لم يراود تاتسويا أراي، رجل أعمال في طوكيو يبلغ من العمر 36 عاماً، أبداً حلم امتلاك سيارة إلى أن شاهد مقطع فيديو على "يوتيوب" يعرض سيارة تسلا "موديل 3"، بتصميمها الخارجي المصقول وانطلاقتها المبتكرة، حيث بدت وكأنها الحل الأنيق بالنسبة له لينتقل من حي "شيبويا" الصاخب في طوكيو إلى منطقة الواجهة البحرية الأكثر هدوءاً، ما جعله بحاجة إلى وسيلة للوصول إلى وجهاته.
قال أراي: "كان الأمر أشبه بشراء إحدى الكماليات".
أصبح أراي واحداً ضمن عدد محدود ولكنه متزايد من مالكي السيارات الكهربائية في اليابان. وبينما لا تمثل هذه الفئة من السيارات سوى 1% من إجمالي مبيعات السيارات، بعد الصين وأجزاء من أوروبا، فقد بدأت أخيراً في اللحاق بركب مبيعات السيارات. ففي عام 2021، تضاعفت تسجيلات المركبات الكهربائية الجديدة المستوردة ثلاث مرات تقريباً لتصل إلى 8610 تسجيلات، ما يعد تحولاً محدوداً ولكنه ملحوظ في بلد توقفت فيه مبيعات السيارات بشكل عام.
تبدو اليابان ذات الدخل المرتفع للفرد وتحمس مواطنيها لاقتناء السيارات الأوروبية الراقية مثل "مرسيدس بنز"، وكأنها البلد المناسب بشكل طبيعي بالنسبة لـ"إيلون ماسك" الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"، والذي توقع في عام 2010 أن تكون اليابان ثاني أكبر سوق لـ "تسلا" عالمياً بعد الولايات المتحدة.
ومع ذلك، ظلت البلاد حذرة من المراهنة بشكل كبير على الاعتماد على السيارات الكهربائية بشكل كامل، حتى بعد أن أتاحت شركة "نيسان موتور" المجال لتصنيع سيارات كهربائية ميسورة التكلفة من خلال سيارتها "ليف" (Leaf) منذ أكثر من عقد. وبدلاً من ذلك، فضّلت شركات صناعة السيارات اليابانية والحكومة الترويج للسيارات الهجينة، وهي فئة كانت شركة "تويوتا موتور" رائدة بها مع "بريوس" منذ حوالي 25 عاماً، كنموذج أكثر سلامة من الناحية الاقتصادية.
يبدو الآن أن هناك محوراً وسط ضغوط الأسواق العالمية. فقد طرحت كل من "تويوتا" و"نيسان" و"هوندا" استراتيجيات جديدة للمركبات الكهربائية، في الوقت الذي تعهدت الشركات الأجنبية العملاقة، من "جنرال موتورز" إلى "فولكس واجن" بالتخلي عن سيارات محركات الاحتراق تماماً في المستقبل خلال فترة زمنية ليست بالبعيدة.
تعهدت الحكومة اليابانية بأن تصل للحياد الكربوني بحلول عام 2050، ويبدو أيضاً أنها قد تحولت من تركيزها السابق على الدفاع عن صناعة السيارات المحلية. وتهدف حالياً إلى خفض الانبعاثات إلى مستوى النصف تقريباً بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 2013، وتتطلع إلى حظر مبيعات السيارات التي تعمل بالغاز بحلول منتصف عام 2030.
دعم حكومي
وفي الوقت نفسه، تحرص اليابان على تصنيع سيارات كهربائية ميسورة التكلفة للمستهلكين، حيث تضاعف مبالغ الدعم التي تقدمها إلى حد أقصى يبلغ 800 ألف ين (7000 دولار) في نوفمبر الماضي.
يعد هذا حافزاً لشركات صناعة السيارات الكهربائية الأجنبية، التي تخلّت منذ فترة طويلة عن هذا السوق لصالح الطرازين "تويوتا بريوس" الهجينة و"نيسان ليف" التي تعد أول سيارة كهربائية في العالم يتم بيعها بكميات كبيرة.
قال ماتياس شيبرز، رئيس "فولكس واجن" في اليابان: "لم يحدث بعد التحول إلى المركبات الكهربائية عديمة الانبعاثات، ولكن بمجرد حدوث ذلك، ستتقدم بسرعة"، مشيراً إلى أن سيارات "تسلا" كانت تُباع بشكل جيد بالفعل في تايوان المجاورة، حيث ازدهرت مبيعات الموردين بها.
شعبية خاصة
يقول محللون إن سيارات "تسلا" تحظى بشعبية خاصة بين الشباب والأثرياء في اليابان، الذين يعيشون في المناطق الحضرية حيث تتوفر محطات الشحن للمركبات الكهربائية ويشاركون في تحقيق الحلم الذي راود ماسك تجاه السوق الياباني. وعلى الصعيد العالمي، قامت "تسلا" بتسليم أكثر من 936 ألف سيارة العام الماضي، بزيادة 87% عن العام السابق، على الرغم من أزمة الرقائق العالمية التي أجبرت صانعي السيارات على خفض الإنتاج.
قال سيجي سوغيورا، المحلل في مؤسسة "طوكيو توكاي ريسيرش": "حقيقة تفوق سعر سهم تسلا على تويوتا كانت ضخمة" فيما يتعلق بتعزيز اعتماد علامتها التجارية في اليابان، مضيفاً أن "تسلا" أصبحت أيقونة ذات مكانة مرموقة.
تشير تقديرات مؤسسة "آي إتش إس ماركيت" (IHS Markit) إلى أن "تسلا" باعت أكثر من 5200 سيارة في اليابان العام الماضي، مرتفعة من حوالي 1900 سيارة في 2020، على الرغم من أنها تتوقع أيضاً توقفاً لفترة قصيرة هذا العام، بينما ينتظر المشترون المحتملون الطراز "Y" الجديد، المتوقع أن يصبح متاحاً في اليابان بحلول نهاية العام.
خصومات محفزة
يمكن أن تضع خصومات "تسلا" سياراتها في متناول المزيد من المستهلكين. في فبراير من العام الماضي، خفضت "تسلا" باليابان سعر النسخة طويلة المدى لسيارتها "موديل 3" بنسبة 24% إلى حوالي 5 ملايين ين، لتعكس خصماً على السيارات في الصين.
من المتوقع أن تعلن "تسلا" قريباً عن بدء الإنتاج في مصنعها "غيغا فاكتوري" (Gigafactory) في برلين، أول مصنع لها في أوروبا، وفي مصنع آخر في أوستن بتكساس.
قال تو لي، مدير شركة "ساينو أوتو إنسايتس" (Sino Auto Insights)، الذي يتوقع أيضاً المزيد من التخفيضات في اليابان: "مع قرب بدء العمليات في غيغا برلين، سيكون هناك الكثير من سيارات تسلا المصنعة في الصين وتورّد إلى اليابان خلال العام الجاري، مضيفاً: "وكذلك إلى كوريا الجنوبية والهند".
ومع ذلك، يحذر البعض من أنه سيكون من الصعب على "تسلا" التوسع بأي شكل مؤثر، خاصة مع استثمار شركات صناعة السيارات المحلية المزيد من الموارد في المركبات الكهربائية. حتى مع تزايد قاعدة عشاق سياراتها من الشباب المتمرسين في مجال التكنولوجيا، ما تزال "تسلا" تعاني من محدودية شهرة علامتها التجارية، كما أن نموذج أعمالها المباشر إلى المستهلك يربك معظم المتسوقين الذين اعتادوا على الاهتمام الفائق من قبل شركات السيارات.
معركة صعبة
قال تاكيشي مياو، المحلل في شركة "كارنوراما" لاستشارات السيارات: "ستكون معركة يصعب التكهن بنتائجها. يحظى صانعو السيارات في اليابان بمكانة قوية على مستوى العالم، لكنهم أقوى في الداخل. إنها سوق صعبة للغاية على شركات صناعة السيارات الأجنبية".
يتوقع مياو منافسة قوية بشكل خاص من سلسلة "بي زد" من "تويوتا"، وهي مجموعة من السيارات الرياضية متعددة الاستخدامات الكهربائية فقط، تم كشف النقاب عنها العام الماضي. وتخطط "تويوتا" لإنفاق 35 مليار دولار لتسريع تحولها إلى السيارات الكهربائية.
تنفق "نيسان" وشريكتاها في التحالف "رينو" و"ميتسوبيشي موتورز" مجتمعة 23 مليار يورو (26 مليار دولار) على مدى خمس سنوات لطرح 35 سيارة جديدة تعمل بالبطاريات بحلول نهاية العقد.
محطات الشحن
سيكون لشركات صناعة السيارات المحلية اليد العليا فيما يتعلق بتوفير محطات الشحن، بفضل دعم شبكات الوكلاء الحالية في جميع أنحاء اليابان، بما في ذلك المناطق الريفية. وتمتلك "نيسان" بالفعل شبكة من محطات الشحن وتخطط لبناء المزيد كجزء من مشروع عالمي بقيمة 20 مليار ين. قالت "تويوتا" إنها ستجهِّز محطات شحن للسيارات الكهربائية لدى جميع وكلائها على امتداد اليابان بحلول عام 2025 تقريباً.
وفي الوقت نفسه، تتركز محطات شحن "تسلا" في المناطق الحضرية. ولن تكشف عن عدد محطات الشحن التي ستبنيها في اليابان هذا العام، لكنها تبحث حالياً عن مدير نشر مشروع محطات الشحن، وفقاً لموقع الشركة على الإنترنت.
قالت شركة "فولكس واجن" في اليابان إنها ستبني أكبر شبكة شحن سريع في الدولة، حيث ستقوم بإعداد أجهزة شحن سريعة تتراوح قدرتها بين 90 و150 كيلوواط في حوالي 200 نقطة بحلول نهاية هذا العام. ويمكن أن يكلف تركيبها ما يصل إلى 25 مليون ين لكل محطة.
دور الحكومة
بدأت شركة "ستيلانتيس إن في" (Stellantis NV) أيضاً التواصل مع مزودي الطاقة لتوسيع شبكتها للشحن. وقال بونتوس هاغستروم، الرئيس التنفيذي للشركة في اليابان، إنه يتطلع لأن تقوم الحكومة بدور أكثر نشاطاً في هذا الصدد.
وأضاف: "فيما يتعلق بالبنية التحتية، فليس من اختصاص الشركات المصنعة العمل على إنشائها. ولابد للحكومة أن تعمل على ذلك".
يقول أراي، والذي أصبح أحد عشاق "تسلا"، إنه راضٍ عن قدرة السيارة "موديل 3" للسير حوالي 340 ميلاً. بينما كان يتمنى أن يكون هناك المزيد من محطات الشحن على امتداد الطرق السريعة، فإن سهولة تكنولوجيا السيارة تتفوق على مشكلاتها الطفيفة، بما في ذلك تحديثات البرامج عبر الأثير والميزات الأخرى مثل القدرة على قفل الباب بهاتفه الذكي.
واختتم بالقول: "أتوقع المزيد من مالكي تسلا يوماً بعد يوم".