منذ وفاة والده قبل عقدين من الزمن، واجه تاجر الأعمال الفنية، الملياردير الفرنسي، غاي ويلدنشتاين، خصماً مألوفاً عند كل زاوية تقريباً.
قامت المحامية، كلود دومون بيغي، بملاحقته بإصرار بسبب اتهامات بأنه خدع زوجة أبيه سيلفيا، ليحرمها من الميراث. أثار هذا الخلاف تحقيقاً جنائياً اتُهم فيه ويلدنشتاين بأنه أخفى عن سلطات الضرائب في فرنسا امتلاكه لوحات فنية تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات، في صناديق ائتمان خارجية.
اقرأ أيضاً: الاستثمار في الأصول الفنية.. أرض مثيرة ومحفوفة بالمخاطر
كما تبيّن، فقد كان لدى دومون بيغي سرّ خاص بها. أخفت محامية الراحلة سيلفيا ويلدنشتاين منذ فترة طويلة حوالي 4.5 مليون يورو (5.1 مليون دولار) حصلت عليها من موكلتها في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في حساب غير معلن "إتش إس بي إس هولدينغز" (HSBC Holdings) في نيويورك. لكن السلطات الفرنسية اكتشفت ذلك في النهاية، ما أدى إلى إدانتها بتهمة الاحتيال الضريبي وغسيل الأموال في قضية تعرّضت فيها لانتقادات لاستخدامها لترتيبات في الجزر العذراء البريطانية لإخفاء الأصول.
اقرأ أيضاً: تقرير: أثرى أثرياء أمريكا يستخدمون صناديق خاصة لتجنب دفع الضرائب العقارية
إدانة المحامية
ظهر حكم الإدانة الذي لم يتم الإبلاغ عنه بعد، كجزء من محاولة دومون بيغي أمام محكمة عليا، للطعن في إدانتها، والتي كانت ناجحة جزئياً فقط. اقترح قضاة محكمة النقض في باريس هذا الشهر أن عقوبتها قد تحتاج إلى تخفيف. تعترف دومون بيغي ببعض السلبية لأنها كانت تواجه دراما شخصية، لكنها تنفي أي نية لإخفاء الأصول. وتقول إنها دفعت لسلطات الضرائب ما يتوجّب عليها.
تضيف الإدانة تطوراً مثيراً للسخرية إلى قصة ويلدنشتاين، إذ إن أكثر منتقدي العائلة صخباً متهمة بأمر ندّدت به طوال الوقت، ألا وهو التهرب الضريبي.
طوال سنوات، انتقدت دومون بيغي علناً عائلة ويلدنشتاين لحرمانها الزوجة الثانية لوالد غاي، دانيال من الميراث. وقالت لمجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ بعد فترة وجيزة من نشر كتابها الأول عن ويلدنشتاين في عام 2012، إن الاحتيال الضريبي، "يقضي" على الاقتصاد إذا لم يتم التعامل معه.
توّجت حملة دومون بيغي بمحاكمة جنائية في باريس حظيت باهتمام واسع في عام 2016، حيث ركّزت الإجراءات على الصناديق الائتمانية الخارجية التي أنشأها والده دانيال لإخفاء أعمال فنية تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار. أكدت عائلة ويلدنشتاين أن الأعمال الفنية لم تكن ملكاً قانونياً لدانيال، ولكنها تنتمي إلى عائدات الصناديق، ولا ينبغي احتسابها في ضرائب الممتلكات.
على مدى أسابيع من جلسات الاستماع، اتهم المدعون غاي بإساءة استخدام الصناديق الائتمانية وتحويلها إلى "حصالة"، وطالبوا بفرض غرامة قدرها 250 مليون يورو والحكم عليه بالسجن.
براءة غاي
حصل غاي على البراءة بشكل مذهل في أوائل عام 2017. وطعنت شركة "باركيه ناشيونال فاينانسير" (Parquet National Financier) ببراءته، لكن تاجر الأعمال الفنية فاز مرة أخرى عند الاستئناف.
لا تزال النتيجة النهائية للقضية غير مؤكدة، بعد أن أمرت المحكمة العليا في فرنسا بإعادة النظر في القضية في وقت سابق من هذا العام، وألمحت إلى أن طريق انتصار ويلدنشتاين سيكون أضيق بكثير. وعلى صعيد منفصل، خسرت عائلة ويلدنشتاين الجولة الأولى من معركتها المدنية ضد مسؤولي الضرائب، والتي تبلغ قيمتها مئات ملايين الدولارات.
سنعود بالزمن إلى الوراء إلى وفاة دانيال قبل عقدين من الزمن لنفهم كيف دخلت دومون بيغي في الصورة. عندما حان الوقت لتسوية ملكية والدهما، ادعى غاي وشقيقه بأن ثروته الصافية تبلغ 40.9 مليون يورو، وعرضوا دفع التكاليف بتقديم مجموعة من النقوش البارزة للنحات المفضل لدى ماري أنطوانيت. وافق مسؤولو الضرائب الفرنسيون غير مدركين لوجود الصناديق في عام 2002.
انقلاب الزوجة الثانية
بدا الأمر محسوماً إلى أن استعانت سيلفيا بخدمات دومون بيغي بعد سنوات قليلة وانقلبت على الأسرة. رفعت زوجة دانيال الثانية دعوى قضائية، مدعية أن أبناء زوجها أخبروها بأن الضرائب ستفلسها إذا لم تتنازل عن حقوقها العقارية. فازت بالجولة الرئيسية في عام 2005. لاحظت سلطات الضرائب الفرنسية ما يجري، وكذلك المحققون الجنائيون، ما تسبب في إطلاق مشكلات غاي القانونية.
في هذه الأثناء، وبعيداً عن أعين الجمهور، كانت قضية دومون بيغي الضريبية بمثابة رحلة سريعة ومتقلبة وصلت الآن إلى المحكمة العليا في فرنسا. يقول مسؤولو الضرائب إنها تهرّبت من دفع حوالي 150 ألف يورو من ضريبة الدخل وأكثر من 120 ألف يورو بقليل في ضريبة الثروة. كما أحضروا السلطات الجنائية التي أقامت دعوى ضدها.
وجدت محكمة جنائية في باريس أن دومون بيغي مذنبة في فبراير 2019 بتهمة الاحتيال الضريبي المشدّد وغسيل الأموال. تم تأكيد الحكم بالسجن لمدة 18 شهراً مع وقف التنفيذ عند الاستئناف بعد عام، لكنها حصلت على غرامة أكبر - 750 ألف يورو، بدلاً من 100 ألف يورو.
ثم انتقلت القضية إلى محكمة النقض، التي أبقت على إدانة غسل الأموال لكنها شككت في الظروف المشدّدة التي تنطبق على اتهامات قضاة الاستئناف بالاحتيال الضريبي. أشارت المحكمة العليا في حكم صدر في الأول من ديسمبر، إلى أن مثل هذه الظروف المشددة -وجود حساب أو هيكل متداخل في الخارج- تم تحديدها في القانون الفرنسي بعد الواقعة.
المحاكمة مستمرة
يشير الحكم إلى أن دومون بيغي ستتاح لها فرصة للدفاع عن عدم وجود ظروف مشددة ضدها فقط. ومع ذلك، أيدت المحكمة العليا عناصر عدة ضدها، مشيرة إلى أن شركتها الخارجية كانت "منشأة مصطنعة تهدف إلى التحايل على تطبيق قانون الضرائب الفرنسي"، وأن "الغرض الوحيد منها" هو إيجاد غطاء من التعتيم وإخفاؤها لحساب غير معلن في الولايات المتحدة.
تقول دومون بيغي إن محاميها يعتبر أن المحكمة الابتدائية، التي ستعيد النظر في القضية، لديها الحرية الكاملة لتقرير ما إذا كانت اتهامات الاحتيال الضريبي يجب أن تبقى قائمة.
في الوقت الحالي ، تجد دومون بيغي نفسها في القارب ذاته مع خصمها غاي ويلدنشتاين -في الجانب الخطأ من معركة مدنية وجنائية مع منفذي الضرائب الفرنسيين.