يبدو أن التجار والمصرفيين -الذين شكلت جائحة كورونا بالنسبة لهم مصدر ربح كبير- باتوا على وشك مواجهة أمر حتمي، حيث أن رواتبهم أصبحت تشكل هدفاً جذاباً للمسؤولين الحكوميين في جميع أنحاء العالم الذين يسعون لحل مشكلة الديون التي تكبدوها العام الماضي والتي بلغت التريليونات.
على سبيل المثال، يقال إن الرئيس جو بايدن، وبعد أن تم إقرار قانون تحفيزات كوفيد-19 التي بلغت 1.9 تريليون دولار، يخطط لدفع تكاليف برنامجه الاقتصادي طويل الأجل من خلال أول زيادة ضريبية فيدرالية أمريكية كبيرة منذ عام 1993، وبالمثل، وفي وقت سابق من هذا الشهر، طرح وزير الخزانة البريطاني ريشي سوناك ميزانية من شأنها رفع الضرائب إلى أعلى مستوى لها منذ حقبة الستينيات (على الرغم من أن ضرائب الدخل لن ترتفع).
ويتساءل بينيديكت مالينغ بيك، مدير شركة المحاماة "نورث ستار" مقرها لندن وتقدم المشورة للأفراد ذوي الثروات الفائقة غير البريطانيين: "هل الناس قلقون؟ بالطبع هم قلقون. ستواجه كل حكومة صراعاً مالياً، ولكن ما يترقبه الناس باهتمام كبير هو كيف ستتمكن البلدان المختلفة من التعامل مع الأمر".
تحقيق الانتعاش الاقتصادي
وبما أن الاحتفاظ بالعمال المهرة وأرباب عملهم وجذبهم أمر حيوي لتحقيق الانتعاش الاقتصادي لأي دولة، فإن تحديد كيفية دفع الفاتورة، ومن يتحملها، سيكون مهمة حساسة لصانعي السياسات. وبناء على ما تظهره البيانات التي قامت الذراع البريطانية لشركة "برايس ووتر هاوس كوبرز" بحسابها "لبلومبرغ نيوز"، سيكون لدى البعض فرصة ومساحة أكبر للمناورة مقارنة بغيرهم.
جاءت النتائج ببعض المفاجآت بعيداً عن الدول المعتادة على تخفيض الضرائب.
ويحصل العمال البريطانيون ذوو الأجور المرتفعة، على سبيل المثال، على أجور أقل من نظرائهم في ألمانيا أو إسبانيا. وهو ما يتعارض مع بعض مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذين كانوا يأملون في إنشاء "سنغافورة على نهر التايمز" منخفضة الضرائب بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
يقول إيان مكلوسكي، أحد شركاء شركة "برايس ووتر هاوس كوبرز" والمتخصص في شؤون الضرائب الشخصية: "سيكون من الصعب أن يكون لدينا معدل ضرائب شخصية منخفض جداً في المملكة المتحدة لتفكيك أجزاء رئيسية مقبولة سياسياً من الدولة مثل المعاشات التقاعدية، والرعاية الصحية الشاملة، والتعليم الجيد".
أما إذا ما نظرنا على الطرف الآخر من المحيط الأطلسي، فسنجد أن النتائج تشير إلى أحد أسباب هجرة سكان "وول ستريت" من الولايات ذات الضرائب المرتفعة مثل نيويورك وكاليفورنيا إلى الولايات ذات الضرائب المنخفضة مثل فلوريدا، حيث يحصل المقيم في فلوريدا، والذي يكسب 500 ألف جنيه (695,250 دولاراً) سنوياً على 354 ألفاً و426 جنيهاً إسترلينياً، مقارنة بـ 299 ألفاً و474 جنيهاً إسترلينياً لمواطن من نيويورك و 312 ألفاً و690 جنيهاً إسترلينياً لمواطن من كاليفورنيا.
إعفاءات خاصة من ضريبة الدخل
لا تأخذ بيانات شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" في الاعتبار البرامج قصيرة الأجل التي تخفض الضرائب للمغتربين بشكل مؤقت. (فرنسا، على سبيل المثال، لديها إعفاءات خاصة من ضريبة الدخل تمنحها لبعض العمال الأجانب بهدف جذب مديري الشركات وغيرهم من المواهب العالمية. كذلك تسمح هولندا لبعض المغتربين بعدم دفع ضرائب على نسبة 30% من رواتبهم). وبناءً على ما قاله ماكلوسكي، فإن هذه السياسات مثيرة للجدل سياسياً، خاصة أثناء فترات الركود، كما أنها محدودة زمنياً. والأعظم من كل هذا هو الاتجاه العالمي نحو البدلات الأقصر أجلاً والأكثر تقييداً.
وبما أنه تم البدء برفع الإغلاقات ببطء، فإن مقترحات الضرائب موجودة بالفعل. ففضلاً عن خطط بايدن، قدمت السناتور الأمريكية إليزابيث وارين تشريعات تدعو إلى فرض ضريبة على الثروة (رغم أن إقرارها يبدو غير مرجح).
أما في هونغ كونغ وللمرة الأولى منذ عام 1993، فقامت الحكومة الشهر الماضي برفع الرسوم المفروضة على تداول الأسهم (إلا أن السلطات لا تزال تحاول الحفاظ على سمعة المنطقة على أنها مركز مالي عالمي بالرغم من الإجراءات الصارمة الصينية الأخيرة).
لا تأخذ البيانات الضريبية في الاعتبار تكاليف الإسكان، أو الوصول إلى وسائل النقل العام، أو تعادل القوة الشرائية. فمن الصعب تحديد "كمية" الخدمات العامة مقارنة بتحديد الأرقام الموجودة في كشف الراتب.
وبينما تخطط الحكومات لسياستها المالية لمرحلة ما بعد الوباء، يجلس أصحاب الدخل المرتفع مترقبين بعناية ما سيحدث.
[object Promise]