عندما عوقب جيرمان خان على إثر غزو الكرملين لأوكرانيا، كان على الملياردير الروسي أن يختار بين البقاء في لندن، حيث كان يعيش على مدى عقد تقريباً، أو العودة إلى وطنه الأم.
خلال شهور، تخلى الشريك المؤسس لشركة "ليتر ون" ( LetterOne) عن منزله بالتبني في المملكة المتحدة والعودة لموسكو، بحسب أشخاص مطلعين على مكان وجوده رفضوا ذكر أسمائهم لأن الأمر يتعلق بالسرية. قام بذلك عقب نقل حصته في شركة الاستثمار إلى مساهم لا يخضع للعقوبات، ما يضمن عدم تجميد نحو ملياري دولار من ثروته المحتفظ بها خارج روسيا.
انتصار بوتين
يصعب تحديد عدد الأثرياء الروس الذين عاشوا بالخارج وعادوا إلى وطنهم. لكن احتمال العيش في ظل فرض العقوبات على روسيا جعلت من الاقتراح غير الجذاب يوماً ما أفضل خيار متاح أمامهم.
يمثل ذلك انتصاراً مؤكداً بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين، الذي حاول لسنوات جذب المواطنين الأثرياء الذين يرتبطون بعلاقات خارجية (اعتبرها مصدراً محتملاً لانعدام الولاء) للعودة؛ وذلك من خلال منح حوافز ضريبية وعفو بشأن رؤوس الأموال.
حالياً، يوجد سيل من القيود فرضها المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تستهدف معاقبة النخبة من رجال الأعمال التجارية في روسيا وتقويض الدعم المقدم للحرب. عوضاً عن ذلك جعلتهم أكثر اعتماداً على الرئيس الروسي. وفجأة، بات الوطن الذي غادروه لضمان سلامة أصولهم أحد الأماكن المحدودة التي لا تواجه فيه أموالهم خطر التجميد أو المصادرة.
في هذا الشأن، يرى جليب بافلوفسكي، المحلل السياسي المستقل الذي كان يقدم الاستشارات للكرملين خلال العقد الأول من تولي بوتين السلطة، أن "ما يبهج الكرملين هو أن الغرب لعب دوراً أساسياً في توحيد دوائر النخبة المحلية والجماهير، وتحت ضغط الغرب المعادي لروسيا، فإنهم يتحولون إلى مصدر قوة للحزب المؤيد للحرب".
مسيرة عصامية
بدأ خان، 60 سنة، كرجل أعمال في الأعوام الأخيرة من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، عندما شرع في بيع السلع الإلكترونية والسجاد والسلع الاستهلاكية مع شركاء. مثلت الشركات الأساس لمجموعة "ألفا غروب" (Alfa Group)، وهي الشركة القابضة التي تتحكم حالياً في العديد من أصولهم. جنى الرجل الذي كانت كييف موطنه الأصلي جزءاً هائلاً من ثروته بعدما باع حصته في " تي إن كي- بي بي" (TNK-BP)، وهو مشروع مشترك مع شركة "بي بي" البريطانية، إلى شركة "روسنفت أويل" المملوكة للدولة، معتمداً على عائدات البيع للمساعدة في تأسيس "ليتر ون" (LetterOne).
تقدر ثروة الملياردير، الذي قيل إنه حمل مسدساً وأخبر الشركاء التجاريين أن أفلام "The Godfather" كانت "الدليل المرجعي له مدى حياته"، بحوالي 7.7 مليار دولار، بحسب مؤشر بلومبرغ للمليارديرات.
خارجياً، يشتهر خان غالباً باسم "ليتر ون" ومقرها في لوكسمبورغ. انطلقت الشركة في 2013 بالشراكة مع ميخائيل فريدمان وأليكسي كوزميتشيف وبيتر أفين، واستقال جميعهم من مجلس الإدارة بعد تعرضهم لعقوبات في مارس الماضي. كما أن شركة الاستثمار، التي تشرف على ما يصل إلى 27 مليار دولار أصول عالمية، خسرت مليارات الدولارات منذ اندلاع الحرب جراء انتسابها لروسيا.
يعيش خان حالياً في موسكو، ويدير الأصول الروسية لشركة "ألفا غروب" من مكتبه في الحي المالي بالمدينة. يجني المال لدعم نمط حياته عبر أعماله التجارية في البلاد، والتي تتضمن حصص ملكية في "إكس 5" (X5)، أكبر سلسلة متاجر تجزئة في الدولة، وشركة خدمات الهاتف المحمول "فيمبلكوم" (Vimpelcom).
مصير الشركاء
بغض النظر عن خان، ما زال كافة شركائه في "ليتر ون" يعيشون بالخارج، فيما نقل كوزميتشيف، أيضاً، حصته في الشركة إلى مساهم غير خاضع للعقوبات.
امتنع ممثل لخان عن التعليق على هذا النبأ.
قد يُنظر أيضاً لعودة الأثرياء إلى روسيا باعتباره نصراً للغرب، إذ تتصاعد المخاوف من أن ثروتهم ونفوذهم يساعدان على تدعيم مصالح الكرملين خارج البلاد.
تغيرت حياة الأثرياء الروس بالخارج. فريدمان، الذي يقيم بلندن، جُمدت بطاقات ائتمانه ويحتاج إلى تقديم طلب للحصول على تصريح لإنفاق الأموال. أفين، وهو يمتلك عقاراً خارج العاصمة البريطانية به مجموعة فنية بقيمة 300 مليون جنيه إسترليني، يجد صعوبة في سداد نفقاته الشهرية التي تقدر بـ140 ألف جنيه إسترليني.
أسوار العزلة
حالياً يتردد بعض الأثرياء الروس -سواء كانوا خاضعين للعقوبات أم لا- في المغامرة بالخروج من البلاد حتى لقضاء إجازة. أرسى أليكسي مورداشوف، مالك شركة صناعة الصلب "سفرستال" (Severstal)، يخته، المسمى نورد، قبالة مدينة "فلاديفوستوك" ولم يغادر منذ خضوعه للعقوبات في مارس الماضي. يخرج آخرون في رحلات نهر الفولغا أو التنزّه لمسافات طويلة في منطقة ألتاي بجنوب سيبيريا المشهورة بمناظرها الطبيعية الشاعرية للجبال، والسهول، والبحيرات.
كثيراً ما سعت النخبة في البلاد إلى الإبقاء على قدر من ثرواتها على الأقل بالخارج لحمايتها من السلطات والاستفادة من معدلات الضرائب الأقل والأنظمة التشريعية الأكثر جاذبية.
ضاعف بوتين جهوده المبذولة لإعادة الأصول للبلاد في 2018، عندما أسست الحكومة مناطق إدارية خاصة بمنطقة كالينينغراد بين بولندا وليتوانيا، وفي بريمورسكي، وهي منطقة على الحدود مع كوريا الشمالية والصين. قد تكون الحيازات من الأصول الدولية المعاد تسجيلها هناك مؤهلة لنيل مزايا ضريبية.
تأثير العقوبات
على الرغم من أن إحدى جولات العقوبات الأميركية في 2018 استهدفت المليارديرات أوليغ ديريباسكا وفيكتور فيكسيلبيرغ ساهمت في إطلاق العنان لعملية إعادة توطين، فإن سيل القيود الأخير أعطى دفعة لبرنامج العودة.
قال وزير الاقتصاد الروسي مكسيم ريشيتنيكوف في يونيو الماضي إنه في الشهور الـ5 الأولى من 2022 نقلت 26 شركة مقراتها إلى روسيا، وهو ما يوازي فعلياً رقم 2021 بالكامل.
أعاد كل من سعيد كريموف، نجل الملياردير سليمان كريموف، الخاضع للعقوبات، وكذلك مؤسس شركة "فوس أغرو" (Phos Agro) أندريه جوريف، ورجل الأعمال فيكتور راشنيكوف أحد أباطرة الصلب -وكلاهما مفروض عليه عقوبات- الأصول الخاصة بهم إلى روسيا.
لكن بالنسبة للأثرياء، فإن اقتصاد البلاد الراكد الذي تهيمن عليه الدولة بصورة متنامية لا يقدم سوى فرص محدودة من الاستثمارات. "إنهم معزولون للغاية على غرار بوتين.. وفكرة أنه يمكن فصلهم عن بوتين والكرملين في هذا المرحلة الحاسمة لا تعتبر واقعية"؛ بحسب رأي بريان أوتول، أحد كبار الزملاء في شركة "أتلانتيك كاونسل" (Atlantic Council) وكان كبير مستشاري مكتب مراقبة الأصول الأجنبية السابق.