قبل نهائيات كأس العالم للسيدات في وقت سابق العام الجاري، أطلقت شركة "أديداس" حملة إعلانية تظهر نجوم ونجمات كرة القدم يلعبون معاً على قدم المساواة، وظهرت فيها أليسيا روسو تراوغ ديفيد بيكهام، وليونيل ميسي يمرر إلى ماري فاولر، وإيان رايت يشاهد بذهول روسو وهي تتدخل لإيقاف المنافس قبل أن تأخذ لينا أوبردورف الكرة من ليون جوريتزكا.
كان الإعلان الذي يحمل عنوان "العب حتى لا يستطيعوا الالتفات بعيداً"، جزءاً من الرعاية لكأس العالم للسيدات التي جمعها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وبلغت 308 ملايين دولار، وفقاً لشركة "غلوبال داتا" (GlobalData).
بالإضافة إلى الترويج لملابسها الرياضية، أشارت الحملة إلى التزام "أديداس" تجاه المرأة في الرياضة، فقد أشاد بيان صحفي بدعمها المستمر للفتيات واللاعبات من الملعب إلى الشارع، بما في ذلك التبرعات الخيرية، وحمالات الصدر المصممة على مقاس اللاعبات والسراويل القصيرة التي توفر الحماية خلال "العادة الشهرية".
الابتعاد عن الجدل
نأت "أديداس" -الشريك الرسمي والمورد وصاحب حقوق الترخيص لجميع أحداث "فيفا" حتى 2030- بنفسها عن الضجة التي أثارها رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم لويس روبياليس حين أمسك بجنيفر هيرموسو من رأسها بيديه وقبلها في شفتيها خلال احتفالات فوز فريق بلاده بكأس العالم للسيدات في 20 أغسطس، رغم أن ذلك كان بعد انتهاء المباراة. كلّفت القبلة روبياليس منصبه، حيث شككت اللاعبة في ادعائه بأن القبلة كانت بالتراضي.
مع ذلك، فإن العلامات التجارية أقل عرضة للخوض في النزاعات، حتى وراء الكواليس. قال ريتشارد بوكانان، الشريك المؤسس لوكالة "ذا كليرينغ" (The Clearing) المتخصصة في استشارات العلامات التجارية ومقرها في لندن :"إذا بدأت في إلقاء ثقلك، فلن يكون ذلك جيداً مع الهيئات الإدارية الأخرى أو اتحادات كرة القدم"، مما قد يؤثر على الصفقات التجارية المستقبلية. يتطلب الأمر شجاعة حقيقية للتميز والدفاع عن شيء ما".
الرياضات النسائية فرصة استثمارية لمن يستغلها
العملاق الرياضي الألماني
لكن الشركة الألمانية العملاقة لم تلتزم الصمت على الدوام. فقد تخلت عن رعاية مدافع وست هام السابق كيرت زوما بعد ظهور مقطع مصور للاعب وهو يسيء معاملة قطته. كما تخلت شركات أخرى رعاية رياضيين لعدة أسباب. فشركة ألعاب الفيديو اليابانية "كونامي غروب كوربوريشن" (Konami Group Corporation) استبعدت الدولي الفرنسي أنطوان غريزمان من رعايتها بعد إدلائه بتعليقات معادية لآسيا على ما يبدو خلال رحلة إلى اليابان.
كما انسحبت "نايكي" (Nike) من رعاية مهاجم "مانشستر يونايتد" السابق ميسون غرينوود، بعد القبض عليه بشبهة ارتكابه عنفاً منزلياً. ورفضت شركة "بوما" (Puma)، وهي شركة تصنيع مستلزمات رياضية ألمانية أخرى، التعليق على شراكتها مع أنتوني، لاعب "مانشستر يونايتد" الذي أخذ إجازة بينما يواجه مزاعم بالاعتداء الجنسي.
المسؤولية الاجتماعية
رغم أن التخلي عن رعاية اللاعبين الأفراد أسهل بكثير من فرق بأكملها، فإن الضجة المحيطة برئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم لويس روبياليس مثال آخر على السؤال الصعب الذي يواجه الشركات وعلاماتها التجارية، وهو: متى يجب على الرعاة الذين بدون دعمهم لن تتمكن العديد من الفرق من البقاء أن يخوضوا في الجدل؟
قالت إيني ألوكو، مذيعة كرة القدم التي لعبت للمنتخب الإنجليزي النسائي حتى 2016: "يتحمل الرعاة مسؤولية عندما يكونون على طاولة المفاوضات. يمكنهم تحديد حجم الحاجة إلى تخصيص حملات للنساء وبالتالي المستهلكات. فالعلامات التجارية تملك الكثير من القوة ولديها الكثير من الاستثمارات في اقتصاد كرة القدم".
تظهر الاستطلاعات أن التوقعات بأن تتخذ الشركات، وأكبر الرعاة على وجه الخصوص موقفاً حازماً إزاء القضايا الاجتماعية، قد زادت قوةً وإلحاحاً منذ جائحة كورونا، مع عزم الشباب بشكل خاص على التنديد بالظلم حيثما يرونه. في الوقت نفسه، وفي عالم يزداد استقطاباً، غالباً ما يكون هناك رد فعل عنيف ودعوات للمقاطعة مثلما وجدت "أديداس" في يونيو الماضي عندما ساندت علناً إعلاناتها لملابس السباحة "برايد" (Pride) لعام 2023، والتي ظهر فيها رجل يعرض ملابس سباحة نسائية تقليدية.
الفيفا يرفع قيمة جوائز كأس العالم للسيدات 4 أضعاف تحقيقاً للمساواة
فهم الرأي العام
لكن الشركات عادة تراقب الوضع عن كثب لفهم مسار الرأي العام قبل التحدث علناً. قال جو مورغاترويد، الشريك في "براندنيشن" (Brandnation) لاستشارات العلاقات العامة في مجال الرياضة ومقرها لندن"سيأخذ الرعاة في الاعتبار القيم المجتمعية، ولكن أيضاً القيم التي يحافظون عليها كشركة. وإذا لم يتماش الجدل مع أي من هذه الأشياء، سيضطر الرعاة إلى التحدث علناً لحماية علامتهم التجارية وإبعاد أنفسهم عن الرياضي".
لكن حتى لو دعموا مبادرات "التنوع والمساواة والشمول" علناً، فقد لا تشعر الشركات بالحاجة إلى إصدار رد إذا لم تحس بالضغط للمجاهرة بالحديث، على حد قول مورغاترويد، تماماً مثلما لم يشعر الكثيرون بذلك في أعقاب فضيحتي روبياليس وغرينوود.
نقطة تحول ولكن
يُنتظر أن تكون نهائيات كأس العالم الأخيرة نقطة تحول لكرة القدم للسيدات. فقد حطمت الأرقام القياسية من خلال بيع ما يقرب من مليوني تذكرة لحضور المباريات في الملعب، وصُنّفت البرنامج الأكثر مشاهدة في تاريخ التلفزيون الأسترالي. كما أبدت علامات تجارية دعمها للمنتخبات الوطنية واللاعبين من خلال حملات تسويق مبتكرة، مثل التي أطلقتها شركة "أورانج" (Orange) للاتصالات، والتي استخدمت تقنية الذكاء الاصطناعي للتزييف العميق (Deepfake) التي أغرت المشاهدين بمشاهدة لحظات كرة قدم رائعة لمنتخب فرنسا الوطني للرجال قبل الكشف عن أنها للسيدات.
1.4 مليار دولار فجوة الرعاية بين كأس العالم للرجال والسيدات
مع ذلك، ما تزال إيرادات الرعاية متخلفة عن نهائيات الرجال، إذ جلبت ما يُقدر بنحو 300 مليون دولار، مقارنة بمبلغ 1.7 مليار دولار جنتها نهائيات قطر، وفقاً لبحث قدمته شركة التحليلات "أومديا" (Omdia) إلى بلومبرغ. كما أن التقييم الدقيق للإيرادات التي تحققها الفرق النسائية ليس بالأمر السهل. فبعض عمليات الرعاية تكون على شكل حزم متكاملة، مما يعني أن الصفقة تتم مع النادي ككل وليس مع فرق محددة، لذلك قد يكون من الصعب تخصيص الإيرادات للجانب النسائي، بحسب جنيفر هاسكل، التي ساعدت في إعداد تجميع تقرير "ديلويت" (Deloitte).
كما واجه نحو خُمس فرق السيدات حملات مقاطعة أو إضراب قبل بدء المباريات، حيث كانت غير راضية عن الرواتب التي تقل بكثير عن فرق الرجال، فضلاً عن ظروف العمل، بما في ذلك الافتقار إلى مرافق التدريب والتعافي المناسبة. كانت بعض الفرق تعاني من ضعف التمويل لدرجة أنها وجدت صعوبة في الوصول إلى المباريات من الأساس، إذ أطلقت والدة إحدى اللاعبات الجامايكيات حملة تمويل جماعي للمساعدة في تغطية تكاليف السفر.
تفاوت صارخ
بينما ارتفعت قيمة الجوائز المالية من 30 مليون دولار لكأس العالم للسيدات الأخيرة إلى 150 مليوناً للبطولة في نهائيات أستراليا ونيوزيلندا، فإنها ما تزال أقل من 440 مليون دولار التي وُزعت في كأس العالم للرجال في قطر.
وقال البروفيسور جين وليامز، مؤلف كتاب قيد الطبع عنوانه "اللبؤات الأسطورية: فريق إنجلترا لكرة القدم للسيدات، 1972-2022": "كأس العالم للسيدات يمثل مسرح النزاع الكبير بالنسبة لي، فقد سلطت الضوء على كل تلك القضايا التي كانت تحت السطح. كل دولة تسعى إلى توفير ظروف أفضل للنساء".
مع ذلك، لا يعني هذا أن اللاعبات يمكنهن الاعتماد على أطراف خارجية للحصول على المساعدة. فقط انظر إلى إسبانيا، حيث فاز فريق برشلونة النسائي بدوري أبطال أوروبا في يونيو، لكن الحد الأدنى للأجر السنوي للاعبة كان 16 ألف يورو (17 ألف دولار). لم يرفع الدوري الإسباني رواتبهن إلا بمجرد إضراب اللاعبات، وزاده إلى 21 ألف دولار.