يبدو أن صناعة إدارة الأصول في المملكة مقبلة على مرحلة جديدة من النمو بطموحات أوسع مقارنة بما تحقق في السنوات السابقة. فقد كشف وكيل هيئة السوق المالية لشؤون التمويل والاستثمار، عبدالله بن محمد بن غنام لـ"الشرق" أن قيمة الأصول المدارة المستهدفة في المملكة، تبلغ نحو 1.38 تريليون ريال في نهاية 2026، أي بزيادة نحو 58% مقارنة بنهاية 2023.
الطموحات التي تعكسها هذه المستهدفات على صعيد نسب النمو، تصبح واضحة أكثر عند الأخذ بعين الاعتبار أن الأصول المدارة حققت نمواً بلغ 74.2% بين 2023 و2019، أي على مدى 5 سنوات. فكيف تسعى الهيئة باعتبارها إحدى الجهات الممكنة لصناعة إدارة الأصول للمساهمة في تحقيق هذه المستهدفات؟ وما هي الطموحات على المدى البعيد.
تقود هيئة السوق المالية ورشة عمل للارتقاء بالصناعة. وفي هذا السياق، يكشف بن غنام أن الخطة الاستراتيجية المقبلة للهيئة، تركز على دعم نمو هذه الصناعة، عبر تنفيذ حزمة من المبادرات الطموحة للتطوير والنمو، منها مبادرة "تمكين تأسيس هياكل صناديق ذات مرونة أعلى"، ومبادرة "تطوير الإطار التنظيمي للصناديق التمويلية" الهادفة لتوفير مزيد من خيارات التمويل من السوق المالية، عبر الصناديق التمويلية مقابل اشتراكات في صناديق الاستثمار العامة.
تركز الهيئة أيضاً على تعزيز جاذبية القطاع أمام المستثمرين. كيف ذلك؟ يؤكد بن غنام أن ذلك شمل إطلاق رخصة إدارة الاستثمارات ذات متطلب رأس مال أقل، وتطوير لوائح صناديق الاستثمار، والسماح لعملاء التجزئة بالاستثمار في الصناديق الاستثمارية الخاصة بمبلغ لا يتجاوز 200 ألف ريال سعودي للصندوق الاستثماري، وتطوير المتطلبات التنظيمية للصناديق الاستثمارية، وتمكين إنشاء صناديق استثمار التمويل المباشر، وتمكين التوزيع الإلكتروني لصناديق الاستثمار، وكذلك تطوير معايير حوكمة صناديق الاستثمار والافصاحات الخاصة بها.
إقرأ المزيد: من يسيطر على إدارة أصول تبلغ 871 مليار ريال في السعودية؟
الصناديق والمحافظ ركائز النمو
إذاً يبدو جلياً مما يعبر عنه بن غنام، أن الهيئة مستمرة في مسارها للارتقاء بالبيئة التشغيلية، لا سيما ذات الصلة بالصناديق الاستثمارية والمحافظ على وجه التحديد، كونها تعد إحدى ركائز نمو صناعة إدارة الأصول في السعودية. ذلك، تعكسه بشكل واضح بيانات الهيئة على مدى السنوات الماضية. في نهاية 2023، ارتفع عدد الصناديق الاستثمارية إلى 1285 صندوقاً بنمو 111.7% على مدى 5 سنوات. واستحوذت الصناديق الاستثمارية على 64% من إجمالي الأصول المدارة في القطاع والبالغة 871 مليار ريال في نفس الفترة. بدوره، ارتفع عدد هذه المحافظ بشكل لافت خلال 2023، إلى 156.2 ألف محفظة بزيادة نحو 322.1% عن العام الأسبق.
تجزئة تراخيص التشغيل
كذلك، فقد أبدت الهيئة مرونة لتعزيز الفرص أمام الشركات الأقل حجماً في الصناعة، من بينها على سبيل المثال تلك الراغبة في ممارسة نشاط إدارة الاستثمارات فقط دون تشغيل الصناديق. تجلى ذلك بحسب بن غنام في التعديلات المطبّقة المتعلقة بنشاط الإدارة، وتطوير الترخيص لممارسة أعمال الإدارة بحيث تصبح عبارة عن رخصتين: الأولى، رخصة إدارة الاستثمارات والثانية رخصة إدارة الاستثمارات وتشغيل الصناديق. وذلك إلى جانب تسهيل متطلبات الترخيص لنشاط الإدارة وفقاً لنوع الرخصة. وتعديل متطلبات رأس المال لنشاط الإدارة بما يتناسب مع طبيعة عمل وحجم أعمال كل رخصة، بحيث لا يقل رأسمال مقدّم الطلب المدفوع عن 20 مليون ريال لإدارة الاستثمارات وتشغيل الصناديق، ورأسمال يغطي المصروفات المتوقعة مدة عام لإدارة الاستثمارات.
عينٌ على الشركات الأجنبية
هناك عنصر آخر، قد يشكل عنواناً حيوياً في صناعة إدارة خلال الفترة المقبلة. ويكمن في الدور المتوقع أن تلعبه الشركات العالمية المتخصصة في إدارة الأصول كعامل دفع للنمو المستهدف في هذه الصناعة. شهدت العاصمة الرياض، تسارعاً في افتتاح شركات عالمية مكاتب ومقرات مباشرة لها، بعد أن كانت تعمل بصورة غير مباشرة في السوق طوال السنوات الماضية، عبر مهات مؤقتة لممثليها.
ذلك هو أيضاً في صلب توجه صندوق الاستثمارات العامة، لجذب أكبر الشركات العالمية من حيث قيمة إدارة الأصول إلى المملكة.
وخلال الشهرين الماضيين، دشنت "فرانكلين تمبلتون" لإدارة الاستثمار عملياتها في المملكة وحصلت على ترخيص إدارة الاستثمارات وتشغيل الصناديق من هيئة السوق المالية السعودية. كما وقع صندوق الاستثمارات العامة مذكرة مع "بلاك روك" لتأسيس منصة "بلاك روك الرياض لإدارة الاستثمارات" (BRMI). يبلغ حجم الاستثمار الأوّلي من الصندوق في المنصة نحو 5 مليارات دولار. وهي تسعى من بين أهداف عدة لتعزيز جذب الاستثمارات الأجنبية من المؤسسات وقنوات الثروات المالية إلى السوق. كما تتعاون مع الصندوق لتطوير الكفاءات السعودية العاملة في القطاع، عبر برامج أكاديمية.
إقرأ المزيد: تدير أصولاً بـ1.5 تريليون دولار.. "فرانكلين تمبلتون" تحدّد السعودية سوقاً رئيسية للتوسع
مركز إقليمي لإدارة الأصول
أين تتجه السعودية على صعيد صناعة إدارة الأصول وما هي التطلعات المستقبلية؟ يلفت بن غنام إلى أن الهيئة تسعى للمساهمة في جعل المملكة مركزاً إقليمياً (في هذه الصناعة) في المنطقة، حيث تستهدف الارتقاء بالبيئة الاستثمارية، بهدف جعل نشاط إدارة الأصول مصدراً رئيسياً للتمويل والاستثمار، بما يسهم في جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية. الممكنات المعتمدة من الهيئة، لتحقيق هذا الهدف على وجه التحديد، حققت نتائج ملموسة على صعيد استقطاب الشركات الخليجية أيضاً والحصول على رخص ذات صلة بصناعة إدارة الأصول. شكلت الرياض على هذا الصعيد، قبلة لمصارف وشركات مالية واستثمارية إقليمية متخصصة من كل من الامارات والكويت والبحرين على سبيل المثال. كما تم تأسيس أذرع سعودية تابعة لشريحة واسعة من الشركات الإقليمية العاملة في القطاع مثل كل من "بنك الامارات دبي الوطني"، و"بنك الكويت الوطني"، و"بيت التمويل الكويتي"، و"انفستكورب" البحرين.