تستفيق أغنى دولة في العالم على نبأ غير سار وغير مألوف.. إنَّها ستصبح أكثر فقراً.
تضخمت ثروة الأمريكيين بوتيرة مدهشة خلال العامين الماضيين، حتى خلال معاناة الأسر والشركات من الأضرار الناجمة عن تفشي كورونا. فقد كدّست العائلات 38.5 تريليون دولار إضافية منذ مطلع 2020 حتى نهاية 2021، مما زاد صافي ثروتها الإجمالية إلى مستوى قياسي بلغ 142 تريليون دولار، وفقاً لتقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
فيما بدأت الولايات المتحدة تتعلم التعايش مع كورونا، وعاد الإنفاق إلى مستواه الطببيعي لما قبل فترة الجائحة؛ فإنَّ أمريكا تتعرض لتهديد مخيف حديث، يتمثل بتراجع الثروة منذ بداية عام 2022، بحوالي 5 تريليونات دولار على الأقل، وفق تقدير بنك "جيه بي مورغان تشيس أند كو"، ومن الممكن أن يبلغ هذ النزيف 9 تريليونات دولار بحلول نهاية العام.
حتى الآن، يقع العبء الأكبر على أغنى الأمريكيين، إذ هبطت ثروات المليارديرات بنحو 800 مليار دولار من مستوى ذروتها، في ظل الخسائر الهائلة بسوق الأسهم والعملات المشفرة والأصول المالية الأخرى. لكنَّ أسعار الفائدة العالية بدأت تزعزع سوق الإسكان أيضاً، حيث تختزن عائلات الطبقة المتوسطة والعاملة النصيب الأكبر من ثروتها.
كل هذا يُضاف إلى الإقصاء المفاجئ لدعامة أساسية للثقة، ألا وهي المدّخرات التي وصلت العام الماضي لمعدل قياسي. ولمواجهة أعلى معدل تضخم منذ عقود؛ يحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أن يحد المواطنون من إنفاقهم، حتى لو أدّى ذلك لحدوث تباطؤ اقتصادي.
بحسب جون نوريس، كبير خبراء الاقتصاد في شركة "أوكوورث كابيتال بنك" (Oakworth Capital Bank): فإنَّ "عودة الأمور لطبيعتها موجعة، بعد أن كان الناس بعالمٍ خيالي خلال 2021. ويولّد ذلك الشعور بأنَّ الأمور أسوأ كثيراً ممّا هي عليه فعلياً".
منذ مطلع العام الحالي، هبط مؤشر"ستاندرد أند بورز 500" بنسبة بلغت 18%، وسجل مؤشر "ناسداك 100" خسارةً بنسبة بلغت 27%، وتراجع مؤشر "بلومبرغ" للعملات المشفَّرة بنسبة وصلت إلى 48%.
كتب خبراء اقتصاديون في مصرف "جيه بي مورغان"، بقيادة مايكل فيرولي، في رسالة يوم الجمعة، أنَّ كل ما يجري يصل إلى مستوى "صدمة خسارة الثروة التي يُنتظر أن تعطّل النمو خلال السنة المقبلة".
كما أعلن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وزملاؤه مرّات عديدة أنَّهم يهدفون بقوة لحدوث تباطؤ بهذا الشكل، مما يجعل تحرك صنّاع السياسة النقدية للتصدي للهبوط الكبير بحجم الثروة في 2022 غير مرجح.
كان المليارديرات أكبر الفائزين خلال 2020 و2021. لكنَّهم حالياً يتكبّدون الخسارة أكثر من أي أحد آخر تقريباً. إذ هبط مؤشر بلومبرغ للمليارديرات، وهو عبارة عن مقياس يومي لثروة أغنى 500 شخص على مستوى العالم، بمقدار 1.6 تريليون دولار منذ بلوغه مستوى الذروة في نوفمبر الماضي.
يتقدّم الأثرياء الأمريكيون مسيرة الخسارة، حيث فقدوا 797 مليار دولار منذ وصولهم للذروة. وربما يكون أشد الناس تضرراً هو أغنى شخص في العالم إيلون ماسك؛ إذ خسر 139.1 مليار دولار، أو 41% من قيمة ثروته، منذ شهر نوفمبر، عندما تجاوز صافي ثروته لفترة محدودة 340 مليار دولار. كما خسر مؤسس شركة "أمازون" جيف بيزوس، ثاني أغنى أثرياء العالم، 82.7 مليار دولار، أو 39% من مستوى ذروة ثروته.
اليوم في أمريكا: - أغنى شخصين يمتلكان ثروة تفوق 40% من الأمريكيين الأدنى دخلاً. - أغنى 1% من السكان يمتلكون ثروة تفوق 92% من الأقل دخلاً. - %45 من إجمالي الدخل الجديد منذ 2009 ذهب إلى أغنى 1%. هل هذا هو الاقتصاد الذي يتعين على أي شخص عامل أن يقبل به؟ بيرني ساندرز (@BernieSanders) - 5 سبتمبر 2021
في حين أنَّ خسائر الثروة بين أغنى 0.001% تحد من ظاهرة عدم المساواة؛ فإنَّ ذلك لن يكون بمثابة أمر مريح لغالبية الناس الذين يساورهم القلق إزاء الفوارق التي تتسع في الولايات المتحدة.
ترى رينا أغروال، مديرة مركز "بساروس" للأسواق المالية والسياسات بجامعة جورجتاون الأمريكية، أنَّه "في الإطار النسبي، سيسفر ذلك عن الحد من مستوى عدم المساواة بشكل طفيف. لكن في الإطار المطلق، سيتأثر الجميع".
على غرار كثيرين، يساور أغروال القلق من أنَّ أسواق الأسهم الهابطة ستولّد مشكلات للاقتصاد على نطاق أوسع. معتبرةً أنَّ "حدوث قدر من التصحيح كان مطلوباً، لكنْ هذه عملية تصحيح هائلة للغاية، وبلا توقف".
يهدد الانكماش في قطاع الإسكان، الذي يعود بشكلٍ أساسي بسبب رفع أسعار فائدة الرهون العقارية إلى أعلى مستوياتها منذ سنة 2009، بالانتشار على نطاقٍ أوسع. وعلى مدى العقد الماضي، زادت سوق العقارات القوية 18 تريليون دولار من القيمة السوقية إلى تقييمات المنازل التي يُقيم مالكوها فيها.
اقرأ أيضاً: أسعار عقارات الضواحي أكثر جاذبية من المدن في أمريكا
نما الإنفاق في الولايات المتحدة بغضون الأعوام الأخيرة، بفعل استفادة الملاك من القيم المرتفعة لمنازلهم للحصول على قروض إضافية. ومن المرجح أن يتوقف خلال العام الحالي نهج حصول الأشخاص على المال بضمان ملكية المنازل. مع الإشارة إلى أنَّ ما يفوق 40% من عمليات إعادة التمويل التي جرت خلال الربع الأخير من 2021، شهدت قيام مالكي المنازل بالحصول على الأموال النقدية بضمان ملكية منازلهم.
يجري توزيع ملكية العقارات بآلية متساوية أكثر بكثير مقارنةً بالثروة المالية. إذ يمتلك أغنى 1% ما يفوق نصف حيازات الولايات المتحدة من الأسهم والصناديق المشتركة، ويستحوذ 90% من الطبقة الأدنى على أقل من 12%، بحسب تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. على العكس من ذلك، على صعيد ملكية العقارات؛ يسيطر 90% من الطبقة الأدنى على ما يفوق نصف الإجمالي، في حين أنَّ أغنى 1% يمتلكون أقل من 14%.
أفصح لورانس يون، كبير خبراء الاقتصاد في الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين، في بيان صادر الخميس: "أسعار المنازل العالية وأسعار فائدة الرهون العقارية المرتفعة بطريقة كبيرة قلّصت من نشاط الشراء. ويبدو أنَّنا سنشهد تراجعات أكثر وشيكة بصفقات البيع والشراء بغضون الشهور المقبلة".
وفقاً للخبيرة الاقتصادية في "بلومبرغ" يلينا شولياتيفا: "في حين ستؤثر أسواق الأسهم المتراجعة على صافي ثروة المستهلكين خلال العام الحالي؛ فإنَّ الأثر المتبقي من صعود قيم الأصول في 2021، وصمود أسعار المساكن إلى حد الآن، بمثابة عوامل معادلة مهمة تعزز الاستهلاك. ونتيجة ذلك؛ تشير التوقُّعات إلى أنَّ الإنفاق الشخصي للسنة الحالية سينمو بوتيرة أسرع مما كان عليه الحال قبيل الجائحة، حتى بعد وقف برامج التحفيز المالي.
ربما يتطلب الأمر بعض الوقت قبل أن يتفهم الأمريكيون أنَّ مكاسبهم من ارتفاع أسعار منازلهم خلال فترة كورونا قد تلاشت. حتى عمليات البيع في أسواق الأسهم ربما تحتاج لبعض الوقت من أجل ترجمتها إلى إنفاق قد يودي عند جفافه بالولايات المتحدة إلى السقوط في الركود الاقتصادي.
كريس غافني، رئيس وحدة الأسواق العالمية في"تي آي أيه أيه بنك" (TIAA Bank)، يُرجّح أن يكون "تأثير الهبوط العام في أسواق الأسهم طفيفاً، لكنْ يوجد لدى بعض المستثمرين نوع من الانقطاع عن الواقع؛ إذ ينظرون إلى بياناتهم على أساس فصلي، وفجأة يصرخون: محفظتي هبطت 20%، ربما لم يكن من المفترض أن أنفق المال على تلك الرحلة، أو أشتري جهاز تلفزيون أكبر أو سيارة جديدة".