إلى تحولات في المجتمع.

إلا أن كثيراً من مكونات هذه المنظومة تخضع حالياً إلى ما يسميه ماسك "تفكيكاً سريعاً غير مجدول"، وهو المصطلح عينه الذي تستخدمه شركته "سبيس إكس" بعد انفجار الصواريخ. إن جميع موظفي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يواجهون خطر الصرف من العمل أو الإجازات الإدارية. أما البرامج القليلة التي ستنجو، فيُرجح أن تُلحق بوزارة الخارجية.

وقد جُمّد جزئياً التقدم بطلبات المنح من المعاهد الوطنية للصحة، كما بدأت الوكالة تقليصاً حاداً لمساهماتها في التكاليف غير المباشرة للأبحاث، مثل صيانة المختبرات ودعم تقنية المعلومات، إذ أن ماسك وصف هذه النفقات بأنها "عمليات نصب".

قد يفتح إلغاء الوكالتين أو تقليص عملياتهما الباب أمام الصين، التي تُعد واحدة من أكبر الجهات المانحة للمساعدات الأجنبية، وهي أخذت تزيد إنفاقها في مجال الطب الحيوي.

تقويض مراقبة الأمراض

لكن التغيير الذي يطال مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها سيكون الأكثر تأثيراً على المدى القريب، إذ إن وظائفها تشمل العمل كجهاز استخباراتي ضخم، يراقب البيانات من مختلف أنحاء العالم لرصد الاتجاهات المقلقة والتدخل قبل تفاقمها. لكن وظيفة المراقبة هذه كانت من أوائل ما تعطل مع تولّي ترمب الحكم.

في نهاية يناير، لم تصدر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، لأول مرة في تاريخها، التقرير الأسبوعي للمرض والوفيات، وهي نشرة حول الصحة العامة اعتمد عليها الأطباء وصانعو السياسات من عدة نواح لأكثر من قرن. كما توقفت عن مشاركة البيانات عبر منصتي (FluNet) و(FluID)، اللتين تتبعان انتشار الإنفلونزا عالمياً.

اقرأ أيضاً: من إنفلونزا الطيور إلى كوفيد.. الأمراض المعدية تطل برأسها من جديد

مثل شبكة مختبرات "غريملين"، تدير منظمة الصحة العالمية كلتا المنصتين. وقد وقع ترمب في أول أيام رئاسته أمراً تنفيذياً يقضي بانسحاب الولايات المتحدة من المنظمة الأممية، مبرراً ذلك بـ"سوء إدارتها" لجائحة كورونا و"فشلها في تبني الإصلاحات العاجلة المطلوبة".

قالت ماريا فان كيركهوف، المديرة المؤقتة للاستعداد للأوبئة والجوائح في منظمة الصحة العالمية للصحفيين في جنيف في 12 فبراير إن التواصل مع مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها توقف منذ حوالي 24 يناير.

تنسّق منظمة الصحة العالمية أيضاً اختيار السلالات لصنع لقاحات الأنفلونزا الموسمية، استناداً إلى المعلومات المقدمة من حوالي 130 دولة. (يجب تحديث اللقاحات بانتظام للحفاظ على فعاليتها). في فبراير، عقدت المنظمة اجتماعاً للجنة الاستشارية كان مخططاً له مسبقاً في لندن، وعادةً ما يحضره نحو خمسة ممثلين من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.  لكن هذا العام، بقي المسؤولون متحيرين حتى اللحظة الأخيرة حول حضور ممثلين عن الوكالة الاجتماع أو ما إذا كانت سترسل مجموعة البيانات التي تقدمها بانتظام لتوجيه المناقشات.

في نهاية المطاف، قدمت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها البيانات، وشارك موظفوها في الاجتماع عبر الفيديو. ولم يتضح إن كان الموظفون قد حصلوا على إذن من إدارة ترمب للمشاركة في الاجتماع الذي تنظمه منظمة الصحة العالمية، أو إن كان خبراء مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها سيُمنعون من المشاركة في مثل هذه الاجتماعات في المستقبل، وهو ما يثير قلق خبراء الإنفلونزا. 

سيحرم تغيبهم الدول الأخرى من الخبرات الأميركية، لكنه سيقلص في الوقت نفسه المعلومات المتوفرة لدى الحكومة الأميركية التي تساعدها في الاستعداد لمواجهة مواسم الإنفلونزا المستقبلية. 

قالت نانسي كوكس، عالمة الفيروسات التي قادت برامج الإنفلونزا في مراكز السيطرة على الأمراض لأكثر من 20 عاماً: "الانسحاب من منظمة الصحة العالمية يعني أننا سنقود الطائرة دون أن نرى ما أمامنا". وقد ألغت إدارة ترمب اجتماعاً كان مقرراً في مارس للجنة الاستشارية للقاحات في إدارة الغذاء والدواء الأميركية، وكان يهدف لمناقشة خطط لقاحات الإنفلونزا. 

خطر إنفلونزا الطيور

غير أن ما يقلق زملاء كوكس أكثر هو خطر إنفلونزا الطيور، الذي ربما لم يسمع به كثيرون. فحتى الآن التأثير الأكبر لفيروس "إتش 5 إن 1" ما يزال مقتصراً على الحيوانات في المزارع والبرية، بينما أغلب من أصيبوا به- وعددهم قليل نسبياً- من البشر الذين كانوا عمال مزارع، وجاءت أعراضه عليهم خفيفة عموماً. لكن ثمة أدلة على احتمال انتشار العامل المسبب للمرض دون اكتشافه.

أظهرت دراسة حديثة لـ مراكز السيطرة على الأمراض، نُشرت في منتصف فبراير بعد تأخير غير مبرر دام أسبوعين، حالات لثلاثة أطباء بيطريين مختصين في الأبقار أصيبوا بالفيروس دون أن يدركوا ذلك. المقلق في الأمر أن أحدهم كان يعمل في ولايتي جورجيا وجنوب كارولاينا اللتين لم تبلغا عن أي تفشيات لفيروس "إيتش 5 إن 1" في مزارع الأبقار.

اقرأ أيضاً: كل ما تحتاج معرفته عن إنفلونزا الطيور ومخاوف الجائحة

رغم إعلان إدارة ترمب إعطاء الأولوية لاحتواء إنفلونزا الطيور، فإن هذه المساعي لم تكن في منأى عن حملة تقليص النفقات. فقد فُصل في الفترة الماضية كثير من الموظفين في وزارة الزراعة الأميركية الذين يعملون على بحوث تتعلق بإنفلونزا الطيور، عن طريق الخطأ، إذ تقول الوزارة إنها "تعمل بسرعة لتصحيح الوضع". كما تراجع الحكومة عقداً بقيمة 590 مليون دولار مع شركة "موديرنا" لتطوير لقاح ضد فيروس "إتش 5 إن 1"، وفقاً لأشخاص مطلعين على الموضوع تحدثوا إلى بلومبرغ نيوز. في حال إلغاء العقد، قد يتعذر بلوغ المرحلة الأخيرة من اختبار اللقاح.

السيناريو الأسوأ الذي يخشاه علماء الفيروسات منذ اكتشاف فيروس "إتش 5 إن 1" لدى البشر في التسعينيات، هو أن يتبادل هذا الفيروس الجينات مع فيروس الإنفلونزا الموسمية، ما قد يؤدي إلى ظهور سلالة أكثر ضراوة قادرة على الانتقال بسهولة بين البشر.

برغم أن هذا الاحتمال ما يزال نظرياً حتى الآن، لكن احتمال أن يتحقق يبقى وارداً عندما يصاب مضيف، سواء كان إنساناً أو حيواناً، بإنفلونزا الطيور والإنفلونزا الموسمية بتزامن. وتزداد احتمالية حدوث هذا عندما ينتشر الفيروسان على نطاق واسع، كما هو الحال حالياً في أجزاء واسعة من الولايات المتحدة.

قالت ماريون كوبمانز، رئيسة قسم الدراسات الفيروسية في جامعة "إيراسموس" في روتردام إن الخطر "يظلّ منخفضاً إلى حين يقع التغيير". وتساءلت: "كيف يمكنك رصد هذا التغيير إذا لم تكن تتابعه عن كثب؟ هذا هو مصدر القلق. نعتمد على مراقبة وثيقة، وينبغي تعزيزها في مثل هذه الحالة". وقد يتعذر رصد التفشيات الفيروسية الخطرة بغياب المتابعة إلا بعد أن تغص المستشفيات بالمرضى.

تغيير حتمي

ستتوضح خطط الإدارة الجديدة المتعلقة بمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بشكل أفضل خلال الأسابيع المقبلة على الأرجح، مع تباطؤ وتيرة التغييرات التي تجريها وزارة الكفاءة الحكومية، ومع إحكام كينيدي لقبضته على وزارته، إذ إن آراءه تناقض بشدة آراء العلماء العاملين تحت قيادته لأنه إضافة لمناهضته للقاحات شكك بالرابط المثبت بين فيروس نقص المناعة المكتسب (إتش آي في) ومتلازمة العوز المناعي المكتسب (إيدز)، وادعى زوراً أن فيروس كورونا "يستهدف البيض والسود". لكن كينيدي صرح في مقابلة حديثة أنه لا يوجد ما يقلق موظفي وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الذين يقومون بعمل علمي جيد.

بما يكاد يبلغ اليقين سيتقلص حجم مراكز السيطرة على الأمراض ويتراجع تمويلها وستبدي تحفظاً أكبر في شراكاتها الدولية خلال السنوات الأربع المقبلة. كما يُرجَّح أن تفقد بعضاً من أفضل كوادرها، سواء نتيجة التسريح من العمل أو الاستقالات الطوعية، إذ يمكن لكثير منهم كسب رواتب أعلى بكثير في المختبرات الجامعية أو شركات الأدوية.

ولن تمكن معرفة مدى قدرة هذه الوكالة على التصدي للتهديدات الصحية الناشئة، أو لجائحة جديدة، بعد تقليص مواردها وإضعاف معنوياتها إلا عند وقوع اختبار كهذا.

قال هارلان كرومهولز، مدير مركز أبحاث وتقييم النتائج في مستشفى "يال نيو هافن" وهي مجموعة أكاديمية تقدم استشارات للمستشفيات والحكومات في مجال رعاية المرضى: "هناك أوجه قصور يتوجب معالجتها، ويجب أن نبقى منفتحين على أساليب وأفكار جديدة... في الوقت نفسه، مهم أن ندرك أننا بنينا نظاماً فريداً محركاً بصورة استثنائية للاكتشاف يدعم عدة ابتكارات وشراكات عبر العالم. إن لم نحذر، فقد نخاطر بتفكيك شيء تطلب بناؤه عقوداً".

تصنيفات

قصص قد تهمك

فيروس كورونا جديد من خفافيش الصين يثير القلق

معهد ووهان يكتشف فيروس "كوفيد" جديد وسط مخاوف من تفشي جائحة عالمية جديدة

time reading iconدقائق القراءة - 8
أفراد أمن يحرسون معهد ووهان لعلم الفيروسات في ووهان - المصدر: بلومبرغ
أفراد أمن يحرسون معهد ووهان لعلم الفيروسات في ووهان - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أعلن علماء في معهد "ووهان لعلم الفيروسات" في الصين مؤخراً عن اكتشاف فيروس جديد من عائلة كورونا ينتقل عبر الخفافيش، يحمل اسم "HKU5-CoV-2"، ولديه القدرة على دخول الخلايا البشرية عبر مُستقبِل "ACE2"، وهو نفسه المُستقبِل الذي لعب دوراً محورياً في الانتشار الفتاك لفيروس "كوفيد-19".

رغم عدم تسجيل أي إصابات بشرية بالفيروس حتى الآن، إلاّ أن الخبر دفع بأسهم شركات تصنيع اللقاحات إلى الارتفاع، ما يعكس القلق العالمي المستمر بشأن التهديد الذي تشكله الأمراض حيوانية المنشأ القادرة على التسبب في أوبئة مميتة. تاريخياً، تركت الأوبئة آثاراً عميقة على العالم، بدءاً من الطاعون، والجدري، وصولاً إلى الإنفلونزا الإسبانية، وفيروس نقص المناعة البشرية (HIV). ورغم التقدم الطبي الذي يعزز مكافحة هذه الأمراض، فإن عوامل حديثة مثل إزالة الغابات، والتمدن، والزراعة المكثفة، والتغير المناخي، تسهم في ظهور تهديدات وبائية جديدة بوتيرة متسارعة.

ماذا نعرف عن الفيروس الجديد؟

جمع الباحثون سلالة "HKU5-CoV-2" عبر مجموعة صغيرة من مئات الخفافيش من فصيلة "بيبيستريلوس"، التي خضعت للمسح في مقاطعات غوانغدونغ، وفوجيان، وتشجيانغ، وآنهوي، وقوانغشي في الصين. وأظهرت التحليلات أن الفيروس ينتمي إلى سلالة مميزة من فيروسات كورونا تشمل الفيروس المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس" (MERS)، لكنه لا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفيروس "SARS-CoV-2".

اقرأ المزيد: إلى أين وصلنا في رحلة البحث عن منشأ فيروس كورونا؟

الجدير بالذكر أن سلالة "HKU5-CoV-2" يمكنها دخول الخلايا البشرية عبر الارتباط بمُستقبِل "ACE2"، وهو بروتين موجود على سطح العديد من الخلايا، وهي نفس الآلية التي استخدمها "SARS-CoV-2" لدخول الخلايا والتكاثر والانتشار. وأظهرت التجارب المخبرية أن الفيروس قد يكون قادراً أيضاً على إصابة مجموعة واسعة من الثدييات، ما يعزز احتمالية انتقاله بين الكائنات الحية. قاد البحث عالمة الفيروسات شي تشنغ لي، المعروفة بأبحاثها حول فيروسات الخفافيش، بمنشأتها في ووهان التي تعرضت لاتهامات بشأن دورها المحتمل في ظهور فيروس "SARS-CoV-2".

ما مدى تهديده لصحة الإنسان؟

ما يزال مستوى التهديد الذي يمثله "HKU5-CoV-2" على صحة الإنسان غير واضح. رغم أن الفيروس قادر على إصابة الخلايا البشرية، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنه يمكن أن ينتقل "بكفاءة" من شخص إلى آخر، كما لا يوجد حالياً أي دليل على أنه أصاب البشر. ما يزال الباحثون بحاجة إلى تحديد مدى انتشار هذه السلالة في الطبيعة، بما في ذلك إمكانية وجودها في الحيوانات البرية أو الداجنة التي قد تعمل كجسر لنقلها إلى الإنسان. ورغم أن الفيروس الجديد أصبح موضع اهتمام العلماء، فمن المحتمل أيضاً أن تشكل فيروسات أخرى أكثر خطورة تهديداً أكبر.

اقرأ المزيد: إجابات على أكثر الأسئلة إلحاحاً في زمن كورونا 

تُعدُّ الخفافيش مستودعات طبيعية لمجموعة واسعة من فيروسات كورونا، بما في ذلك الفيروسات المسببة لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS)، و"ميرس"  و"SARS-CoV-1&2". في الواقع، أظهرت دراسة أُجريت خلال 2021 أن عشرات الآلاف من الأشخاص في جنوب شرق آسيا قد يصابون سنوياً بفيروسات كورونا من الحيوانات، مع عدم اكتشاف معظم الحالات بسبب أعراضها الخفيفة أو عدم ظهورها تماماً. لذلك، تظل الأبحاث المستمرة ضرورية لفهم التأثير المحتمل لفيروس "HKU5-CoV-2" على صحة الإنسان بشكل كامل.

هل يُحتمل أن نشهد المزيد من الأوبئة؟

من المرجح أن نشهد مزيداً من الأوبئة في المستقبل، حيث أسفر التوسع الكبير بأنشطة السفر الجوي والتجارة الدولية في العصر الحديث إلى زيادة خطر انتشار الأمراض الجديدة على نطاق عالمي. تضاعف عدد رحلات الركاب الجوية منذ بداية القرن ليصل إلى نحو 4.5 مليار رحلة خلال 2019، قبل أن يؤدي الوباء لتراجع حركة السفر والسياحة. وأكثر ما يثير القلق هو مسببات الأمراض التي تنتقل عبر الهواء بكفاءة، مثل "SARS-CoV-2" والإنفلونزا، التي تُعدُّ السبب الأكثر شيوعاً للأوبئة.

اقرأ المزيد: مراكز السيطرة على الأمراض تخفق بتحرّي انتشار كورونا عبر السفر جواً 

ورغم أن غالبية العلماء يرون أن الأدلة المتاحة ترجح أن "كوفيد-19" نشأ من انتقال طبيعي لفيروس "SARS-CoV-2" من الحياة البرية، فإن احتمال نشأته في مختبر لم يُستبعد كلياً، لاسيما في ظل المخاوف المتزايدة من أن تصاعد عدد المنشآت التي تتعامل مع مسببات الأمراض المعدية قد يزيد من خطر إطلاقها عن طريق الخطأ. كما يشعر العلماء بالقلق من أن التقدم في الذكاء الاصطناعي قد يُساء استخدامه في تصميم فيروسات خطيرة.

من أين تأتي الأمراض الجديدة؟

جرى تحديد مسببات أمراض جديدة تصيب البشر بمعدل يزيد على ثلاث حالات سنوياً خلال العقود الأربعة الماضية. ويُعتقد أن نحو 75% من هذه الأمراض مصدرها الأصلي الحيوانات، وهي ظاهرة تُعرف باسم الأمراض حيوانية المنشأ. على سبيل المثال، تعد الطيور المائية مستودعاً طبيعياً لفيروسات الإنفلونزا، إذ يمكنها حمل الفيروس دون أن تمرض، ما يتيح استمرار مصدر العدوى وانتقالها إلى فصائل أخرى.

اقرأ المزيد: تفاصيل تم إخفاؤها حول لغز منشأ "كوفيد" في تقرير من ووهان 

بالمثل، تُعرف الخفافيش باستضافتها لفيروسات مثل "إيبولا" (Ebola) و"هيندرا" (Hendra) و"نيباه" (Nipah)، إذ تسهم مستعمراتها الكبيرة والمكتظة في تبادل الفيروسات، ويمكنها نقل هذه العوامل الممرّضة عبر الدم أو اللعاب أو البول أو البراز. كما أن زحف البشر إلى البيئات الطبيعية يزيد من فرص انتقال هذه الفيروسات من الحيوانات إلى الإنسان.

ما العوامل المؤدية لظهور أمراض حيوانية المنشأ؟

حدّد الباحثون عوامل عدّة تزيد من احتمالية حدوث ما يُعرف بحوادث الانتقال، إذ يقفز مسبب المرض من نوع إلى آخر:

  • الزحف البشري إلى النظم البيئية الطبيعية: مع ازدياد عدد سكان العالم، استحوذ البشر على مساحات شاسعة من المناطق البرية بوتيرة متسارعة، حيث تقلّصت المساحات غير المتأثرة بالنشاط البشري بأكثر من 3 ملايين كيلومتر مربع منذ تسعينيات القرن الماضي، وهي مساحة تعادل 4 أضعاف مساحة ولاية تكساس. كما أن إنشاء التجمعات الجديدة ومشاريع مثل قطع الأشجار والتعدين يؤدي إلى تقارب أكبر بين البشر والحيوانات البرية.
  • استهلاك الحياة البرية: ازداد الاتجار بالحيوانات البرية، لاسيما لأغراض الغذاء. وفي بعض الأسواق التي تبيع الحيوانات الحية، تُحتجز الحيوانات الأليفة والبرية في أماكن متقاربة وتُذبح في ظروف غير صحية. وارتبطت أسواق بيع الحيوانات الحية في الصين بظهور كل من "SARS-CoV-1" و"SARS-CoV-2"
  • التوسع الحضري: يعيش نحو 55% من سكان العالم في المناطق الحضرية، مقارنةً بـ34% خلال 1960. ومع توسع المدن، أصبحت موطناً جديداً لأنواع مختلفة من الحيوانات البرية، مثل الفئران والقرود والطيور والثعالب، التي تتغذى على المخلفات البشرية الوفيرة.
  • تربية الماشية المكثفة: في بعض الحالات، تنتقل مسببات الأمراض من الحيوانات البرية إلى البشر عبر حيوانات المزارع. وكما هو الحال مع البشر، فإن تربية أعداد كبيرة من الأبقار أو الخنازير أو الدواجن في مساحات مكتظة تزيد من احتمالات انتشار الأمراض. كما أن استخدام المضادات الحيوية لتعزيز نمو الحيوانات قد يسهم في تطور مسببات أمراض مقاومة للعلاج.
  • التغير المناخي: أدّى ارتفاع درجات الحرارة إلى توسع نطاق انتشار الحشرات الناقلة للأمراض، مثل البعوض والقراد والهاموش الواخز. ويسمح ذلك لهذه الأنواع بالبقاء لفترات أطول، ما يزيد من انتشار أمراض مثل داء ليم، والتهاب الكبد "هـ" (E)، وحمى الضنك، وفيروس غرب النيل.

ما الذي يمكن فعله لمنع الأوبئة؟

أدّت جائحة كورونا إلى تطوير أدوات مبتكرة لمراقبة الأمراض المعدية والوقاية منها، مثل الاختبارات السريعة المنزلية، ومراقبة مياه الصرف الصحي، واللقاحات المعتمدة على تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA).

اقرأ المزيد: هل أصبحت مناعة القطيع ضد "كورونا" شبه مستحيلة؟ 

كما زاد الوعي بالمخاطر المرتبطة بتربية الحيوانات المكثفة واستهلاك الحيوانات الغريبة، مثل حيوان المنك والزَّبَاد والكلاب الراكونية، التي يمكن أن تكون حاضنة لمسببات الأمراض مثل الفيروسات التاجية والإنفلونزا.

وتشمل التدابير الوقائية الإضافية تعزيز لوائح تجارة الحياة البرية، وتحسين أنظمة الإنذار المبكر على المستوى العالمي، وتبني نهج "الصحة الواحدة" الذي يدمج صحة الإنسان والحيوان والبيئة للحد من المخاطر المستقبلية.

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.