تتصاعد الأزمة التي تضرب إمبراطورية غوتام أداني، إذ تؤدي تداعيات صدور تقرير أعدته "هندنبرغ ريسيرش"، وهي شركة تركز على عمليات البيع على المكشوف، يزعم قيام "أداني" بعمليات احتيال، إلى تفاقم انهيار الأوراق المالية للمجموعة المثقلة بالديون.
انخفضت سندات الشركة الرائدة التابعة للملياردير الهندي إلى مستويات التعثر في التعاملات الأميركية، وتراجعت الشركة فجأة عن إتمام طرح عام أولي قياسي للأسهم المحلية بعد أن فقدت مجموعة "أداني" 92 مليار دولار من قيمتها السوقية. من جانبها، تطالب البنوك بتقديم مزيد من الضمانات مقابل منح القروض أو تدقيق قيمة ديون الشركات للإقراض مقابلها.
السؤال المثار حالياً، ما الذي سيفعله "أداني" لإحكام السيطرة على الاضطراب، خاصة بعد التراجع عن إتمام طرح الأسهم، الذي كان سيصبح الأكبر في الهند، وهو ما يزيد من مكانته العالمية.
يكمن الخطر أيضاً في أنَّ المزيد من المؤسسات المالية تبدأ في تدقيق القروض التي منحتها لإمبراطورية أداني التي تعمل في مجالات عديدة تشمل الموانئ والطاقة الخضراء.
كتب ليونارد لو، كبير محللي الائتمان لدى "لوكرور أناليتكس"( Lucror Analytics) في مذكرة بحثية: "الخطر الأكبر هو إذا واجهت مجموعة (أداني) تدهوراً حاداً في الحصول على التمويل، لا سيما في كياناتها المثقلة بالديون".
أضاف: "هذه بمثابة أزمة سيولة لدى أحد الكيانات التي قد يمتد تأثيرها ليضر بقدرة المجموعة على نطاق واسع لتوفير التمويل.. مع ذلك؛ من المحتمل أن تستمر المجموعة في تدبير الأموال من السندات والبنوك المحلية حالياً".
القشة التي قصمت ظهر " أداني"
اتهمت "هيندنبرغ ريسيرش" مجموعة "أداني" الأسبوع الماضي بالتلاعب "الواضح" في السوق والاحتيال المحاسبي، مما أدى إلى حدوث تخارج مكثف من الأسهم. نفى "أداني" مراراً هذه المزاعم، ووصف التقرير بأنَّه "مزيف"، وهدد باتخاذ إجراءات قانونية ضد "هيندنبرغ".
تتوجه الأنظار أيضاً إلى ما قد تفعله حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، التي يُعتقد على نطاق واسع أنَّ لها علاقات وثيقة مع "أداني"، للمساعدة في تخفيف الضائقة الشديدة التي تمر بها المجموعة، نظراً لأهمية التكتل لاقتصاد البلاد.
أثار تقرير "هيندنبرغ" أيضاً تساؤلات حول حوكمة الشركات بالهند، في حين وصف "أداني" نفسه التقرير بأنَّه هجوم على الدولة ذاتها.
تفاقمت الأمور الأربعاء الماضي بعد الانخفاض القياسي لسهم "أداني إنتربرايزس" بنسبة 28% التي تخلت في وقت لاحق عن إتمام طرح الأسهم الإضافي الذي تبلغ قيمته 2.4 مليار دولار، برغم تغطيته بالكامل بدعم من مستثمرين بارزين من الهند والخليج.
قالت "أداني إنتربرايزس" في بيان: "في ضوء هذه الظروف غير العادية، شعر مجلس إدارة الشركة أنَّ المضي قدماً في إتمام الطرح الإضافي للأسهم لن يكون سليماً من الناحية الأخلاقية".
أوضحت الشركة أنَّها تعمل مع مديري الاكتتاب لإعادة حصيلة الطرح كضمان، وكذلك الإفراج عن المبالغ المحجوبة في الحسابات المصرفية للاكتتاب في الطرح العام الإضافي.
قال بن سيلفرمان، مدير الأبحاث في "فيريتي داتا" (VerityData): "من غير المعتاد إلغاء طرح ثانوي على غرار ما حدث.. إلغاء الاكتتاب في اللحظة الأخيرة لا يمنح الكثير من الثقة حالياً".
تراجع السندات وخسائر لحملة الأسهم
تراجعت السندات التي أصدرتها شركتا "أداني بورتس آند سبشيال إيكونوميك زون" (Adani Ports & Special Economic Zone Ltd) و"أداني غرين إنرجي" ( Adani Green Energy Ltd)، بأكبر وتيرة في التعاملات الثانوية العالمية يوم الأربعاء.
تخطى العائد على بعض سندات الشركتين 30%، وهو أعلى كثيراً من متوسط عائد السندات ذات الدرجة الاستثمارية البالغ 4.96%، وعائد السندات من دون الدرجة الاستثمارية البالغ 8.14%.
تراجعت سندات شركة "أداني بورتس" ذات العائد 3.375% والمستحقة في يوليو 2024 بأكثر من 20 سنتاً على الدولار إلى 69.75 سنت في التعاملات الثانوية ذات الدرجة الاستثمارية، وفقاً لبيانات "تريس" (Trace).
وصلت أربعة سندات أخرى على الأقل لشركة "أداني بورتس" إلى مستويات التعثر، حيث انخفضت إلى 69 سنتاً أو أقل.
انخفضت سندات "أداني غرين إنرجي" ذات العائد 4.375% المستحقة في سبتمبر 2024 بأكثر من 12 سنتاً على الدولار إلى 66.75 سنت في التعاملات الثانوية ذات العائد المرتفع، وفقاً لبيانات "تريس".
كانت "أداني إنتربرايزس" قد أمّنت تغطية أكبر طرح إضافي في الهند بالكامل يوم الثلاثاء، وهو اليوم الأخير للاكتتاب، بعد أن شهدت زيادة بالطلبات في اللحظة الأخيرة من قبل المساهمين الحاليين والمستثمرين المؤسسيين. وكان سيُنظر لإتمام الصفقة على أنَّه انتصار لغوتام أداني.
مع ذلك؛ ووفق إغلاق سهم الشركة يوم الأربعاء عند 2135.35 روبية؛ فإنَّ المستثمرين الذين اشتروا في نطاق الطرح الذي يتراوح بين 3112 روبية إلى 3276 روبية قد تكبّدوا خسائر كبيرة فورية.
واصلت العقود الخاصة بمؤشر "نيفتي 50" للأسهم الهندية انخفاضها إلى 0.8% بعد قرار "أداني" بإلغاء الطرح العام الإضافي، في حين كان المؤشر مستقراً قبل الإعلان.
قال بيتر غارنري، رئيس استراتيجية الأسهم لدى "ساكسو بنك" ( Saxo Bank A / S): "المشكلة الآن هي أنَّ المعاملات أصبحت حلقة ردود فعل سلبية تعزز نفسها بنفسها، كما أنَّ المستثمرين حالياً يتخلصون من الأسهم ويطرحون الأسئلة لاحقاً".
ضمانات القروض
قررت الذراع المصرفية الخاصة بمجموعة "كريدي سويس" السويسرية عدم قبول السندات التي أصدرتها "أداني بورتس" و"سبيشيل إيكونوميك زون" و"أداني غرين إنرجي" و"أداني إلكتريستي مومباي" (Adani Electricity Mumbai)، كضمان لمنح قروض لتلك الشركات، بحسب أشخاص على دراية بالأمر.
قال أحد الأشخاص إنَّ الذراع المصرفية كانت قد عرضت في السابق منح قروض بما يعادل نحو 75% من قيمة السندات التي أصدرتها "أداني بورتس".
عندما يقلص مصرف خاص عدم قبول الأوراق المالية المصدرة؛ فإنَّ العملاء يضطرون عادة لإضافة مزيد من السيولة النقدية أو أي صورة أخرى من صور الضمانات، وفي حال فشلهم بتحقيق ذلك، يمكنهم اللجوء لبيع أوراقهم المالية وتحويلها لسيولة نقدية.
أضاف "أداني" يوم الجمعة الماضي ما قيمته نحو 300 مليون دولار من الأسهم لقرض قيمته مليار دولار قدّمته مجموعة من البنوك، وفقاً لأشخاص مطّلعين على الأمر.
"قد تحتاج عائلة أداني إلى رهن مزيد من الأسهم نظراً لانخفاض أسعارها، برغم أنَّها قادرة على تحقيق ارتفاع صحي، في ضوء أنَّ الجزء المرهون لا يزيد عن 40%، وفق حساباتنا"، بحسب ما قال شارون تشين، محلل الائتمان لدى "بلومبرغ إنتلجينس" عبر مذكرة بحثية.