تبرع الملياردير الأميركي ميتشل ريلز بمبلغ 1.9 مليار دولار لمتحف "غلين ستون فاونديشن" (Glenstone Foundation) الذي أسسه، وهي إحدى كبريات الهبات في قطاع الفنون على مر التاريخ.
عقب هذا التبرع -الذي أفصحت عنه "غلين ستون" في إقرارها الضريبي لعام 2021- وصل صافي أصول المؤسسة إلى 4.6 مليار دولار، وهو مبلغ يعادل تقريباً ما يملكه متحف "المتروبوليتان" للفنون في نيويورك. ومن المقرر أن تُخصص الأموال لدعم متحف وحديقة النحت في ولاية ميريلاند الأميركية اللذين أسسهما ريلز وزوجته في 2006، حيث يوجد مسكنهما حتى الآن.
تقع الحديقة والمتحف على بعد 24 كيلومتراً (15 ميلاً) من واشنطن، ويضمان مجموعة واسعة من الفن المعاصر، بما في ذلك أعمال سي تومبلي، وروبرت غوبر، وتشارلز راي، وبرايس ماردن. وهذه المجموعة حوّلت المتحف إلى مؤسسة ثقافية بارزة.
"هبة بهذا القدر تعني أنَّ المتحف قد يستمر في العمل إلى الأبد"، بحسب ما قاله إيفان بيرد، المدير السابق لخدمات الفن في "بنك أوف أميركا"، الذي يشغل الآن منصب النائب التنفيذي لرئيس مجلس إدارة "ماستر وركس" (Masterworks)، وهي منصة يشتري فيها المستثمرون ويبيعون أسهماً في الفنون الجميلة.
شكوك وتساؤلات
مع ذلك؛ يعد "غلين ستون" أحد المتاحف الخاصة الجديدة التي تثار بشأنها الشكوك حول ما إذا كانت المزايا الشخصية والضريبية التي تقدّمها هذه المتاحف لمؤسسيها تفوق المنفعة العامة.
6 مصوّرين عالميين يكشفون لـ"الشرق" أسرار الصورة الجذابة
كان "غلين ستون" واحداً من 11 مؤسسة خضعت لتدقيق لجنة مجلس الشيوخ التي تشكلت في 2015 بسبب وضعها غير الهادف للربح.
من بين الإحدى عشرة مؤسسة التي شملها التدقيق، كان هناك من تفتح أبوابها لساعات قليلة، أو أنَّها لم تُعلن عن فتح أبوابها للجمهور، أو نال مؤسسوها مكانةً ودوراً كبيرين في عملياتها.
لم يستقبل متحف "غلين ستون" سوى 10 آلاف زائر في أول سبعة أعوام بعد افتتاحه، برغم أنَّ توسّعه في 2018 عزّز من قدرته بشكل كبير ليستقبل أكثر من 100 ألف شخص سنوياً، مقارنةً بمتحف "المتروبوليتان" الذي جذب نحو 6 ملايين زائر سنوياً قبل جائحة كورونا.
لم يرد "غلين ستون" على طلب لأحدث أرقام الزوار.
تبرع ريلز
يبلغ ريلز من العمر 66 عاماً، وأسس تكتل "داناهر" (Danaher) مع أخيه ستيفن، وتبلغ ثروته الصافية 6.8 مليار دولار، وفقاً لمؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات. شمل تبرع ريلز 379 مليون دولار نقداً، و6.1 مليون من أسهم "داناهر" التي تساوي قيمتها 1.5 مليار دولار، وفقاً لإقرار "غلين ستون" الضريبي.
للبيع.. لوحة فان غوخ "رأس امرأة" في مزاد "كريستيز"
ساعدت الهبة في تمويل عدد من النفقات، تضمّنت التكاليف التشغيلية، ومشروعات بناء، وصيانة المرافق وعمليات استحواذ، وفقاً لتصريحات المتحدثة الرسمية باسم المؤسسة، إيريكا بوجيز.
افتتح المتحف في يونيو مبنى جديداً مساحته 372 متراً مربعاً ليستضيف منحوتة ريتشارد سيرا التي نحتها في 2017، واسمها "أربع أسطوانات: حجم متساو، مقاسات مختلفة" (Four Rounds: Equal Weight, Unequal Measure).
منذ تلقي التبرع، قدّمت المؤسسة أيضاً هدايا بعدة ملايين إلى مؤسسات أخرى، منها متحف "ستوديو" (Studio) في هارلم، نيويورك، ومؤسسة "تريبل أوت فاونديشن" (Triple Aught Foundation).
تبرعات سابقة
هناك حالات سابقة من التبرعات، وإن كان هذا التبرع يفوق بأضعاف تبرع جيف بيزوس، مؤسس "أمازون دوت كوم" بمبلغ 200 مليون دولار إلى "معهد سميثسونيان" (Smithsonian Institute) في 2021، الذي اعتبر حينها الأكبر في تاريخ المعهد.
العثور على عملين لسلفادور دالي بعد عام من السرقة
كما يُعد "متحف غيتي" (Getty Museum) في لوس أنجلوس الذي أُسس بناءً على وصية ملياردير النفط، جيه بول غيتي، أغنى متحف في العالم بحصوله على تبرع قدره 8.6 مليار دولار في يونيو.
تمتلك الولايات المتحدة تاريخاً طويلاً مع المتاحف الخاصة، إذ يتمتع أكبرها بموارد أضخم من أغلب المؤسسات العامة. ومع ذلك؛ لم يبدأ عددها في التزايد إلا في الأعوام الأخيرة، إذ زاد انتشار جمع القطع الفنية بين أثرياء العالم.
كما أنَّ المنافع الضريبية لإنشاء مؤسسة لاستضافة المجموعات الفنية، ارتفعت قيمتها مع الارتفاع الصارخ في الأسعار، حيث يمكن للمؤسسين خصم قيمة القطع الفنية والأصول الأخرى المتُبرع بها، وتكلفة الخدمات ذات الصلة أيضاً، مثل التأمين والحماية.
حفظ الإرث الفني
يقول بيرد إنَّ الأمر ليس مجرد مناورات محاسبية، وهناك الكثير على المحك.
وأضاف: "الضرورة الملحة للمحافظة على إرث ما، تفوق أي منفعة ضريبية. والرغبة في حماية إرث جامعي القطع الفنية، أدت إلى تأسيس متاحف كبيرة".
مركز بومبيدو يستحوذ على أوّل مجموعة فنية بتقنية "أن أف تي"
كما أنَّ إدارة مؤسسة ما، تساعد على تسهيل الوصول إلى أروع الأعمال الفنية، وقال بيرد: "الطريقة المثلى لأن تصبح صانع ذوق، وتتمكن من دخول المتاحف المناسبة التي تنتقي من تبيعهم قطعها الفنية، هو إنشاء مجموعتك باعتبارها مجموعة مؤسسية، وتمنحها عبق المتاحف. فكل تاجر كبير يبيع أعمال أكثر الفنانين شعبية يريد أن تصل تلك الأعمال إلى المجموعات الفنية المؤسسية".
ارتقت مكانة ميتشل ريلز وزوجته إميلي مع نمو "غلين ستون". وقال بيرد عنهما: "إنَّهما من ركائز المشهد الفني في واشنطن، وبالتأكيد نالا مكانة رفيعة لدى جامعي القطع الفنية".
وبالرغم من أنَّ الدخول إلى متحف "غلين ستون" مجاني؛ لكنَّ أغلب الزوار يحتاجون إلى الحجز المسبق.
مجمع "غلين ستون"
اتسعت رقعة "غلين ستون" في مقاطعة مونتغومري بولاية ميريلاند، ثلاثة أضعاف لتبلغ 300 فدان عن مساحتها الأصلية، ويمكن رؤية منزل عائلة ريلز في مجمع المباني من بعض الأماكن في المتحف.
إلى جانب تأسيس "غلين ستون"، يشغل ريلز منصب رئيس مجلس أمناء المعرض الوطني للفنون، ومنصب رئيس مجلس إدارة شركة "إينوفيس" (Enovis) وشركة "إيساب" (Esab)، وكلتاهما انفصلتا عن "داناهر" في الأعوام الماضية.
كانت "بلومبرغ" أول من كشفت عن تبرّع ريلز بأسهم "داناهر" في 2021، وكانت هوية المتلقي حينها مجهولة.
كما وهب ستيفن، شقيق ريلز، 6.1 مليون من أسهم "داناهر"، وذهب تبرّع ستيفن إلى مؤسسة "إنديان باينت برش فاونديشن" (Indian Paintbrush Foundation)، التي يترأس مجلس إدارتها، ورفعت الهبة قيمة أصولها الخاصة لتتجاوز 2.6 مليار دولار في نهاية 2021، وفقاً لأحدث إقراراتها الضريبية.
كان أكبر تبرعات المؤسسة في ذلك العام بقيمة 13 مليون دولار إلى "ناشيونال فيلانثروبيك ترست" (National Philanthropic Trust)، وهو صندوق قائم على تبرعات المانحين، وقد ساند في الأعوام الماضية قضايا تشمل الجامعات والمستشفيات وبنوك الطعام.