كيف يعقل أن تنفق شركات السيارات الكثير من الأموال من غير إعطاء أيِّ شروحات واضحة في كيفية صرفها؟ أو عن مدى تقدُّم مشاريعها الطموحة؟ يجب أن يدفع المستثمرون مجالس وشركات معايير المحاسبة من أجل إعطائهم المزيد من التفاصيل والمعلومات.
لقد تزايد تركيز الشركات على التكنولوجيا والمعرفة الفنية أكثر من اهتمامها بالأساليب التقليدية لتجميع المركبات في ظلِّ ظهور السيارات الكهربائية، والمركبات ذاتية القيادة، إلا أنَّه من الصعب رؤية هذا التحوُّل في بياناتهم المالية.
تغدق هذه الشركات الأموال على ميزانيات البحث والتطوير، وتعدُّ من أكبر المنفقين في عالم الشركات. ولكن هناك القليل من المعلومات والتفاصيل حول آلية تخصيص هذه الأموال، لأنَّها توضع في أصول غير ملموسة، أو تحت بنود أخرى غير محدَّدة. كما يتمُّ دفن العديد من التكاليف الأخرى، مثل تكنولوجيا المعلومات، وتدريب الموظفين.
تسكين المستثمرين
يتمثَّل جزء من المشكلة في عدم طلب المستثمرين للمزيد من المعلومات، وهم الذين يمكن أن يشكِّلوا قوة فاعلة مؤثِّرة، لكن، وبدلاً من ذلك، يتجه المستثمرون إلى مكان آخر للحصول على معلومات بديلة. على سبيل المثال، في أيام الخميس، يتهافت المستثمرون على الموقع الالكتروني الخاص بمكتب براءات الاختراع في الولايات المتحدة لمعرفة ما الذي كانت تفعله الشركات خلال ثمانية عشر شهراً الماضية. فما تمَّ تسجيله من تقنيات، ونطاق الاختراعات ومدى تقدُّم الشركات، يعطي إحساساً أنَّ هناك عملاً حقيقياً يتمُّ إنجازه، فتفاصيل السمات التكنولوجية تلك تُخفف على المستثمرين عدم يقينهم بشأن ما يحدث من أنشطة بحث وتطوير، وذلك وفقاً لما أفادته مسوَّدة دراسة من إعداد ديباك هيغد من جامعة نيويورك في شهر ديسمبر حول الإفصاح عن براءات الاختراع.
وتقوم بعض الشركات أحياناً في الولايات المتحدة وأماكن أخرى بتقديم أرقام، ليسوا مضطرين بالضرورة للكشف عنها، إلا أنَّ ذلك يمكن أن يمنح المستثمرين شيئاً يريحهم مثل الأرباح المعدَّلة قبل الفوائد والضرائب، أو التدفُّق النقدي الحر. كما أنَّ غربلة مناقشات الإدارات وتحليلها يمكن أن يعطي أيضاً بعض الأدلة حول ما تفعله الشركات. لا شيء من هذا بالطبع علمي، فهو نوع من أنواع الفنون أو المهارات.
نموذج شركات الأدوية
وتعرَّضت الشركات العاملة في الصناعات التي تتغيَّر فيها التكنولوجيا بسرعة، وتخلق أصولها غير الملموسة قيمة واضحة إلى ضغوط للإفصاح عن المزيد من المعلومات والتفاصيل في الماضي، وهو ما تتبعه باروخ ليف، الأستاذ بجامعة نيويورك، والمؤلف المشارك فينغ غو في كتابهما "نهاية المحاسبة والطريق نحو المستقبل للمستثمرين والمديرين".
وأظهرت تقارير الإيداعات السنوية (10-K) لشركة الأدوية العملاقة "فايزر" أنَّ الشركة لم تكن تصرِّح كثيراً في فترة التسعينيات عن منتجاتها مقارنة بنهاية ذلك العقد. وبناءً على ما قاله المؤلفان، فإنَّ ما شجع ذلك كان طلب المستثمرين والمحللين في الحصول على معلومات أكثر من خلال طرح أسئلة أكثر تفصيلاً في مكالمات الأرباح. ولم يكن ذلك محاولة لتقليل "مصداقية الشركة لتعزيز الشفافية".
أما اليوم، فقد أصبح الإفصاح الشامل هو المعيار في قطاعي الأدوية والتكنولوجيا الحيوية، لكن، وعلى الرغم من التصريحات الهائلة في عالم السيارات خلال السنوات القليلة الماضية، لم يكن أحد يطرح الأسئلة الصعبة، و لا تزال مكالمات الأرباح مليئة بالاستفسارات حول الأهداف، والتطلُّعات، واستراتيجيات الكهرباء الواسعة. ولكن يبدو أنَّ المحللين راضون بالإجابات الغامضة.
وكان أحد المحللين قد سأل خلال مكالمة أرباح الربع الرابع لشركة "جنرال موتورز" في شهر فبراير: "أنا أحاول فقط أن أفهم من الناحية الاستراتيجية، إن كانت شركة "جنرال موتورز" تنوي خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة القادمة التقلُّص أم أنَّها ستكون أكثر جرأة ؟" فردَّت الرئيسة التنفيذية ماري تي بارا: "أعتقد أنَّنا سنكون جريئين، لأنَّني أعتقد أنَّنا نمتلك التكنولوجيا، ولدينا الموهبة، ولدينا القدرة على التصنيع".
وهم الأرباح
هناك شعور متزايد بالتراخي والتهاون في الشركات الكبيرة التي تتبع النهج التقليدي. بات المستثمرون يميلون الآن إلى تجاهل المعلومات الأولية، مثل: الأرباح، والهوامش في بيانات شركات السيارات المالية، ويركِّزون على التدفُّقات النقدية. وهو ما أشار إليه أرندت إلينغهورست، المحلل الذي يغطي القطاع من وجهة نظر شركة "سانفورد بيرنستين" (Sanford Bernstein)، هناك "اختلافات واقعية في التكاليف المحسوبة" في جميع الشركات. وقال، إنَّ: "الأرباح النقدية تختلف كثيراً عن أرباح الربح والخسارة."
و أدَّت جداول الرسملة المتغيِّرة، والإهلاك، والإطفاء إلى "خلق اختلافات بالمليارات بين أرباح الشركات النقدية والمحاسبية". والأرباح الأخيرة، كما يقول، تميل إلى خلق "وهم الأرباح"، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة استياء المستثمرين المنفتحين، فلا يجب أن تكون العبارات والأرقام الغامضة أمراً مقبولاً.
على سبيل المثال، قالت شركة “ستيلانتس أن في" (Stellantis NV)، التي تشكَّلت نتيجة اندماج شركتي "فيات كرايسلر " (Fiat Chrysler Automobiles NV)،
و "بي أس إيه" (PSA Group)، في ملفها المالي الكامل لعام 2020 الصادر في شهر مارس، إنَّ جزءاً من تكلفة الإيرادات "يساهم في الامتثال التنظيمي"، ولكن " لا يمكن قياس كميتها بشكل منفصل" لأنَّها عناصر ضمن مبادرات أوسع تتعلَّق بزيادة القوة أو توفير بدائل.
الإفصاح هو الحل
وفي الوقت ذاته، تميل التفاصيل المتعلِّقة بخفض الأصول إلى عدم التحديد. فهي من الممكن أن تتعلَّق بالأموال التي تمَّ ضخها في الجهود السابقة غير الناجحة على التكنولوجيا، على سبيل المثال. ويعدُّ هذا مفاجئاً لشركات صناعة السيارات التي غالباً ما تحصل على أعلى متوسط بعد التخفيضات الضريبية، فضلاً عن الوافدين الجدد، إذ تكون بنسب أعلى على أساس كل أصل، بناءً على البيانات التي جمعتها شركة "نيو كونستراكتس أل أل سي" (New Constructs LLC).
ومن ناحية أوسع، كانت آلية التعامل مع تكاليف البحث والتطوير في البيانات المالية مجالاً للبحث لعقود. وبمرور الوقت تطوَّرت كيفية إدارة الشركات لهذه العناصر. ومع ذلك، فإنَّ المشكلة المتجذِّرة لا تزال قائمة: إذ لا يوجد إفصاح كافٍ، أو توحيد للمعلومات، أو طريقة لتقييم الفوائد المستقبلية.
وبما أنَّ صناعة السيارات تخضع لتغيير هيكلي، فإنَّ توفير المزيد من المعلومات يمكن أن يساعد. على سبيل المثال، الإصلاح الشامل للكهربة يعني تكبُّد تكاليف كبيرة من عمليات الاسترجاع مع استمرار عملية التجربة والخطأ، وهو أمر مفهوم. ولكن يجب أن يكون أصحاب المصلحة قادرين على رؤية مدى تأثير ذلك، وألا ينحصر بمجرد مبلغ إجمالي، أو مخصصات، أو تأثير رجعي على صافي الدخل. قد يكون الإفصاح هو أفضل طريقة لتحقيق الكهربة بشكل أسرع.