عندما ابتعد داستن موسكوفيتز عن شركة "فيسبوك" بعد أربعة أعوام من مشاركته في تأسيسها، كان الشاب البالغ من العمر 24 عاماً حينها، يملك جزءاً من عملاق وسائل التواصل الاجتماعي، تعادل قيمته اليوم 18 مليار دولار تقريباً.
والآن، أصبح لدى موسكوفيتز مصدر آخر للثروة ينافس المصدر الأول، فقد ظلَّ يكدِّس أسهماً في شركة "أسانا" (Asana)، وهي شركة إدارة المهام التي ترك "فيسبوك" من أجل تأسيسها. وقد ارتفعت أسهم "أسانا" بأكثر من 250% منذ منتصف مايو، مما زاد ثروة موسكوفيتز بنحو 8 مليارات دولار تقريباً، بحسب مؤشر بلومبرغ للمليارديرات.
اقرأ أيضاً: ملياردير كوّن ثروته من مراكز التسوق المتعثرة.. ما القصة؟
تعدُّ هذه الشركة التي أنشأها موسكوفيتز، برهاناً على قدرة "فيسبوك" على خلق ثروات جديدة. وعلى المنوال نفسه، استخدم شريك مؤسس آخر، وهو إدواردو سافرين، جزءاً من أرباحه لإنشاء شركة رأس المال الاستثماري "بي كابيتال غروب" (B Capital Group) التي أبلغت عن أصول تقدَّر بنحو 1.8 مليار دولار.
بدأ موسكوفيتز، الذي بلغ 37 عاماً في مايو، في شراء الأسهم الإضافية الخاصة بشركة "أسانا" في يونيو. وبالتالي؛ ارتفعت حصته بأكثر من الثلث لتصل إلى 76.6 مليون سهم بحلول نهاية سبتمبر. والآن أصبحت ثروته تبلغ 26 مليار دولار، ليصبح بذلك رابع أغنى شخص تحت سنِّ الأربعين على مستوى العالم ضمن قائمة بلومبرغ للمليارديرات.
يتصدَّر مارك زوكربيرغ القائمة، فقد أسهمت ملكيته لنسبة 15% من "فيسبوك" في جعله رابع أغنى شخص في العالم بثروة تقدَّر بنحو 126.5 مليار دولار.
رفض المتحدِّث باسم "أسانا" التعليق على الأمر نيابة عن موسكوفيتز.
اقرأ المزيد: "فيسبوك" ملك وسائل التواصل الاجتماعي أمام تحديات مقلقة للمستثمرين
رفقاء السكن في هارفارد
في عام 2004، شارك موسكوفيتز في إنشاء شركة "فيسبوك" من الغرفة التي كان يتشاركها مع زوكربيرغ أثناء دراستهما في جامعة هارفارد. وبعد انتقالهما إلى وادي السيليكون؛ أصبح موسكوفيتز أوَّل مسؤول تقني في "فيسبوك"، ثم نائب رئيس قسم الهندسة في وقت لاحق.
مع نمو الشركة، بدأ موسكوفيتز وزميله -جاستن روزنشتاين، الذي يُعرف بكونه منشئ زر الإعجاب "لايك" (Like)- في بناء أدوات إدارة المهام لمساعدة موظفي "فيسبوك" على قضاء وقت أقل في العمل، ثم غادر الثنائي "فيسبوك" في عام 2008 لمنح مشروعهما الجديد اهتمامهما الكامل.
أصبحت "أسانا"- التي تسمح للمستخدمين بفحص التقدُّم الذي أحرزه الموظفون الآخرون، أو ترك التعليقات، أو إضافة مهام جديدة- شركة يونيكورن في عام 2018 بتقييم يتجاوز المليار دولار. كما طُرحت للاكتتاب العام في سبتمبر 2020، بقيمة سوقية تبلغ 5.5 مليار دولار، في حين شغل موسكوفيتز منصب الرئيس التنفيذي للشركة آنذاك.
يقول أمين بن سعيد، المحلل لدى "بلومبرغ إنتليجنس"، إنَّ "الشركة تنتج برامج من شأنها تعزيز إنتاجية العمال، وقد شهدت زخماً كبيراً بين عملاء المؤسسة في عصر العمل من أيِّ مكان".
غادر موسكوفيتز "فيسبوك" في عام 2008، وهو على علاقة طيبة بزملائه هناك، قائلاً إنَّه "سيفتقد (فيسبوك) إلى الأبد".
لكن لم يكن الوضع مماثلاً مع شريكهم سافرين، الذي قام بتسوية نزاع قانوني مع "فيسبوك" في عام 2009 بشأن تخفيف حصته في الشركة بعد انخراط مستثمرين جدد. وهذه التسوية منحت سافرين حيازةً غير معلنة في الشركة، والحق في إدراجه كمؤسس مشارك على موقع "فيسبوك".
التمويل الأولي
يُذكر أنَّ الثروات التي حاز عليها سافرين من "فيسبوك"- التي تبلغ الآن نحو 18 مليار دولار وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات- أتاحت له إمكانية توفير بعض رأس المال الأولي لشركة"بي كابيتال غروب" التي شارك في تأسيسها في عام 2015، التي تركِّز على شركات التكنولوجيا القادرة على رقمنة الصناعات الكبيرة. ومع ذلك؛ فإنَّها ما تزال مملوكة بشكل وثيق من قبل عدد قليل من المساهمين، وتشكِّل جزءاً ضئيلاً من صافي ثروة مؤسسها، وذلك على عكس شركة "أسانا".
سافرين، البالغ من العمر 39 عاماً، يعيش في سنغافورة منذ عام 2009، وتخلَّى عن جنسيته الأمريكية قبل عقد من الزمن، أي قبل الطرح العام الأولي لـ"فيسبوك"، وربما يكون هذا القرار قد منحه إعفاءً ضريبياً بقيمة عشرات الملايين من الدولارات.
لم يكن لدى المتحدِّث باسم سافرين أي تعليق فوري على الأمر.
كذلك، كريس هيوز، البالغ من العمر 37 عاماً، شارك موسكوفيتز، و زوكربيرغ غرفتهما في جامعة هارفارد، فضلاً عن أنَّه المؤسس المشارك الرابع لـ"فيسبوك"، لكنَّه سلك مساراً آخر عندما غادر الشركة. فقد استخدم ثروته التي جناها من "فيسبوك" في محاولة تغيير لمسار مجلة "نيو ريبابليك" (New Republic) -وهو مشروع انتهى على نحو مأساوي- فضلاً عن أنَّه شارك في تأسيس مشروع الأمن الاقتصادي غير الربحي (Economic Security Project) الذي يدعم أنظمة أقوى لمكافحة الاحتكار، بالإضافة إلى دخلٍ مضمون لجميع الأمريكيين.
من المفارقات أنَّ هيوز دعا إلى تفكيك "فيسبوك"في مقال رأي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في عام 2019.
السندات الإذنية
في الأشهر التي سبقت إدراجها المباشر في سبتمبر 2020، أقرض موسكوفيتز شركة "أسانا" ما يصل إلى 450 مليون دولار، وفي المقابل أعطته الشركة، التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرّاً لها، سندات إذنية قابلة للتحويل، إذ يمكن ردّ هذه السندات إلى موسكوفيتز عبر تحويلها إلى أسهم في "أسانا" بسعر محدَّد مسبقاً.
تشير السجلات التنظيمية إلى أنَّ الشركة اختارت تحويل هذه السندات في الأول من يوليو. وهذا أدى إلى تسليم موسكوفيتز أكثر من 17 مليون سهم من أسهم "أسانا" المنتمية إلى الفئة "ب" بسعر يزيد قليلاً على 31 دولاراً للسهم، في وقت كان يتمُّ تداوله عند 63 دولاراً.
وسجلت أسهم الشركة انخفاضاً بنسبة 2.9% لتصل إلى 100.83 دولاراً عند الساعة 11:13 من صباح يوم الجمعة في جلسات التداول في بورصة نيويورك.
في عام 2010، أصبح موسكوفيتز وزوجته كاري تونا، وهي مراسلة سابقة في صحيفة "وول ستريت جورنال"، أصغر زوجين يوقِّعان على مشروع "تعهد العطاء" (Giving Pledge)، الذي يلزمهما بالتبرع بمعظم ثروتهما للأعمال الخيرية.