لا يستمتع أثرياء الصين بالنوم جيداً هذه الأيام، في ظل حملة الرئيس شي جين بينغ لإعادة توزيع مكاسب الدخل، إذ يتخذ الأثرياء مواقف دفاعية يقومون من خلالها بحذف ملفات التعريف الخاصة بهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وينقلون الأموال استعداداً للحملة التالية.
تحوَّلت طبقة الأثرياء إلى التركيز على حماية ثرواتها، بعدما استفادت لسنوات من النمو الاقتصادي القوي، والموقف الرسمي المتراخي تجاه الثروات الشخصية، فقد شهدت الصين خلال العام 2021 ظهور ملياردير جديد كل أسبوع، ليصل العدد الإجمالي إلى أكثر من 750 ملياردير، متفوقة في ذلك على الهند، وروسيا، وألمانيا مجتمعة، وهي أقل بقليل من 830 مليارديراً في الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات "مؤشر بلومبرغ للمليارديرات".
لكنَّ الوضع العام قد تغير؛ فعلى الرغم من تأكيد المسؤولين على أنَّ حملة "الرخاء المشترك" لايكمن هدفها في "سرقة الأثرياء"، إلا أنَّ مديري الثروات يؤكِّدون أنَّ الضغوط من أجل تضييق فجوة الثروة في الصين، تزعج طبقة الأغنياء في البلاد.
اقرأ أيضاً: تخفيف حدة الحملات الحكومية يعيد التفاؤل بشأن الأسواق الصينية
من بين أمور عديدة تشكِّل مصدر قلق كبير للأثرياء؛ هناك حالة عدم اليقين بشأن آلية تنفيذ الرسائل الحكومية، وإلى أين ستذهب بعد ذلك؟. فحتى الآن، فرضت بكين قيوداً على مجموعة من القطاعات والأعمال، ودفعت عدداً كبيراً نحو الأعمال الخيرية (التي تعتبرها شكلاً آخر من أشكال إعادة توزيع الثروة). كما أعلنت الحكومة عن دراستها فرض ضريبة جديدة على الممتلكات.
قال إيكو تشاو، الشريك ومقدِّم الاستشارات للأثرياء في "شانغهاي إس إف للخدمات القانونية": "قبل بضع سنوات، كان الناس مهتمين فقط بكيفية الاستثمار". الآن فقدوا شهية المخاطرة.
اقرأ المزيد: الصين بصدد فرض ضرائب على مالكي العقارات السكنية
في دليل على زيادة التوتر، طلب جميع المستشارين الماليين الذين تحدَّثوا مع بلومبرغ في ذلك الشأن، عدم الكشف عن هويتهم بسبب الحساسية الشديدة للموضوع.
محرك خفي
يقول مديرو الثروات، إنَّ الخطوة الأولى ببساطة من أجل محاولة تجنُّب لفت الأنظار، تكون على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تمَّ توظيف جيش من مستخدمي الإنترنت خلال العام الماضي، لإعادة نشر منشورات قديمة تمَّ نشرها قبل سنوات على وسائل التواصل الاجتماعي، من قبل مشاهير أو علماء أو أي شخص ينظر إليه على أنَّه غير موال للصين، وذلك بهدف مهاجمتهم. وغالباً ما يتم تشجيع تلك الحشود من مؤسسات حكومية، وإن لم يكن ذلك بشكل معلن.
خسر وانغ شينغ مؤسس شركة "ميتوان" (Meituan) لخدمات توصيل الطعام 2.5 مليار دولار بعد تداول منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي، وتفسيره على أنَّه يتضمن نقداً للحكومة. كما خضعت الممثلة تشنغ شوانغ للتحقيق بتهمة التهرب الضريبي، و تمَّ الحكم عليها بدفع 299 مليون يوان (46 مليون دولار) بعد انتشار فضيحة تأجير الأرحام على وسائل التواصل الاجتماعي.
قال أحد مستشاري الثروة في هونغ كونغ، إنَّ العملاء الصينيين متوترون، ويبتعدون بشكل متزايد عن وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك منصة "ويبو" التي تشبه "تويتر". كما يرفضون المقابلات الإعلامية، ويخفون المساهمات الخيرية لشركاتهم كي يبقوا بعيدين عن الأنظار.
نقل الأموال
لم يكن من المعتاد حتى وقت قريب أن يعرف أثرياء الصين الوزن الدقيق بالكيلوغرام لمليون يوان مقابل دولار هونغ كونغ، الذي يمثِّل الممارسة الشائعة لنقل الأموال عبر الحدود. تفرض الدولة قواعد صارمة تقيِّد المواطنين بامتلاك ما يعادل 50 ألف دولار من العملات الأجنبية سنوياً. لذلك سعى أثرياء البلاد منذ فترة طويلة إلى الالتفاف على تلك القواعد من خلال امتلاك أصول في الخارج.
لكن الأمر ازداد صعوبة في ظل القواعد الجديدة، وتداعيات وباء كوفيد-19، إذ أدت سياسات إغلاق الحدود، والحجر الصحي إلى الحد من فرص مغادرة الصين بحقيبة مليئة بالنقود أو حتى من دونها. كما جرَّمت بكين تداول الصينيين للعملات المشفَّرة التي أصبحت وسيلة شائعة مؤخراً لنقل الأموال إلى الخارج.
أدت تلك القيود إلى زيادة الطلب على الصرافة السرية، برغم ما تفرضه من تكلفة مضاعفة. ويقول المصرفيون العاملون في هذا النوع من الصرافة، إنَّ بعض العملاء يتذمَّرون من دفع عمولات تصل إلى 20% مقارنة بأرقام فردية قبل عام.
أما من يريد القيام بذلك بنفسه، فتكون التحويلات من شخص إلى آخر، إذ لا يتم تحويل الأموال إلكترونياً عبر الحدود. وعادة ما يتم تسهيل ذلك بين شبكة من شركاء الأعمال، إذ يقوم شخص بإجراء تحويل محلي إلى شخص داخل الصين، والذي يقوم بعد ذلك بتحويل مبلغ معادل من المال من حسابه الخارجي إلى الحساب الخارجي للشخص الأول.
الثقة في الصناديق الاستئمانية
يقول أحد كبار المصرفيين في مؤسسات القطاع الخاص، إنَّ الصين لا تفرض في الوقت الحالي ضرائب على الميراث، لكنَّ الأثرياء يخشون أنَّ الأمر لا يعدو كونه مسألة وقت.
يثير ذلك القلق اهتمام الأسر الثرية التي تسعى إلى الصناديق العائلية، وبناء الوسائل التي تسهل تصنيف الثروة ونقلها، وفصل الأصول وحمايتها. ومنذ تأسيس ذلك النوع من الصناديق منذ ما يقرب من عقد من الزمان؛ بلغت أصول الصناديق الائتمانية أكثر من 10 تريليونات يوان (1.6 تريليون دولار) بحلول نهاية العام الجاري، وفقاً لتقديرات بنك التجار الصيني (China Merchants Bank).
أشار مدير أحد الصناديق في بكين إلى أنَّ حجم الحماية التي تقدِّمها الصناديق الائتمانية غير واضح، لأنَّها جديدة جداً، إذ تتمُّ مطالبة العملاء بالاحتفاظ بأقل قدر ممكن من السيطرة على أي أصول في الصندوق، من أجل تعزيز مطالبات الحماية الخاصة بهم. وقد يكون ذلك صعباً على رواد الأعمال، خصوصاً إذا تضمنت الأصول أسهماً.
يقول بيتر تشانغ الذي يقود شركة "كونيرز" (Conyers) للمحاماة، والمتخصصة في توفير أنشطة الصناديق الائتمانية للعملاء الآسيويين، إنَّه نظراً إلى حالة عدم اليقين بشأن الخيارات المحلية المتاحة، كان هناك "اهتمام كبير إلى حدٍّ ما" بالصناديق الاتئمانية في الخارج. وتحظى جزر الكايمان، وبرمودا، وجزر العذراء البريطانية، وغيرها من الأماكن التي تحمي الأصول المالية من التحديات القانونية الأجنبية، بشعبية في هذا المجال.
تنويع المقتنيات
يقول أدريان زويرشر، رئيس قسم توزيع الأصول العالمية في مكتب الاستثمار الرئيسي لإدارة الثروات في "يو بي إس" (UBS)، إنَّ حملة "الرخاء المشترك"، تسبَّبت بحالة من عدم اليقين لدى المستثمرين المحليين. وأضاف رويرشر: "نتوخى الحذر في المجالات الأقل استراتيجية، وننصح العملاء بالتركيز على الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية كمجالات تستفيد من تركيز السياسة على الابتكار والتكنولوجيا الخضراء".
كما يدفع المستشارون العملاء الصينيين نحو زيادة استثماراتهم الدولية، إذ يركِّز العديد من الصينيين استثماراتهم بشكل مفرط في الشركات المحلية، شأنهم كغيرهم في أي مكان آخر.
تمثِّل البورصات الصينية نحو 10% من القيمة السوقية لأسواق الأسهم العالمية، ويقدِّر أحد البنوك الخاصة العالمية أنَّ عملاءه الصينيين "يمتلكون ما بين 30 - 50% من أصولهم في أسواقهم المحلية".
يمكن النظر إلى الاستثمار في الخارج على أنَّه تحوُّط ضد الصدمات الاقتصادية المحلية أو الاضطرابات المستمرة في سوق العقارات الصينية، التي تشكِّل نحو 70% من صافي ثروة الأسر التي تعيش في المناطق الحضرية.