انتقل تايهي كوباياشي من متشرِّدٍ يفترش شوارع طوكيو إلى رئاسة شركة تقنية ناشئة تجاوزت قيمتها السوقيَّة مليار دولار.
ويُعدُّ انتقال كوباياشي من الفقر إلى الثراء من بين أكثر القصص المثيرة التي برزت مؤخَّراً بفضل قفزة أسهم الشركات الصغيرة التي تصنع الثروات في اليابان. إذ جرى طرح شركة كوباياشي، التي تساعد الشركات الناشئة والشركات الأخرى على تصميم وإنشاء أعمال ومنتجات جديدة، للاكتتاب العام في يوليو وتضاعفت أسهمها أكثر من ثلاث مرَّات منذ ذلك الحين.
إنها نتيجة لم يكن يتصورها سوى قلَّة قبل عِقدين من الزمن. إذ يفصح كوباياشي أنَّ والداه طرداه في سن 17 عندما ترك مدرسة ثانوية مرموقة للتركيز على فرقته الموسيقية. فكان يعزف الموسيقى أثناء النهار، وينام في الغالب في الهواء الطلق، مستخدماً الصناديق الكرتونية للتدفئة خلال ليالي الشتاء القارصة. وكان بلا مأوى مدَّة عام ونصف، قبل أن يغادر الشوارع ويعمل مهندس برمجيات.
من "الجحيم" إلى النجاح
كان كوباياشي أحد الأعضاء الرئيسيين في تأسيس "فرامجيا Framgia"، الشركة التي سبقت الشركة المعروفة الآن باسم "صن Sun"، وكان اسمها "صن استريسك Sun Asterisk"، وتأسست في فيتنام عام 2012. وهو الآن الرئيس التنفيذي لشركة "صن".
وعن تجربته في الشوراع، يقول كوباياشي (37 سنة): "كان الشتاء بارداً , وكانت هناك أوقات شعرت فيها كأنَّ الحياة قطعة من الجحيم. لكني تغلبت على تلك الأوقات".
ويشير إلى أنَّ والداه لم يوافقا على قراره بالانقطاع عن المدرسة الثانوية، لأنَّهما وضعا خطَّة مالية تتيح له تلقي التعليم الجامعي. ويتابع: "طلبا مني أن أغادر المنزل، فغادرت، وهكذا كان.. أردت أن أعيش حياتي، وأفعل ما استمتع به". ولم تنجح محاولات الاتصال بوالديَّ كوباياشي للاطلاع على قصتهم.
وانتهى الأمر بكوباياشي بقضاء اثنين من فصول الشتاء في شوارع حيي شينجوكو وشيبويا في طوكيو. ويقول:"كان الموت يرفرف من حولي، فقد كنت أنام في أيِّ مكان.. كنت أقضي حوالي 80% من الوقت في مكان ما بالعراء".
ويتذكَّر يوشي فوكاجاوا، وهو صديق مقرَّب منذ أيام كوباياشي المدرسية ويعمل حالياً في "صن"، الوقت الذي كان رائد الأعمال الحالي بلا مأوى، قائلاً: "حينها لم أفكر كثيراً في ذلك.. لكن والديَّ بدا عليهما القلق".
وفي الـ19 من العمر، أشفق مدير نادٍ للموسيقى على كوباياشي، وعرض عليه وظيفة، فعمل في النادي لمدة ست سنوات تقريباً.
وفي النهاية، قرَّر كوباياشي أنَّ الوقت قد حان للمضي قُدماً. وفي بادئ الأمر، جمع بعض الأموال من بيع التسجيلات الموسيقية عبر الإنترنت. وصادف إعلاناً عن وظيفة لا تتطَّلب أي مؤهلات أو خبرة، الأمر كله يقتصر على خوض اختبار.
واختبر الامتحان ومدته ست ساعات المتقدِّمين في مجالات تشمل المهارات الرياضية ،والتفكير المنطقي، ومعدل الذكاء. واجتاز كوباياشي الامتحان وبدأ العمل في الشركة التي دربته ليصبح مهندس برمجيات.
الإدراج في "أمهات" السوق
سنحت الظروف لـ كوباياشي أن يقابل ماكوتو هيراي، أحد مؤسسي شركة "صن". واتفق الاثنان على أنَّ هناك العديد من مهندسي البرمجيات البارعين في البرمجة، لكن القليل منهم يستطيع استخدام تلك المهارات للتوصل إلى نماذج أعمال عمليَذة. وقررا إنشاء شركة لسدِّ الفجوة.
وانتقل كوباياشي إلى فيتنام عام 2012 لتعيين موظفين من مجموعة المهندسين الشباب في البلاد. وفي مارس 2013، قام الأعضاء المؤسِّسون بتأسيس شركة "فرامجيا" في اليابان، التي تغيَّر اسمها إلى "صن" عام 2019.
وكانت الفكرة هي توفير المهندسين لمساعدة الشركات اليابانية الناشئة التي كانت تكافح من أجل بناء أنشطة قابلة للاستمرار. ويوضح كوباياشي: "كان موقفنا هو أن نلزم أنفسنا بتطوير تلك الشركات الناشئة، بغض النظر عن الخسارة أو الربح". ومع مضي الوقت، نمت أعمال "صن"، وأصبح لديها الآن أكثر من 70 عميلاً.
وجرى إدراج الشركة في قسم "الأمهات" المعني بالشركات الناشئة ببورصة طوكيو في يوليو. وارتفعت أسهمها ستة أضعاف تقريباً لتصل إلى أعلى مستوىً لها في سبتمبر، لتتجاوز قيمتها السوقية 1.4 مليار دولار.
وانخفضت أسهم "صن" منذ ذلك الحين بنسبة 37%، لتنخفض القيمة السوقيَّة للشركة إلى ما دون المليار دولار. وتناهز قيمة حصة كوباياشي البالغة 7.9% حوالي 74 مليون دولار.
وسجَّلت "صن" صافي ربح بلغ 649 مليون ين (6.2 مليون دولار) وعائداتٍ بلغت 3.97 مليار ين للأشهر التسعة الأولى من 2020.
هيكل الشركة
يُشير ميتسوشيجي أكينو، كبير المسؤولين التنفيذيين في شركة "إيتشيوشي" لإدارة الأصول إلى أنَّ هناك طلباً جيداً على خدمات الشركة، لكن المبيعات والأرباح لا تزال منخفضة وقد تكون المنافسة شديدة. مضيفاً: "قد تكون الأمور صعبة.. علينا أن نرى ما إذا كانت الشركة قادرة على الحفاظ على وتيرة نموها. هذا ينطبق بشكل خاص على عائداتها، المحدودة حتى الآن".
ويكشف كوباياشي، الذي عاد إلى اليابان من فيتنام عام 2019، أنَّ الشركة تستقطب أعمالاً من الشركات الكبرى، بما في ذلك تلك المدرجة في مؤشِّر الأسهم الممتازة في مؤشٍّر نيكي 225. ومن بين عملائها شركة "سوفت بنك SoftBank"؛ وفقاً لموقع "صن" الإلكتروني.
ويؤكد كوباياشي: "نريد أن نكون جادين في تقديم خدماتنا للشركات الكبرى.. هذا هو سبب وجودنا، وطرحنا في البورصة". موضحاً أنَّ "صن" تسعى لزيادة أرباحها بنسبة 20% إلى 30% سنوياً على الأقل، كما ضاعفت عدد موظفيها بمقرها في طوكيو إلى حوالي 130 شخصاً خلال العام الحالي. علماً أنَّ فيتنام لا يزال يوجد فيها أكبر مكتب للشركة، ويعمل به حوالي 1300 موظف.
و"صن" واحدة من العديد من الشركات المدرجة في قسم "الأمهات" ببورصة طوكيو التي ارتفعت أسهمها خلال العام الحالي، إذ راهن المستثمرون على شركات التكنولوجيا وسط تفشي وباء كوورنا. وارتفع سهم الشركة الناشئة إلى أعلى مستوىً له خلال 14 عاماً في أكتوبر قبل أن يفقد بعض مكاسبه.
ولكن على الرغم من تضاعفها أكثر من ثلاث مرَّات؛ فإنَّ "صن" ليست حتى ضمن أفضل 10 أسهم من ناحية الأداء خلال العام الحالي. ويجري تداول أسهم الشركة بسعر يقارب 200 مرَّة مكرر الأرباح، وحوالي 20 ضعف القيمة الدفترية.
ويصرِّح تومويشيرو كوبوتا، محلِّل السوق البارز في شركة "ماتسوي" للأوراق المالية بطوكيو، بأنَّ سهم "صن" يمكن تسميته بالسهم الصاعد والقوي، مشيراً إلى مضاعف ربحية السهم "المرتفعة للغاية" الذي "سيتأثر بمدَّة استمرار الاتجاه الإيجابي لمؤشِّر قسم "الأمهات" في بورصة طوكيو للأوراق المالية للشركات الناشئة".
ويُفصح كوباياشي أنَّه على دراية بالمخاطر لكنه لا يخاف منها، مضيفاً أنَّه واجه تحديات أكثر صعوبة من قبل. ويشير إلى أنَّه عاد لأحضان والديه مجدداً، وأنَّ الوقت الذي أمضاه في الشوارع أصبح مجرد ذكرى بعيدة. مُعلناً أنَّ ما يريد أن يفعله الآن هو"مواصلة العمل لتحقيق رؤية شركتنا".