لا تعاني أكبر شركة مصنِّعة للسيارات في العالم من مشكلة نقص الرقائق.
فعلى عكس بقية الشركات المصنِّعة للسيارات، قالت شركة "تويوتا موتور" اليابانية في 10 فبراير، إنَّها لا تتوقَّع أن يؤثِّر نقص أشباه الموصلات على إنتاجها. وفي مكالمة مناقشة أرباح الشركة، قال المدير المالي، "كينتا كون"، إنَّه كجزء من خطط استمرارية الأعمال الخاصة بها، عملت "تويوتا" -التي تُصنِّع أكثر من 10 ملايين سيارة سنوياً– على تأمين "من شهر إلى أربعة أشهر من المخزون حسب الضرورة" لمختلف المكوِّنات. ومع ارتفاع الأرباح التشغيلية، رفعت الشركة توقُّعات أرباحها بأكثر من 50% (في غضون ذلك، قالت الشركة، إنَّ زلزال 13 فبراير قبالة سواحل اليابان لم يكن له أي تأثير على مصانعها).
وفي الوقت نفسه، تُعاني باقي الشركات المصنِّعة من عجز في تأمين الرقائق؛ ونتيجة لذلك، قد ينخفض إنتاج السيارات على الصعيد العالمي بما يصل إلى 3 ملايين سيارة، أو 3% إلى 5% من الإجمالي، هذا العام؛ وذلك نتيجة لسوء تقدير الطلب، وقضايا تنظيمية عميقة في سلسلة التوريد؛ إذ ليس من المتوقَّع أن تنحسر هذه الندرة في وقت قريب.
ويتناقض مخزون "تويوتا" مع فلسفتها الشهيرة في الإنتاج، فقد اخترعت الشركات اليابانية ذات العيار الثقيل خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي فنَّ "التصنيع في الوقت المناسب"؛ وهي استراتيجية متجذِّرة في الاحتفاظ بمخزون منخفض من السلع، والمواد الخام، أو المخزونات، في متناول اليد لخفض التكاليف وزيادة الهوامش، مع تحقيق انسيابية الإنتاج. وكما أعلنت الشركة على موقعها الالكتروني على الإنترنت في إطار شرحها لجذور نظام الإنتاج في "تويوتا"، فإنَّه "يمكن للنفايات أن تظهر كمخزون فائض".
وعند تنفيذها، كان يُنظر إلى العملية على أنَّها تحوُّل جذري نحو الكفاءة؛ فقد سعت الشركات حول العالم لاتباع هذا النموذج. ووجدت إحدى الدراسات أنَّ الشركات الأمريكية التي اعتمدت منهجية "التصنيع في الوقت المناسب" شهدت انخفاضاً في المخزون بنسبة 70% إلى جانب انخفاض تكاليف العمالة، ومتطلبات المساحة. كما جعلت المخزونات الخالية من الهدر الشركات أكثر مرونة، لا سيَّما عندما انخفضت المبيعات أو تباطأ الاقتصاد الأوسع؛ وبالتالي؛ أحبَّ المساهمون ذلك أيضاً.
إحكام القبضة على الموردين
في الواقع، وفي عام 2017، شحذت "تويوتا" العملية خلال التشغيل التجريبي لمصنع خاص بشركة تابعة لها في إيواتي باليابان، فقد تمكَّنت الشركة من خفض مساحة مخزون المورِّدين لبعض الأجزاء بنسبة 90%؛ وألغت بشكل فعَّال الحاجة إلى الاحتفاظ بمخزون إضافي، كما ألغت بعض العمليات المرهقة في مصانع "تويوتا".
ومن المفارقات أنَّه على الرغم من التزامها بمنهجية التصنيع المحكمة هذه، فقد استمرت مستويات مخزون "تويوتا" في الارتفاع على مدار العقد الماضي، وخلال الأزمة المالية العالمية، والكوارث الطبيعية في اليابان وتايلاند، إذ تتمتَّع الشركة بحضور كبير، وكان متوسط مستويات المخزون ربع السنوي على مدى السنوات الخمس الماضية من أعلى المستويات في هذا القطاع؛ كما أصبح الوقت المستغرق لتحويل المخزون إلى مبيعات أطول أيضاً، مما أدَّى إلى خسائر في الكفاءة.
وعلى هذا الصعيد، راقبت "تويوتا" هذا المخزون عن كثب -خاصة خلال الأوقات الصعبة. وفي السنوات التي أعقبت الأزمة المالية العالمية، وفي حين كان صانعو السيارات يُخفِّضون المخزونات بشكل حاد، بحثتْ شركة "تويوتا" عن نهج جديد ومبتكر، فقد أنشأت نظاماً يسمى "الإنقاذ" الذي ركَّز بشكل دقيق على فئات الموردين. وكجزء من هذه الخطوة، بنتْ قاعدة بيانات تُخزن معلومات سلسلة التوريد لحوالي 6,800 قطعة، مما أعطى الشركة عدسة تُتيح لها معرفة مكان النقص والتحديات.
وفي الواقع، ساعدتها هذه القبضة المحكمة على مجموعة المورِّدين المتنوِّعين على التعامل مع النقص الحالي في الرقائق. وبحسب قول "كون" خلال مكالمة مناقشة الأرباح الأخيرة، "في كلِّ يوم، من كلِّ أسبوع، من كلِّ شهر" تتواصل "تويوتا" مع آلاف المورِّدين على جميع مستويات سلسلة التوريد لتزوِّدهم بخطط حجم الإنتاج بشكل متكرر. والجدير بالذكر أنَّ الشركات المصنِّعة للسيارات تحتاج إلى جميع الأجزاء لصنع سيارة. وإذا كانت الشركة على حق، فقد ساعدتها علاقاتها مع المورِّدين على الوصول إلى الحسابات الصحيحة بشأن الأمور المهمة كافةً.
وبالنظر إلى شركة "تويوتا" اليوم، فقد تُدرك شركات السيارات درساً آخر للمستقبل، وهو أنَّه يمكن للإمدادات الخالية من الهدر أن تُحقِّق الكفاءة في المواقف العادية، إلا أنَّها ليست كافية لمواجهة الأوقات الاستثنائية والحرجة.