مجتمع نيكولاي دينيسوف للاستمثار في دبي يواصل نموه. فقد ازدادت عضوية الفرع المحلي لمجموعة "إنجلس ديسك" (AngelsDeck) التي يرأسها دينيسوف 10 أضعاف منذ غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا في فبراير الماضي، ليصل عدد الأعضاء إلى 300 شخص. يقول دينيسوف، الذي وصل إلى دبي عام 2021، إن الأعضاء يبحثون في الغالب عن استثمارات واعدة في الإمارات العربية المتحدة، ودبي جزء منها.
يعكس الاهتمام المتنامي بالمجموعة، مدى استمرار تدفق الوافدين من روسيا على الأعمال التجارية وحياة المال والثقافة في الإمارات، حيث يؤسس بعض الروس هناك، شركات حديثة، فيما يشتري البعض الآخر عقارات، أو يدخلون في مشاريع رأس المال المغامر، أو ينشئون فروعاً لأعمالهم القائمة في موسكو.
دفعة مالية
تعطي استثماراتهم دفعة مالية للبلاد، والتي تقول شركة استشارات الهجرة "هينلي آند بارتنرز" (Henley & Partners)، إنها ستجتذب الحصة الأكبر من الثروة الخاصة حول العالم خلال العام الجاري. فعلى النقيض من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم تفرض الإمارات عقوبات على روسيا بعد اندلاع الحرب.
خلال اجتماع في أكتوبر الماضي مع بوتين في سانت بطرسبرغ، أوضح الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أن التجارة بين البلدين تضاعفت لتصل إلى 5 مليارات دولار على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، في وقت تعمل نحو 4 آلاف شركة ذات جذور روسية، في الدولة الخليجية.
رئيس الإمارات يلتقي نظيره الروسي وسط تصاعد وتيرة الصراع في أوكرانيا
تُعدّ ألكسندرا جيراسيموفا، البالغة من العمر 30 عاماً، واحدة من مؤسسي شركة "فيتموست" (Fitmost)، مزوّد التكنولوجيا الروسية لشركات اللياقة البدنية. قررت فتح شركة في الإمارات مماثلة لتلك التي تمتلكها في روسيا، والتي استمرت في النمو حتى بعد نشوب الحرب.
علّقت جيراسيموفا على الاندفاع نحو دبي قائلة: "لقد استطعنا تشييد نموذج عمل جيد، وخططنا لجذب الاستثمار من أجل التوسع سريعاً في روسيا. لكن مناخ الاستثمار في البلاد تدهور. لذلك قررنا تعزيز منتجاتنا في السوق الأنسب للتوسع الأجنبي".
مخاوف العقوبات
شاب آخر هو فلاديمير مياسويدوف، البالغ من العمر 36 عاماً، مؤسس شركة "سي إس آي آر إيه فيجين" (CSIRA Vision)، ومطور خوارزميات ذكاء اصطناعي وتعلم آلي، انتقل إلى دبي في مارس الماضي، لنقل الشركة التي دشنها في موسكو في 2021. لقد فضّل الإمارة على الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، لأنه كان يخشى أن يسفر ارتباطه بعلاقات روسية عن تعرضه لعقبات قانونية ومالية هناك.
سوق العقارات الفاخرة في دبي تجني المكاسب وسط تباطؤ عالمي
لا يتعلق الأمر برواد الأعمال الشباب فقط. قال أشخاص على دراية بالموضوع في وقت سابق من هذا العام، إن شركة إنتاج الفحم "سويك" (Suek) ومقرها في موسكو، وشركة تصنيع الأسمدة "يورو كيم غروب" (EuroChem Group) المسجلة في سويسرا، واللتين أسسهما الملياردير الروسي أندريه ميلينشينكو المفروضة عليه عقوبات، تفتتحان وحدتين تجاريتين محليتين في الإمارات. استقال الملياردير من مجلسي إدارة الشركتين، على خلفية عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي.
إجمالاً، تتوقع شركة "هينلي" أن تجذب الإمارات تدفقاً صافياً يبلغ 4 آلاف مليونير خلال العام الجاري، وهو أكبر عدد من أي دولة أخرى، في حين أن روسيا قد تخسر 15 ألفاً منهم.
تحديات
رغم ذلك، فإن تدفق الأموال يفرض أيضاً تحديات. حذّر بعض المسؤولين الأميركيين من مخاطر استخدام الروس للدولة الشرق أوسطية، للإفلات من العقوبات. أكد المسؤولون في الإمارات أن بلادهم مستقلة وتحترم القانون الدولي، لكنها غير ملزمة بالتقيد بالعقوبات المفروضة من قبل ولايات قضائية بشكل منفرد، كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة. كما تقول الإمارات إنها تقوم بدورها في حماية سلامة النظام المالي العالمي بأقصى درجة من الجدية.
سوق العقارات الفاخرة تزدهر في دبي مع تدفق الأثرياء إلى المدينة
بات بعض أكبر البنوك الخاصة حول العالم، أشد حذراً، وهي تقوم بعملية الفحص النافي للجهالة بطريقة فائقة عند دخول عملاء جدد من الروس إلى دبي، حسب ما قاله أشخاص على علم بالعملية بطريقة مباشرة، والذين طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم نظراً لمناقشة تعاملات سرية. أضافوا أن الشركات المالية الأكبر التي تمتلك علاقات مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا، كانت حساسة بصفة خاصة، إذ أجرت عمليات مراجعة أكثر دقة تُعرف بـ"تعرّفْ على عميلك"، للتحقق من مصدر الأموال والقيام بزيارات منزلية للعملاء المحتملين.
قال العديد من الأشخاص، إنه وعلى الرغم من ذلك، فإن تدفق الأثرياء الروس إلى الإمارة المشمسة، كشف عن مصدر كبير للثروة بالنسبة إلى مجموعة أصغر من المصرفيين في القطاع الخاص، الذين يمتلكون شهية أكبر للمخاطرة، ما دفع بالبعض إلى إنشاء شركات جديدة تلبي احتياجات العملاء من أوروبا الشرقية، حيث تتراوح الخدمات من التخطيط المالي إلى تأسيس الشركات والمساعدة في الحصول على الإقامة الدائمة.
مركز الثروة
حتى قبيل اندلاع الحرب، كانت الإمارات تكتسب قوة دافعة هائلة كمركز للثروة، بدعم من نظام الضرائب المنخفضة، وأحد أسرع معدلات التطعيم ضد مرض كوفيد على مستوى العالم، وسوق العقارات المزدهرة. لكن الوافدين الروس يعطون دفعة إضافية لتلك الطموحات. لم يستجب متحدثون باسم حكومة دبي لطلب للتعليق على الموضوع.
الإمارات تجذب شركات التقنية بالتمويل والإقامات طويلة الأجل
تسعى الشركات المالية والتجارية التي تقدم خدماتها للعملاء الروس، إلى زيادة وجودهم في البلاد. افتتحت مجموعة "ليون فاميلي أوفيس" (Leon Family Office) ومقرها موسكو، والتي تدير مليار دولار تقريباً، شركة في الإمارات في مارس الماضي لخدمة العملاء الروس الأثرياء. أنشأت شركة "أسبرينغ كابيتال" (Aspring Capital)، وهي متخصصة باستشارات صفقات الاندماج والاستحواذ والديون ومعاملات سوق رأس المال، مكتباً في دبي في الشهر ذاته.
نفوذ ثقافي
يمتد النفوذ الروسي إلى ما وراء الأنشطة التجارية، حيث افتُتح فرع لمدرسة "بريماكوف"، التي تحظى بشهرة وسط نخبة موسكو، في أغسطس الماضي في أبوظبي.
في غضون ذلك، يعرض مقهى "دريفين" الشهير، وهو مبني من طابقين على جزيرة "بلو ووترز" (Bluewaters)، سيارات السباق، ويعقد فيه رواد الأعمال من موسكو اجتماعات بصفة منتظمة. وفي مقهى "أنجيل كيكس" (Angel Cakes) المجاور له، يحضر الأشخاص محاضرات بالروسية حول فنون عصر النهضة أثناء وجبة الإفطار. يمكن لأي فرد يشعر بالحنين إلى الوطن، أن يجد بيسر مكاناً للحصول على "بانيا"، أو حمام البخار الروسي التقليدي.
أشارت شركات وساطة إلى أن مناطق في دبي، كانت تضم تجمعات سكانية روسية منذ أمد طويل، تجذب الوافدين الجدد من البلاد الباحثين عن منازل.
قال أوليغ توربوسوف، مؤسس وكالة "وايتويل" (Whitewill) العقارية ومقرها موسكو، والتي افتتحت مكتبها في دبي في ربيع 2021: "عندما افتتحنا المكتب في دبي، قمنا بالتسويق لعملاء من أوروبا وآسيا. لكن في مارس 2022، أوقفنا كل الإعلانات الدولية، لأن موجة من العملاء القادمين من روسيا جرفتنا".