مناورتان غاية في البراعة، نُفِّذتا في توقيت مثاليٍّ وبتخطيط عالي الدقة، فرض من خلالهما جيل جديد سيطرته على ثروة أغنى عائلات سويسرا "أويري-هوفمان" (Oeri-Hoffmann)، وليتمكن بذلك الجيل الجديد من مدِّ نفوذه على شركة الأدوية العملاقة التي تمتلكها العائلة.
وتمثَّلت المناورة في انضمام 7 أعضاء من الجيل الخامس لعائلة "أويري-هوفمان" إلى مجموعة مساهمي العائلة أواخر العام الماضي، التي تُشرِف على حصة تبلغ قيمتها 25 مليار دولار في شركة "روش" القابضة.
أما المناورة الثانية فجاءت في مارس 2020، حينما حلَّ أحد أفراد هذا الجيل الجديد، وهو دوشمال، محلَّ عمِّه في مجلس إدارة الشركة نفسها، هذا التغيير تمَّ التخطيط له بدقة، فكان صعود يورج دوشمال لعضوية مجلس الإدارة قد جرى على مدى عامين تقريبً.ً
وفي مقابلة نادرة له، أكَّد دوشمال التزام العائلة الكامل تجاه شركة "روش" للأدوية، التي تُعَدُّ حجر الأساس لثروتها منذ عام 1896.
وقال دوشمال في المقابلة التي أجراها مع مجلة بيلانز "Bilanz" السويسرية، "مِن المهمّ مواصلة تاريخ العائلة الناجح، وتمريره إلى الجيل القادم، إننا نثبت أنَّ العائلة تواصل دعم الشركة".
ووفقاً لتصنيف "بلومبرغ" السنوي لثروات العائلات، ارتفعت ثروة "أويري-هوفمان" البالغة 39 مليار دولار بمقدار الربع تقريباً خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، وذلك بدعم من مبيعات شركة "روش" لاختبارات "كوفيد-19".
إنَّ اللافت للانتباه في هذه القصة؛ ليس حجم ثروة العائلة السويسرية فحسب، بل امتداد عمرها ونموّها أيضاً، إذ تابعت هذه الثروة وجودها في أجيال العائلة وصولاً إلى الجيل الخامس حالياً، الذين باتوا أكثر ثراءً من أيِّ وقت مضى.
ويرى بالز هوسلي، الشريك في ""MME للخدمات القانونية في زيورخ، أنَّ محافظة العائلة على الشركة للجيل الخامس ليس أمراً يُستهان به، لأنَّ أقل من شركة واحدة بين كل خمس شركات من (الشركات العائلية) تنجح في البقاء تحت سيطرة العائلة المالكة حتى الجيل الثالث. ويضيف، "لا يتطلب الأمر سوى عدد قليل من الأعضاء غير الراضين لإحداث مشكلة حقيقية، أما بالنسبة إلى نخبة الأثرياء، فإنَّ إدارة تَوَالي الأجيال على الأعمال يُعَدُّ مصدر قلق بشكل دائم".
وفي ما يلي بعض الأسباب التي جعلت عائلة "أويري-هوفمان" قادرة على التعامل مع هذه القضية بنجاح.
المهمَّة الموحَّدة
وأصبح الإشراف على شركة "روش" جزءاً من الحمض النووي للعائلة، فالأسهم التي يمتلكها أفراد العائلة في الشركة تمنحهم القدرة على التصويت في مجالسها، والسيطرة في مراحل اتخاذ القرارات، وذلك على الرغم من امتلاكهم 9 %فقط من شركة الأدوية العملاقة، لكنَّ العائلة تؤكِّد باستمرار على دورها في إدارة الشركة.
وهذه المهمَّة التي تجمع العائلة لا تزال تحتفظ بجاذبيتها حتى بالنسبة إلى أفراد العائلة خارج مجموعة حملة الأسهم، فمثلاً ماجا أويري، الحفيدة الصغرى من سلالة مؤسِّس الشركة فريتز هوفمان-لاروش، نقلت أسهمها من كتلة تصويت العائلة في عام 2011، ولكنها لم تبِع أيًّا من أسهمها البالغ عددها 8 ملايين سهم منذ ذلك الحين، وفقاً لملفَّات الشركة.
تدفق السيولة
إنَّ استقرار حصة عائلة "أويري-هوفمان" في الشركة يبقى مدعوماً بفضل العائدات الضخمة التي يحصلون عليها، التي تجاوزت 700 مليون دولار في عام 2020، وهذه المكاسب السنوية الكبيرة تساعد في منع زيادة مبيعات الأسهم، التي من شأنها إضعاف ملكية العائلة في الشركة، كما أنَّ قلة عدد أفراد العائلة الذين يتقاسمون الأرباح يدعم استقرار حصة العائلة، إذ يتألَّف مجموع مُلَّاك الحصص في الشركة من 15 فرداً، بالمقارنة مع أعداد تصل أحياناً إلى المئات في ورثة العائلات الأخرى.
التدبير والاعتدال
ويبدو أنَّ معظم أفراد الأسرة لديهم القليل من الوقت للإسراف، إذ تغيب الحفلات الضخمة، واليخوت الفاخرة عن الصورة بشكل واضح.
وبحسب الملف الشخصي الذي أعدَّته مجلة "بيلانز"، فإنَّ "دوشمال" يذهب إلى العمل بالدراجة، في حين تعدُّ أكثر ممتلكاته رفاهية أحذية المشي لمسافات طويلة.
أما العم "أندرياس أويري"، وهو طبيب عظام، فقد استمر في ممارسة مهنته على مدار ربع قرن في مجلس إدارة شركة "روش "وكذلك، تدير العمة "بياتريس أويري"، التي باعت حصتها لمجموعة المساهمين في عام 2009، نادياً لموسيقى الجاز في بازل.
غياب الضرائب
إنَّ تجنُّب الفواتير الضريبية الضخمة يساعد أيضاً عند نقل الأصول بين الأجيال،لأنَّ سويسرا لا تفرض ضريبة ميراث فيدرالية، كما أنَّ مقاطعة بازل التي يقع فيها مقرّ شركة "روش"، لا تفرض ضرائب على ملكية الأسهم التي تنتقل داخل الأسرة مباشرة.
العقلانية والتحفُّظ
لقد خدم تحفُّظ العائلة السويسرية على تصرفاتها صورتها بشكل جيِّد، مما سمح لأفرادها بتجنُّب السقطات العلنية التي أدت إلى تقسيم كثير من العائلات الأخرى، وذلك على الرغم من اعتبارهم من بين الشخصيات الأكثر تأثيراً في العالم المتحضِّر، من خلال تأثيرهم في المشهد الثقافي، واقتنائهم مجموعات فنية مشهورة، ودعمهم للقضايا البيئية والتعليمية في هدوء.
ويقول المحامي السويسري هوسلي: "إنَّهم يتصرَّفون بحذر شديد، ويُنظَر إليهم على أنَّهم عائلة متواضعة".
وحتى الآن، يُظهِر الجيل الخامس موقفاً مشابهاً، وقد رفض دوشمال التعليق على الأمر، فضلاً عن بقية المساهمين من العائلة في شركة "روش".