بعد تصدره أغلفة المجلات باعتباره أغنى رجل أعمال أمريكي في عام 1989، بدأ رونالد بيرلمان صنع اسم لنفسه كواحد من أكبر فاعلي الخير في البلاد أيضاً.
لكن قبل بضع سنوات، بدأت أكبر مؤسسة خاصة لعائلة بيرلمان - والتي تضم أصولاً بمئات الملايين من الدولارات، معظمها من والده - في إجراء سلسلة من الإفصاحات الصادمة في بيانات غامضة مقدمة للجهات التنظيمية، إذ شاركت في معاملات ائتمانية محظورة مع "شخص غير مؤهل"، أي شخص له علاقات مع المؤسسة.
ملياردير كوري جمع ثروة بـ8.9 مليار دولار ثم بدأ الانحدار.. ما قصته؟
تحركات مالية غامضة
والأدهى من ذلك، تُظهر البيانات المقدمة للجهات التنظيمية لتلك المؤسسة وغيرها التي تديرها عائلة بيرلمان، أنها أصبحت متشابكة بعدة طرق مع إمبراطورية أعمال رونالد بيرلمان، على الرغم من القوانين الفيدرالية التي تمنع - أو تحظر تماماً - مثل هذه الروابط.
وقبل خمس سنوات، اقترضت شركة يسيطر عليها بيرلمان 125 مليون دولار من مؤسسة عائلية لتمويل شراء أسهم "ريفلون"، أيضاً قامت المؤسسات العائلية بتأجير ممتلكات وأصول لشركة تعدين مملوكة لصندوق ائتماني يحمل اسم رونالد بيرلمان.
تضيف مثل هذه الروابط إلى التساؤلات المثارة حول التحركات المالية الدراماتيكية لرونالد بيرلمان خلال العام الماضي، فبعد الانخفاض الكبير في ثروته، راقبت وول ستريت الرجل البالغ من العمر 78 عاماً يبيع الكثير من إمبراطوريته، عارضاً حصصاً في شركاته وممتلكاته وطائرته ويخته الفاخر ومقتنياته الفنية للبيع في السوق، وهي مبيعات قال إنها تهدف إلى تبسيط حياته.
وخلال الصيف، أكدت جامعة برينستون أنها تخلت عن خططها لوضع اسم بيرلمان في كلية سكنية جديدة، وكان رونالد بيرلمان وابنته ديبرا، 48 عاماً، قد تعهدا بتقديم 65 مليون دولار لمساعدة الجامعة على التوسع، لكن وفقاً للكلية، لم تدفع مؤسسة الأسرة هذه المبالغ.
من مزارع الألبان إلى مليارديرات القهوة
ولا يُفترض أن تكون الشؤون المالية الشخصية لرونالد بيرلمان قد لعبت أي دور في هذا الفشل في الدفع. وتفاخر أحدث ملف ضريبي سنوي لأكبر مؤسسة للعائلة، والمعروفة باسم "بيرلمان فاميلي تشاريتابل تراست 1" (PFCT I)، بأصول بقيمة 407 ملايين دولار في نهاية عام 2019، فلماذا لم يتم الوفاء بالتعهد رفيع المستوى؟
لم يعلن بيرلمان السبب. ورفض محاميه الرد على الأسئلة المرسلة من "بلومبرغ" بشأن روابط المؤسسة بشركاته.
لكن الإقرارات الضريبية للمؤسسة تظهر أنها كانت مدينة بمبالغ كبيرة من المال، وهناك سطر معين أثار انتباه لويد ماير، الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة نوتردام الذي يركز على المنظمات غير الربحية والجمعيات الخيرية والذي قرأ الإقرارات.
في 2017 و2018 و2019، قالت المؤسسة إنها تشارك في معاملات ائتمانية مع "شخص غير مؤهل"، وأقرت بنفسها أنها انتهكت قانون الضرائب. وقال ماير: "لقد انتهكوا القانون.. وأقروا بذلك في الوثائق".
قال البروفيسور إن مثل هذا الإفصاح غالباً ما يؤدي إلى إجراء تدقيق تلقائي بواسطة دائرة الإيرادات الداخلية، وفي هذه الحالة فإن الانتهاك موثق في وثائق رسمياً، وعادة ما تكون العقوبة ضريبة غير مباشرة باهظة على المقترض.
قال مايكل ليمان، محامي بيرلمان، رداً على قائمة أسئلة من "بلومبرغ": "لقد امتثلت "PFCT I" وستواصل الامتثال لالتزاماتها تجاه دائرة الإيرادات الداخلية.. ليس لدى موكلي أي تعليق آخر".
“ريفلون" تستبدل "سيتي" كوكيل دين بعد خطأ بقيمة 900 مليون دولار
شكوك حول المؤسسات الخيرية
أصبحت كيفية استخدام المليارديرات لمؤسساتهم الخاصة مصدر قلق عام وسياسي متزايد في السنوات الماضية، وبينما يصبح البعض نشطاء أقوياء في العطاء الخيري، فإن نماذج الانتهاكات من قبل شخصيات بارزة، مثل الرئيس السابق دونالد ترمب، تقود النقاش في الكونغرس بقيادة الديمقراطيين حول ما إذا كان الأثرياء يتلاعبون بالنظام لصالح أنفسهم أو ليتجنبوا دفع حصتهم العادلة من الضرائب.
وتقوم المؤسسات الخاصة في الأساس على صفقة مع حكومة الولايات المتحدة: التبرعات لها معفاة من الضرائب، ومجموع الأموال معفي من الضرائب الإضافية أيضاً، لكن من المفترض أن تُستخدم الأموال في الأعمال الخيرية وليس لصالح مجموعة متنوعة من الأشخاص "غير المؤهلين"، بما في ذلك المؤسسين أو أحفادهم أو أي من منظماتهم.
وإذا ضُبطت مؤسسة تتعامل مع شخص غير مؤهل، يمكن أن تزيد العقوبات المفروضة على المستفيد في النهاية، وإذا سددوا الأموال سريعاً، سيواجهون ضريبة انتقائية بنسبة 10% على "المبلغ المعني" - والذي يقوم بالنسبة للقرض على مقدار الفائدة التي كان ينبغي عليهم دفعها، ولكن إذا ظل الدين مستحقاً لفترات ضريبية إضافية، فإن هذه الضريبة الانتقائية تقفز إلى 200%.
أيضاً تشترط القوانين الفيدرالية وقوانين الولايات على مديري المؤسسات أن يستثمروا بحكمة لتعظيم المبلغ المتاح للعطاء للحد الأقصى.
قرض صفري الفائدة
في نهاية عام 2019، كان أكبر أصل في "PFCT I"، تحت إشراف رونالد وديبرا بيرلمان، سند إذني بقيمة 133 مليون دولار أمريكي بفائدة 0%، ولم يتم ذكر اسم المقترض.
ولكن تشير البيانات الأخرى المقدمة للجهات التنظيمية إلى أن الدين مرتبط بتمويل بقيمة 125 مليون دولار تم تقديمه إلى شركة "بيرلمان" قبل خمس سنوات، ولم يقل محامي بيرلمان ما إذا كانت الديون هي نفسها صفقات الائتمان مع الشخص غير المؤهل.
وحصلت مؤسسة "بيرلمان فاميلي تشاريتابل تراست 1" على العديد من ممتلكاتها من مؤسسات عائلة بيرلمان الأقدم، ويمكن تتبع الكثير منها من خلال الإفصاحات التنظيمية واكتشاف أنها تعود إلى والد رونالد الراحل، ريموند بيرلمان، الذي كان ذات يوم أحد أشهر رجال الأعمال في فيلادلفيا، وله حصص في شركات الصلب والتعدين والتصنيع.
وساعد بيرلمان الأصغر في إدارة تلك الإمبراطورية لعقود من الزمن قبل أن يُحوِّل التركيز إلى مانهاتن ويصبح شخصية أساسية في صفقات وول ستريت رفيعة المستوى.
هذا التحول جعل من رونالد بيرلمان أحد أبرز الممولين في البلاد. ومن خلال الشراكة مع آلية الاستحواذ "دريكسل بيرنهام" (Drexel Burnham) التابعة لمايكل ميلكن، انخرط في سلسلة من معارك الاستحواذ رفيعة المستوى وفاز بالسيطرة على شركات معروفة، مثل "ريفلون"، التي تديرها الآن ديبرا، بالإضافة إلى حصص في "مارفل" و"نيو وورلد إنترتينمنت".
وفي عام 1989، أطلق عليه لقب أغنى رجل في الولايات المتحدة في قصة غلاف نشرتها مجلة "انستيتيوشنال إنفستور".
حياة صاخبة
كانت صورة بيرلمان في تلك الحقبة شبيهة بصورة ترمب، فكلاهما سليل رجال أعمال ناجحين، ولكن على عكس أسلافهما أصبحا تجسيداً رائعاً للمبالغات في ثمانينيات القرن الماضي، وامتلأت الصحف الشعبية بقصص بيرلمان، ونشرت صوراً له مع عارضات الأزياء وكتبت عن تقلبات زيجاته، ومثل ترمب، سينتهي الأمر ببعض شركات بيرلمان إلى المعاناة من الديون المتراكمة.
وفي أوائل عام 2000، كانت "مارفل" تختبر الإفلاس، وكانت "ريفلون" تترنح بديون مستحقة تقترب من ملياري دولار أمريكي، وبحلول عام 2003، اضطر رونالد للتدخل بوعد نقدي من شركته القابضة "ماك أندروز أند فوربس" للحيلولة دون تخلف "ريفلون" عن السداد.
وحينها من وراء الكواليس، كان ريموند يصب الأموال في الأوراق المالية لشركة "ريفلون"، وتُظهر الإقرارات الضريبية من قبل مؤسساته أنها بدأت في أواخر التسعينيات في جمع الملايين من أسهمها.
وبحلول عام 2003 قاموا أيضاً بشراء سندات "ريفلون" عندما خفَّضت وكالة "موديز" تصنيفها الائتماني إلى "C"، وهو أدنى تصنيف لدى شركة التصنيف الائتماني.
كانت المؤسسات مجرد جزء من انخراط ريموند، وإجمالا، تُظهر البيانات التنظيمية أن ريموند بيرلمان كان يسيطر على ما لا يقل عن 10 كيانات استثمرت في أسهم أو ديون شركة "ريفلون"، بما في ذلك خطة معاشات تقاعدية للشركة حيث شغل منصب الأمين.
صفقة "ريفلون"
توج ارتباط ريموند بـ"ريفلون" بصفقة ضخمة في عام 2016، عندما كان عمره 98 عاماً، وبحلول ذلك الوقت، امتلكت مؤسسته حوالي 4.5 مليون سهم من "ريفلون"، بما يعادل 7% من أسهم صانعة مستحضرات التجميل.
وفي أغسطس من ذلك العام، باعت الأسهم لـ"بيرلمان تراست كو"، التي كانت تحت سيطرة شركة رونالد بيرلمان، "ماك آندروز أند فوربس"، مقابل 136 مليون دولار، وهو ما مثّل خصماً بنسبة 15% تقريباً من قيمتها السوقية في ذلك الوقت.
ولدفع ثمنها، وافقت شركة رونالد بيرلمان على دفع 10.9 مليون دولار نقداً و125 مليون دولار كأذون، وتم ضمان الأذون، بدورها، بواسطة أسهم "ريفلون"، التي فقدت منذ ذلك الحين أكثر من ثلثي قيمتها.
قال ماير إن صفقة عام 2016 تبدو وكأنها فعل من أفعال التعامل الذاتي، لأن ريموند بيرلمان كان أمين المؤسسات، ولم يكن يتعين عليه أن يبيع أسهماً لشركة يسيطر عليها ابنه.
وقال الأستاذ الجامعي إن حقيقة أن الصفقة تمت للحصول على قرض بدلاً من النقدية يمكن أن تجعلها إشكالية بشكلٍ خاص.
نقل الأصول لمؤسسات أخرى
وفقدت هذه المؤسسات بعد ذلك بوقت قريب حالة الإعفاء من الضرائب بعد الفشل في تقديم بياناتها السنوية إلى دائرة الإيرادات الداخلية، وبعد ثلاث سنوات توفي ريموند.
في عام 2017، قامت هذه المؤسسات بنقل أصول بقيمة 292 مليون دولار إلى مؤسستين أخريين: "PFCT I" وصندوق ائتماني آخر تابع لبيرلمان، والذي نقل أصوله لاحقاً إلى "PFCT I" أيضاً، ولا تحدد البيانات العامة الأصول التي يتم نقلها، ولكن في عام 2017 أبلغت هاتان المؤسستان عن امتلاكهما لرصيد قائم من الديون مجتمعتين بقيمة 127.2 مليون دولار.
وهناك علامات أخرى على أن مؤسسة "PFCT I" أصبحت في النهاية هي المُقرض، وأشارت مؤسسات ريموند التي قدمت القرض بقيمة 125 مليون دولار في ذلك الوقت إلى أن لديهم التزامات على أصول "بيرلمان ترست كو" في بيان مقدم للجهات المختصة في ولاية ديلاوير، وتم نقل الالتزام لاحقاً إلى "PFCT I".
تأجير عقارات المؤسسات لشركة تابعة
وكانت وحدة أخرى من إمبراطورية رونالد بيرلمان تدين بأموالٍ لـ"PFCT I".
على مدى عقود، كسبت مؤسستا "رايموند" و"PFCT I" مئات الملايين من الدولارات من إيجار الممتلكات والمعدات التي يمتلكونها - بعضها مُصنَّف في البيانات على أنه لـ"ديكالايت"- وقال مصدر مطلع إن ذلك يشير إلى المستأجرة "ديكالايت مانجمنت غروب"، وهي شركة معادن مملوكة لريموند بيرلمان، وتظهر البيانات المقدمة للجهات التنظيمية في 2020 أن "ديكالايت" انتهى بها الأمر لاحقاً في صندوق ائتمان يحمل اسم رونالد بيرلمان.
وقال ماير إن دائرة الإيرادات الداخلية تمنع عموماً المؤسسات من تأجير العقارات لشخص غير مؤهل، حتى لو دفعوا القيمة السوقية العادلة، ولا تذكر البيانات من قبل "PFCT1" أي عقود إيجار مع شخص غير مؤهل.
والأدهى هو أن المؤسسات نادراً ما كانت تُحصِّل الإيجار، وبدلاً من ذلك، سجلوا أرصدة متزايدة من الحسابات المدينة والتي زادت بمقدار الإيجارات التي ادعوا أنهم حصلوا عليها، وفي عام 2019، قالت مؤسسة "PFCT I" إن الحسابات المدينة وصلت إلى 35 مليون دولار.
قال بريان ميتندورف، أستاذ المحاسبة بجامعة ولاية أوهايو والذي يتابع المنظمات غير الربحية، إن هذا يثير أسئلة إضافية، "لماذا لا تحصل على هذه المدفوعات؟.. ولماذا لا يزال لديك مستأجر إذا لم يدفع لك؟".
في مرحلة ما، قد يصل الأمر إلى حد قرض للمستأجر أو حتى هدية فعلية، ما يسمح لهم بالاحتفاظ بالمال الذي من المفترض أن يذهب للأعمال الخيرية، على حد قوله.
ورفض ليمان التعليق على الأسئلة المتعلقة بـ"ديكالايت".
انخفاض كبير في الثروة
تقلصت ثروة بيرلمان بشكلٍ كبير في السنوات الماضية ويُقدِّر مؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات أن صافي ثروته انخفض بأكثر من ثلاثة أرباع العام الماضي من أكثر من 19 مليار دولار في أوائل عام 2018.
وأدى التغير في أذواق المستهلكين في التأثير سلباً على ممتلكاته منذ وقت طويل مثل "ريفلون" التي اشتراها مقابل 1.74 مليار دولار في عام 1985 وما زال يسيطر عليها، وتبلغ القيمة السوقية للشركة حالياً حوالي 560 مليون دولار، وتسارعت مبيعات أصوله العام الماضي، وأفادت "بلومبرغ" أن عمليات بيع الأصول ساعدته في سداد القروض المصرفية.
على مدى عقود، ضخ رونالد وريموند مئات الملايين في الأعمال الخيرية، ودعم رونالد أبحاث السرطان، ومستشفيات مدينة نيويورك والمؤسسات التعليمية، بينما قدم ريموند منحاً إلى جامعة بنسلفانيا ومتحف فيلادلفيا للفنون.
في عام 2013، تعهد رونالد بيرلمان بتقديم 100 مليون دولار لمساعدة كلية كولومبيا للأعمال على التوسع، وهو رقم يعادل تبرع هنري كرافيس القياسي في ذلك الوقت للجامعة، وأعربت الكلية عن امتنانها، وقالت إنها ستُسمِّي مبنى جديداً في حرمها في مانهاتن فيل باسم مركز رونالد أو بيرلمان للابتكار التجاري.
لكن تم التخلي عن هذه الخطة أيضاً، وفي أبريل من العام الجاري، قالت جامعة كولومبيا إن بيرلمان سيؤسس صندوقاً دائماً للمنح الدراسية بدلاً من المساعدة ولم تحدد المبلغ الذي سيمنحه.