كان مؤسس مجموعة "تشاينا إيفرغراند"، هوي كا يان، يبتسم أثناء حضوره احتفال الحزب الشيوعي بمرور 100 عام على نشأته في بكين في شهر يوليو الماضي. وكانت دعوته عند الكثيرين إشارة على أنه مازال يحظى بدعم الحكومة، وقد وفر ذلك دعماً نادراً لسندات شركته.
غير أن أي مستثمر مازالت تداعبه الآمال بأن حجم شركة "إيفرغراند" كبير بما يحميها من الانهيار، فقد اختفت الآن هذه النوعية من المستثمرين، إذ إن أسهم وسندات شركة التنمية العقارية يجري تداولها حالياً عند مستويات منخفضة قياسية، بعد أن عجزت عن الوفاء بالتزاماتها وصنفتها مؤسسة التقييم الائتماني "فيتش ريتينغ" بأنها شركة متعثرة.
خسائر فادحة
يمر أباطرة العقارات في الصين بأسوأ عام لهم منذ 2012 على الأقل، إذ تُضيِّق الحكومة الخناق على حفلات الاستدانة الصاخبة عند الشركات، ويهدف الرئيس، تشي جين بينغ، إلى إعادة توزيع الثروة من أجل تحقيق "الرخاء المشترك".
خسر أغنى الرؤساء الذين يقودون شركات العقارات في البلاد أكثر من 46 مليار دولار مجتمعين هذا العام، بحسب مؤشر "بلومبرغ بليونيرز"، الذي يرتب أغنى 500 شخص في العالم بداية من عام 2012.
تدهورت ثروة هيو وحده بقيمة 17.2 مليار دولار، في أحد أكبر الخسائر التي يتكبدها فرد في عام 2021.
التضييق على العقارات
قال تيرينس تشونغ، أستاذ علم الاقتصاد في جامعة هونغ كونغ الصينية: "سجل قطاع العقارات في الصين نمواً سريعاً على مدى الـ20 عاماً الماضية بفضل التوسع الشديد اعتماداً على الديون المرتفعة، مما أعطى دفعة للثروة في البلاد".
وأضاف "سيتباطأ هذا النمو قطعاً مع انخفاض خطوط الائتمان المقدمة من البنوك. إن الصين تتحول وتطور اقتصادها، وسيكون الاستثمار العقاري أقل هيمنة وانتشاراً في المستقبل".
تحاول الصين منذ فترة تحقيق استقرار للاقتصاد، حيث يمثل القطاع العقاري نحو ربع إجمالي الناتج المحلي. وقد تسبب تطبيق قواعد جديدة على التمويل بهدف منع الفقاعة العقارية في العام الماضي في أزمات لشركات التطوير العقاري بعد سنوات من اعتمادها على الديون في تحقيق النمو.
ومنذ ذلك الوقت، انخفضت أسعار المنازل، وأصبحت البنوك أكثر تردداً في منح القروض، وصار المستثمرون أكثر تشككاً في أداء الشركات.
نتيجة ذلك عجزت نحو 15 شركة عن تغطية سندات ديونها في عام 2021، واستخدم ملاك شركات التنمية العقارية 3.8 مليار دولار على الأقل من أموالهم الخاصة للمساعدة في سداد الديون.
وتُرك مشترو المنازل يعانون حالة من عدم اليقين دون أن يعرفوا متى سينتهي العمل في الوحدات التي دفعوا فعلاً جزءاً من ثمنها.
انهيار الثروة
خفضت الأزمة ثروة أولئك الذين حققوا ثراءً أثناء سنوات الرواج، وأصبح مؤسس "إيفرغراند" هوي مثالاً واضحاً لأباطرة العقارات الذين سقطوا في البلاد.
هوي، الذي كان ذات يوم ثاني أغنى شخصية في آسيا بثروة بلغت 42 مليار دولار، انخفضت ثروته حالياً إلى 6.1 مليار دولار فقط بعد انهيار أسعار أسهم الوحدات التابعة لإمبراطوريته، وحثته الحكومة على استخدام ثروته الشخصية حتى يسدد أموال المستثمرين.
في وقتٍ سابق من الشهر الحالي، قال حاكم البنك المركزي الصيني إن أزمة "إيفرغراند" يجب معالجتها وفق آليات السوق، ملمحاً إلى أن بكين لن تنقذ أكبر شركة تنمية عقارية في العالم من حيث المديونية، إذ إنها تعاني في مواجهة التزامات تتجاوز 300 مليار دولار.
هذه الأزمة اكتسحت أيضاً واحدة من الشركات التي كانت تعتبر من بين أقوى اللاعبين في هذا القطاع، هي شركة "شيماو غروب هولدينغز". فانخفضت قيمة أسهمها وسنداتها بسبب القلق من أن تواجه أزمة سيولة، بينما أثارت صفقة بين اثنتين من الوحدات التابعة لها مخاوفاً تتعلق بمدى التزامها بمعايير حوكمة الشركات. ويعني ذلك بالنسبة لمؤسس الشركة هوي يونغ ماو، الذي بدأ استثماراته العقارية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، أن ثروته انخفضت إلى النصف هذا العام، بعد أن فقد 5.2 مليار دولار لتصبح ثروته 4.4 مليار دولار.
بعض أباطرة الصناعة خسروا حتى صفتهم كمليارديرات، إذ تدهورت ثروة عائلة كووك التي تقف وراء شركة "كايسا غروب هولدينغز"، وهي أحدى الشركات المتعثرة، بنسبة 90% تقريباً هذا العام إلى نحو 160 مليون دولار.
وشهد رئيس شركة "سينيك هولدينغز غروب" جانغ يوانلين خسارة قيمة حصته البالغة 75% من أسهم الشركة بكاملها تقريباً في يوم واحد فقط.
تقوم الحكومة حالياً بمضاعفة جهودها في دعم الاقتصاد ومواجهة أزمة العقارات، فخفض بنك الشعب الصيني متطلبات الاحتياطي الإلزامي عند البنوك في أوائل الشهر الجاري، ويتوقع الاقتصاديون أن تقدم الحكومة تحفيزاً مالياً في العام القادم.
غير أن أزمة شركات التطوير العقاري يرجح أن تؤدي إلى إعادة هيكلة ستكون أشد صعوبة من تلك التي شهدتها شركات مثل "إتش إن إيه غروب"، بحسب أنجيلا تشانغ، أستاذة في كلية القانون بجامعة هونغ كونغ. وأضافت: "من الصعب توقع موعد انحسار هذه الأزمة".