كثفت حكومة المغرب التواصل مع القطاع الخاص منذ بداية الأسبوع، من أجل معالجة آثار الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة "الحوز" بضواحي مراكش على أنشطة السياحة التي تُسهم بنحو 7% في الناتج المحلي الإجمالي، في وقتٍ تترقب عاصمة البلاد السياحية استقبال آلاف المشاركين في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين التي تستضيفها مراكش الشهر المقبل.
وأكّد والي بنك المغرب المركزي عبد اللطيف الجواهري، اليوم الخميس، انعقاد الاجتماعات المالية والنقدية الأهم عالمياً في موعدها، منهياً التأويلات بشأن إمكانية تأجيلها.
شهدت منطقة "الحوز" في 8 سبتمبر زلزالاً خلّف أكثر من 2900 ضحية. كما أدّى لانهيار ما يزيد على 6 آلاف مبنى، كحصيلة أولية، بحسب وزيرة الإسكان فاطمة الزهراء المنصوري لـ"اقتصاد الشرق".
على صعيد التداعيات الاقتصادية للزلزال، فإن القطاع السياحي والفندقي، بشكلٍ خاص، متوجس من إمكانية تأثيره على نسب الإشغال والحجوزات الجديدة لباقي العام، بعد تسجيل إلغاءات وتأجيلات للسفر من قِبل السياح الأجانب.
وزارة السياحة لجأت إلى الاتصال بمنظمي الرحلات السياحية وشركات الطيران، من أجل تشجيعهم على مواصلة تقديم البرامج الترويجية للمغرب. كما حثت أصحاب الفنادق على تكثيف الجهود لاستعادة التعافي، ومن ضمنها معاينة المباني في أسرع وقت واتخاذ التدابير اللازمة.
مصدر للعملة الصعبة
تُعدُّ السياحة من القطاعات الرئيسية في المغرب، وتلعب دوراً كبيراً في زيادة حصيلة العملات الأجنبية للمملكة، إذ يُتوقع أن ترتفع إيرادات القطاع من 91 مليار درهم العام الماضي (8.9 مليار دولار) إلى 120 مليار درهم عام 2026.
وسجلت إيرادات السياحة نحو 57.2 مليار درهم ما بين يناير ويوليو، بزيادة 50% على أساس سنوي، فيما ناهز عدد السياح الوافدين خلال النصف الأول من العام 6.5 مليون سائح بزيادة 92% على أساس سنوي، وكان يُتوقع أن يصل الرقم إلى 14 مليوناً في نهاية العام الجاري.
واعتمد المغرب، في مارس الماضي، خارطة للفترة من 2023 حتى 2026 بميزانية تناهز 6.1 مليار درهم (598 مليون دولار)، تهدف إلى زيادة عدد السياح إلى 17.5 مليون شخص بحلول عام 2026، من 11 مليوناً العام الماضي.
"تأثير محدود"
يرى الخبير في القطاع السياحي زوبير بوحوت في تصريح لـ"اقتصاد الشرق" أن "الزلزال سيؤثر على القطاع السياحي"، نظراً إلى اضطرار عدد من السياح الأجانب إلى تقليص مدّة إقامتهم في البلاد بعد الكارثة، أو إلغاء مخططات كانوا أعدّوها لزيارة المغرب، أو تأجيلها، معتبراً أنه "أمر طبيعي في ظل الكوارث الطبيعية". لكن بوحوت نوّه بأن "الوضع سينتعش مع مرور الوقت، وبشكل سريع".
من جهته، يُبدي مصطفى أمليك، صاحب فندق "أطلس ويدان" في مراكش والكاتب العام لجمعية الصناعة الفندقية في المدينة، تفاؤلاً كبيراً بشأن القطاع السياحي، معتبراً أن التأثير على القطاع الفندقي سيكون "ظرفياً.. فالحياة الطبيعية تعود تدريجياً".
لتفادي التأثيرات السلبية للإلغاءات، لجأت عدة وكالات سفر محلية وأجنبية لاقتراح حلول على السيّاح الذين قاموا بحجز رحلات إلى المغرب، من بينها تأجيل السفر من دون رسوم إضافية، خصوصاً مع اقتراب نهاية العام، وهو وقت يشهد عادةً إقبالاً من السياح الأوروبيين.
اجتماعات IMF
تأتي فاجعة الزلزال قبل أقل من شهر على موعد استضافة مدينة مراكش، التي تستحوذ على EGE النشاط السياحي في المغرب، للاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي من 9 إلى 15 أكتوبر المقبل.
من المتوقع أن تؤدي هذه الاجتماعات، التي تعود إلى القارة الأفريقية منذ عام 1973، إلى تعزيز الإنفاق في رابع أكبر مدينة في المملكة. وكان من المقرر إجراؤها في 2021، لكنها واجهت عامين من التأخير بسبب جائحة كورونا.
ولتبديد الشكوك بشأن مصير هذه الاجتماعات، بادرت السلطات المغربية إلى الطلب من صندوق النقد الدولي خطط التواصل التي سيوجهونها إلى الوفود المشاركة في أعقاب الكارثة، وفقاً لـ"بلومبرغ".
استثمرت البلاد ملايين الدولارات في البنية التحتية بما في ذلك تشييد "قرية إيكولوجية" على مساحة تناهز 45 هكتاراً لاحتضان الاجتماعات السنوية في منطقة "باب إغلي" خارج الأسوار التي تُحيط بالقلب القديم لمدينة مراكش. ورغم انهيار أجزاء من سور المدينة، إلاّ أن المنطقة المخصصة للحدث لم تتعرض لأي ضرر، ولم يتوقف العمل فيها.
كانت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا جالت على الموقع في يونيو الماضي، وأعلنت إمكانية حضور 10 آلاف شخص، فيما تقدّر السلطات المغربية عدد المشاركين المرتقب بنحو 15 ألفاً من مختلف دول العالم، على رأسهم وزراء مالية ومحافظو بنوك مركزية وقادة مؤسسات مالية دولية.
فتح الفنادق المتعثرة
إلى الجهود المتعلقة بتنشيط القطاع، عقدت وزارة السياحة الثلاثاء اجتماعاً مع قادة القطاع الخاص، حيث جرى الاتفاق على إعداد قائمة الفنادق المغلقة بسبب تعثرها المالي منذ جائحة كورونا، في كل من مراكش وأكادير وورزازات، وتحديد طاقتها الاستيعابية، لوضعها رهن إشارة السلطات لإيواء المتضررين من الزلزال.
بحسب مصدر من وزارة السياحة المغربية تحدث لـ"اقتصاد الشرق"، فضّل عدم ذكر اسمه، فإن عدد الفنادق المغلقة في المدن الثلاث يناهز 40 فندقاً، سيتم إخضاعها للإصلاحات الضرورية لكي تصبح جاهزة لإمكانية استقبال من فقدوا منازلهم في الزلزال، في انتظار عملية إعادة الإعمار.
هذه الخطوة قد تكون دفعة أساسية للشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص لإيجاد حلول نهائية لهذه الفنادق المتعثرة، بعد استخدامها بالطريقة الإنسانية المثلى لمجابهة إرهاصات الزلزال.