من المقرر أن تؤدي إعادة فتح الصين لحدودها، بعد فترة طال انتظارها كآخر خطوة لإنهاء سياسة "صفر كوفيد"، إلى اندفاع العديد من المغتربين الصينيين للعودة إلى الوطن، على الرغم من أنَّ انتعاش السفر بشكل كامل قد يستغرق وقتاً أطول.
بدءاً من اليوم الأحد، لم تعد الصين تشترط الحجر الصحي للوافدين بعد أن تخلّت السلطات عن السياسة التي كانت عائقاً أساسياً بالنسبة للمسافرين، إلى جانب التكلفة الباهظة التي يتكبّدونها نتيجة ارتفاع أسعار تذاكر الطيران، وسط قيود مشدّدة على الطاقة الاستيعابية لرحلات الطيران.
على الرغم من أنَّه ما يزال يتعين على أي شخص يرغب في دخول البلاد تقديم نتيجة اختبار "كوفيد" سلبية مدتها 48 ساعة؛ فإنَّ هذا التخفيف الكبير في القيود على الحدود قبل أسبوعين فقط من عطلة رأس السنة القمرية الجديدة يمثل نهاية لجهود بكين لمنع الفيروس الذي أصبح معترفاً به كوباء على مستوى العالم.
التأثير المباشر لذلك هو زيادة عدد الصينيين المغتربين الذين عادوا إلى الوطن، ولم ير العديد منهم أسرهم منذ سنوات.
قال كونور تشاو، مستشار يبلغ من العمر 25 عاماً ويعيش في سان فرانسيسكو: "لم أعُد إلى الوطن منذ عامين تقريباً، لذلك بدا هذا الإعلان أشبه بحلم يراه المريض وهو يعاني أعراض الحمى". يمر "تشاو" حالياً بفترة إجازة في بانكوك، وسيطير إلى تشينغداو في 19 يناير الجاري، في رحلة تشمل توقفاً في هونغ كونغ، التي لديها المزيد من الرحلات الجوية المتاحة إلى البر الرئيسي للصين.
أضاف: "أنا متحمس للغاية لرؤية والدي، وقضاء العام الصيني الجديد بصحبتهما يعني الكثير بالنسبة لي".
غير أنَّه من غير المرجح أن يقابل تدفق المسافرين المتجهين إلى الوطن زيادة في الطلب على الرحلات الخارجية. سيستغرق تدفق السياح الصينيين شهوراً إن لم يكن سنوات للتعافي إلى مستوى ما قبل الوباء، وهم الذين كانوا في السابق يمثلون قوة إنفاق بقيمة 280 مليار دولار في مناطق العطلات العالمية ذات الإقبال الكبير، من باريس إلى طوكيو.
ضيق الطاقة الاستيعابية
يأتي ذلك في الوقت الذي طبّق عدد كبير من الدول متطلبات الاختبار على المسافرين من الصين بعد ارتفاع عدد الإصابات، وكانت شركات الطيران مترددة في إجراء تغييرات كبيرة فورية على جداول رحلاتها، مما يعني أنَّ الطاقة الاستيعابية ما تزال ضيّقة، وأنَّ الأسعار مرتفعة.
من جانبه، قال تشين شين، رئيس أبحاث الترفيه والنقل في الصين في "يو بي إس سيكيوريتيز" (UBS Securities): "بدأت رغبة الصينيين في السفر تنتعش بقوة، لكن ما يزال الأمر يستغرق بعض الوقت لتنعكس هذه الرغبة في رحلات السفر الصادرة".
تشكّل إعادة فتح حدود الصين نهاية عهد "صفر كوفيد"، وهي استراتيجية تركت ثاني أكبر اقتصاد في العالم في عزلة لمدة ثلاث سنوات، وأضرّت بالاقتصاد. في حين أنَّ الإجراءات نجحت في محاصرة الفيروس خلال معظم فترة تفشي الوباء الذي أودى بحياة الملايين في أماكن أخرى؛ لكنَّها أصبحت غير مُجدية على نحو متزايد لأنَّ ظهور المزيد من السلالات المتحورة المُعدية جعل القضاء على كورونا أمراً شبه مستحيل.
بدأت الحكومة في التراجع عن فرض إجراءات الحجر الصحي، التي طُبّقت بشكل صارم من قبل السلطات المحلية في أجزاء من الصين إلى ما يقرب من شهر في بعض النقاط التي اجتاحها الوباء في يونيو من العام الماضي، وذلك في ظل تسارع وتيرة التغيير بعد أن تخلّت الصين فجأة عن تدابير مكافحة "كوفيد" المحلية مثل الاختبارات الجماعية والإغلاق في الأشهر الأخيرة من عام 2022.
تعد الصين آخر دولة تلغي القيود على حدودها، بعد أكثر من عام من استئناف أوائل الدول المؤيدة لاستراتيجية "صفر كوفيد"، مثل سنغافورة وأستراليا ونيوزيلندا، السفر الدولي دون فرض إجراء الحجر الصحي.
تدفقات كبيرة ورحلات طيران محدودة
من المتوقَّع أن يأتي جزء كبير من التدفق الداخلي الأولي للمسافرين من هونغ كونغ، والتي سيسافر من خلالها العديد من المغتربين في ظل توفر عدد محدود من رحلات الطيران المباشرة من الوجهات العالمية إلى مدن البر الرئيسي. واندفعت أعداد كبيرة من المسافرين لتأمين أماكن في حصة السفر اليومية التي تشمل حوالي 60 ألف شخص يُسمح لهم بالسفر شمالاً من المركز المالي، بما في ذلك 50 ألف مسافر عبر الحدود البرية التي تفصل بين الوجهتين، على الرغم من أنَّ المسؤولين وعدوا بزيادة الطاقة الاستيعابية بمرور الوقت.
بالنسبة إلى استئناف الزيارة من قبل الأجانب ورجال الأعمال إلى الصين؛ فإنَّ عملية إجراء اختبار "بي سي آر" سلبي وممارسات مثل ارتداء أقنعة الوجه شبه الكاملة قد تكون بمثابة إجراءات رادعة على المدى القريب، لكن للمرة الأولى منذ ظهور الفيروس في ووهان أواخر عام 2019؛ عادت الصين للانضمام إلى بقية العالم.