قبل نهاية العام الماضي، راهن لبنان على موسم سياحي قوي يمكنه أن يُسهم بإنعاش اقتصاد البلاد الذي يعيش أزمة منذ 2019. لكن منذ السابع من أكتوبر، ومع اندلاع الحرب في غزة، يشهد جنوب البلاد وضعاً أمنياً خطيراً، ما أثر على القطاع الذي يُعتبر مصدراً أساسياً للعملة الصعبة.
رهان لبنان على هذا الموسم جاء بدعم من أرقام العام الماضي، فبحسب أرقام "مصرف لبنان"، بلغت الإيرادات الناتجة عن قطاع السياحة، والتي عرّفها المصرف بـ"خدمات السفر"، 5.41 مليار دولار في 2023، بارتفاع نسبته 1.7% عن أرقام العام السابق له.
ولكن موسم الصيف والذي يبدأ في يونيو وحتى أغسطس، ينقسم حالياً بين مشهدين متضاربين: حرب دائرة أسفرت عن سقوط نحو 490 شخصاً وإصابة 1526 شخصاً حتى 23 يوليو الجاري وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية، ومطاعم وشواطئ ممتلئة بروادها من جهة ثانية، مدعومة بشكلٍ رئيسي بتحول في طبيعة السياح في البلاد.
المغتربون يدعمون القطاع
تشير أرقام مطار بيروت وهو المطار المدني الوحيد في البلاد، إلى أن حركة الوافدين سجلت تراجعاً في النصف الأول من السنة بنسبة 5.6% مقارنة بمستويات العام الماضي. وبلغ عدد الوافدين خلال هذه الفترة نحو 1.545 مليون شخص، مقارنة بـ1.637 مليون شخص في النصف الأول من العام الماضي.
وفي يونيو، وهو بداية موسم الصيف في لبنان، بلغ عدد الوافدين إلى لبنان 406.396 ألف شخص، وهو تراجع نسبته 5% مقارنة بمستويات الشهر ذاته من العام الماضي، وفق الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية.
رغم هذا التراجع، إلا أن البلاد تشهد حركة سياحية داخلية نشطة خصوصاً في العاصمة بيروت ومحافظة جبل لبنان، وهو ما يظهر من خلال حجم الإشغال في المؤسسات والمطاعم والمنتجعات السياحية، وفق وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصّار.
وأشار في تصريح لـ"الشرق"، إلى أن هذا النشاط يعود بشكل رئيس إلى المغتربين اللبنانيين، و"بعض السياح العرب" خصوصاً من دول الخليج والعراق والأردن ومصر.
ويشرح في تصريحات لـ"الشرق" أن الحركة كانت نشطة جداً في الفترة التي سبقت وتلت عيد الأضحى، "بحيث وصل عدد الوافدين في أحد أيام العيد إلى 17 ألفاً"، لافتاً إلى أنه منذ يونيو وحتى اليوم، بلغ معدل الوافدين اليومي نحو 14 ألف شخص، متوقعاً استمرار هذه الوتيرة حتى نهاية فصل الصيف.
استمرار هذه الوتيرة قد يرفع نسبة الوافدين خلال موسم الصيف الحالي بنحو 10% عن مستويات الموسم الماضي، وفق توقعات نصّار.
أداء مقبول لقطاع المطاعم
رغم هذه التراجعات، إلا أن أرقام الوافدين لا تزال جيدة بالنسبة لبلد يشهد حرباً، ومنطقة محيطة تعج بالتوترات الجيوسياسية، بالتزامن مع انهيار اقتصادي مستمر منذ 2019.
وصف نائب نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي وضع القطاع في البلاد بأنه "مقبول لحد معين"، رغم أن مستويات الإشغال لم تتخط معدلات العام الماضي. ورد أسباب ذلك إلى الحرب التي لم تعد محصورة في جنوب البلاد فقط، إذ يطال القصف الإسرائيلي مناطق مختلفة، لم يسبق لها أن استُهدفت في حروب سابقة مع إسرائيل.
نزهة كشف في تصريح لـ"الشرق" أن القطاع شهد خلال السنة الجارية، افتتاح 50 مؤسسة جديدة، مقارنة بنحو 300 خلال العام الماضي، والعديد من "rooftops"، فضلاً عن استقطاب 5 علامات تجارية عالمية جديدة، معتبراً أن الانتعاش الذي شهده القطاع هذه السنة يعود إلى المغترب اللبناني، وموسم الأعراس الذي يدعم مؤسسات القطاع. وتوقع أن يرتفع عدد المغتربين القادمين إلى لبنان في حال توقف الحرب.
هذه التطورات انعكست أيضاً على عدد القوى العاملة، إذ شهد القطاع توظيف 10 آلاف شخص هذه السنة، ليصبح عدد العاملين فيه نحو 100 ألف وفق نزهة، وهو مستوى يقترب من مستويات ما قبل الأزمة الاقتصادية، عندما كان عدد العاملين في القطاع المسجلين في الضمان الاجتماعي 160 ألف شخص.
الفنادق الأكثر تضرراً
المغتربون اللبنانيون أنعشوا قطاع المطاعم والمقاهي، لكن التحول في طبيعة السياح نحو المغتربين، وسط عزوف الأوروبيين والكثير من العرب عن القدوم إلى لبنان، أثر سلباً على قطاعات سياحية أخرى مثل الفنادق.
يشير نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر في تصريحات لـ"الشرق"، إلى أن لبنان في حالة حرب، والكثير من دول العالم حذرت رعاياها من القدوم إليه، كما طلبت منهم مغادرته، معتبراً أن السائح العراقي هو الأكثر إقبالاً، في حين أن السائح الأردني "متردد" بسبب الأوضاع التي يشهدها لبنان. أما عدد السياح المصريين، فانخفض قليلاً بسبب الأوضاع اللبنانية، والأزمة الاقتصادية التي شهدتها مصر خلال الفترة الأخيرة، حيث كان هناك صعوبة في توفير العملات الأجنبية. وأضاف أنه طالما أن التهديدات الإسرائيلية بتوسيع نطاق الحرب لا تزال قائمة، "فحتى من يريد القدوم إلى لبنان، لا يأتي".
وعن أسباب التأثير السلبي على القطاع، شرح الأشقر، أن غالبية المغتربين يقيمون في منازلهم عند قدومهم إلى البلاد، ثم يقومون بالسياحة الداخلية، بالتالي فإن "غياب السائح الغربي والعربي، يؤثر سلباً على نشاط الفنادق".
تابع الأشقر، أن نسبة الإشغال في فنادق بيروت "لا تتجاوز 25%"، مشيراً إلى أنها كانت تتراوح عادةً بين 50% و60% في بداية الموسم وتصل إلى 70 و80%، وفي بعض الأماكن 100%، معتبراً أن نسبة الإشغال خارج بيروت "أقل من 10%".
وعن تقديراته للخسائر يقول الأشقر إنه لا يوجد تقييم دقيق، "ولكننا نتحدث عن مئات ملايين الدولارات، لأن الخسائر بدأت منذ أكتوبر، وتتفاوت بين مؤسسة وأخرى بحسب حجمها ومصاريفها".
من جهته، أقر نصّار بمعدلات الإشغال المنخفضة في الفنادق، معتبراً أن ذلك يعود إلى سببين، يتمثل الأول في "التراجع في عدد الوافدين الأجانب"، أما الثاني فهو "اعتماد الزائرين على الإقامة البديلة وبيوت الضيافة".
أزمة قطاع تأجير السيارات
قطاع الفنادق ليس الوحيد المتضرر، فنشاط تأجير السيارات أيضاً حصل على حصته من الأزمة. وبحسب أرقام نقيب أصحاب مكاتب تأجير السيارات السياحية محمد دقدوق، وصلت نسبة التشغيل في موسم الصيف الماضي إلى نحو 80% في كل المناطق اللبنانية، أما هذه السنة "فمختلفة تماماً".
كشف دقدوق في حديث لـ"الشرق" أن نسبة التشغيل خلال الموسم الحالي في بيروت "تتراوح بين 35 و40%، وفي مناطق الجنوب حوالي 10%". يضيف أن القطاع "كان يعول على موسم الصيف الحالي لتعويض خسائر الأشهر الماضية، وهو ما لم يحصل".
وعن تقديره لقيمة الخسائر، رأى دقدوق أن الخسائر تكمن في "تآكل رأسمال الشركات، أي أن السيارة التي تملكها الشركة تخسر كل سنة 15% من قيمتها"، في وقت أن الشركات تعمد إلى الدفع من رأس المال النقدي لتغطية مصاريفها التشغيلية، في محاولة للمحافظة على استمراريتها وتجاوز الأزمة.
لفت كذلك إلى أن "شركات كثيرة عمدت الى بيع عدد من سياراتها لضمان استمرارية العمل". يظهر هذا الأمر من خلال الأرقام، "ففي عام 2019 بلغ عدد السيارات في القطاع نحو 20 ألف سيارة، ليتراجع في 2024 إلى نحو 8 آلاف سيارة، أي أنه تقلص بنسبة 60%، فيما لا تتجاوز حركة شراء السيارات الجديدة نسبة 3%".