ستبدأ سنغافورة بإنشاء المبنى الخامس في مطار شانغي بتصميم منقح يسمح لها بتعديل سعة المطار في حال تفشي أي وباء. وهو المطار الذي يصوّت عادةً لاختياره ضمن أفضل المطارات على مستوى العالم.
تأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تعمل فيه الدولة المدينة على ترسيخ مكانتها كمركز للطيران الرئيسي في آسيا، مع استمرار منافستها هونغ كونغ في فرض الحجر الصحي والقيود الحدودية الأخرى لمجابهة "كوفيد".
شرح رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونغ خطط بلاده بالتفصيل في خطاب ألقاه الأحد في مسيرة اليوم الوطني.
قال لي: "على المدى الطويل، سيستمر السفر الجوي في النمو بسبب النمو السريع للطبقة المتوسطة في منطقتنا. لقد أعدنا تصميم مبنى الركاب (T5) ليكون أكثر مرونة خاصة فيما يتعلق بالعمل بأمان وسلاسة أكبر في خضم أي جائحة، ولتوسيع نطاق العمليات صعوداً وهبوطاً بسهولة أكبر، وعزل الركاب عن الرحلات الجوية المختلفة للحد من انتقال العدوى".
ربما يقدّم مبنى الركاب، المتوقَّع اكتماله في منتصف العقد المقبل، مثالاً يحتذى به للمطارات الأخرى على مستوى العالم فيما يتعلق بالاستعداد للحوادث التي خرجت عن سيطرتها بعدما دمّر الوباء صناعة السفر. حتى قبل "كوفيد"، كان لدى مطار "شانغي" مجموعة خطط طموحة لإنشاء مبنى ركاب مميكن بشكل كبير، مما يقلل من نقاط الاتصال ويسمح للروبوتات بالقيام بالجزء الأكبر من العمل. فكان الفيروس بمثابة حافز لضبط تلك الخطط.
تعزز هذه الخطوة موقف سنغافورة لتتقدّم على منافستها هونغ كونغ. بينما تتمتّع الأخيرة بسعة مماثلة لمطار "شانغي" فعلياً، إلا أنَّ استمرار قيود "كوفيد" يعني أنَّ نشاط الطيران ما يزال محدوداً. في المقابل، رفعت سنغافورة تدريجياً معظم القيود، بل وتخطط لإلغاء القواعد الخاصة بارتداء الأقنعة في معظم الأماكن المغلقة.
قال بريندان سوبي، مؤسس شركة "سوبي أفييشن" (Sobie Aviation) للاستشارات، ومقرها سنغافورة، إنَّه في حين تدرس المطارات الأخرى تصميمات مماثلة، إلا أنَّ معظمها ليس لديه مثل هذه المشاريع التوسعية الطموحة، مما يمنح "شانغي" ميزة لبناء مطار مصمم لحقبة ما بعد الوباء.
قال سوبي: "تحاول سنغافورة أن تظل دائماً في الصدارة، والحفاظ على مكانتها كمركز رائد لهذه المنطقة. لدى "شانغي" فرصة لأخذ زمام المبادرة فيما يتعلق بتصميم المطارات في مرحلة ما بعد الجائحة، ولا يعد حرصها على فعل ذلك بالضبط أمراً مفاجئاً في ضوء تاريخها وتطلّعاتها المستمرة".
تهوية معززة
سيكون (T5) العملاق، وهو مبنى ركاب يواجه المباني الأربعة الحالية، ويستطيع التعامل مع 50 مليون مسافر سنوياً، واحداً من أكبر مباني الركاب وأكثرها آليةً في العالم. تتضمن خطط إنشاء المبنى الجديد مجموعة من الكاميرات والتقنيات التي تتجاوز أبراج المراقبة الجوية التقليدية، والجسور الهوائية الموجهة بالليزر التي تمتد تلقائياً للسماح للطيارين بالهبوط، ومركبات تفريغ الأمتعة آلياً.
قال رئيس الوزراء السنغافوري: "إنَّه مبنى ضخم. في الواقع، نحن نبني مطار شانغي آخر ".
من جانبها، قالت وزارة النقل في بيان إنَّ تصميم المبنى العملاق سيسمح لـ"شانغي" بتشغيل مبانٍ فرعية أصغر عند الحاجة، مستفيداً من العبر التي حملها الوباء، مع مساحة يمكن تحويلها لاستخدامات مثل الاختبار أو الفصل بين الركاب الذين يشكلون خطراً بالغاً.
سيطبق (T5) تدابير احتياطية للحد من انتقال الأمراض، بما في ذلك الأنظمة اللاتلامسية في نقاط اتصال الركاب، والتهوية المعززة التي يمكن تنشيطها خلال تفشي الأوبئة لزيادة الهواء النقي وتجنب اختلاطه. بحسب البيان؛ سيبدأ تشييد مبنى الركاب العملاق في غضون عامين تقريباً.
يأتي الإعلان الأخير في أعقاب سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها سنغافورة لجعل مطار المدينة أكثر جاذبية.
أنفاق ومنطقة صناعية
في مايو، افتتحت شركة الخطوط الجوية السنغافورية صالات مجددة في مطار"شانغي" بعد أعمال تطوير بلغت تكلفتها 50 مليون دولار سنغافوري (36 مليون دولار)، إذ توفر غرفاً نهارية خاصة وأماكن للاستحمام، وحانات تقدّم المشروبات وتطل على المدرج. بعد شهر، أعلن المطار الذي يضم مجمع قبة "جويل" الزجاجية المكون من خمسة طوابق يميزها أطول شلال داخلي في العالم، عن خطط لإعادة فتح محطتين كانتا قد أغلقتا خلال الوباء مع عودة الطلب على السفر بشكل أقوى من المتوقَّع.
يميز مبنى الركاب، المتوقَّع أن تبلغ تكلفته "عشرات المليارات من الدولارات" وفقاً للحكومة، مشروع "شانغي إيست ديفلوبمنت" (Changi East Development)، والذي يُعتزَم تضمينه نظاماً ثلاثي المدارج، فضلاً عن شق أنفاق وبنية تحتية أخرى تحت الأرض، وإقامة منطقة صناعية.
قال لي إنَّه برغم تأجيل خطط تقديم عطاءات لمناقصة بناء المبنى العملاق لمدة عامين بسبب الوباء؛ إلا أنَّ سنغافورة استغلت ذلك الوقت لإعادة تقييم الآفاق طويلة الأجل، مضيفاً أنَّ الحكومة حسّنت أيضاً تصميم المبنى، وخلصت إلى أنَّ مستقبل الطيران ما يزال مشرقاً.
تابع رئيس الوزراء السنغافوري: "سيكون مبنى (T5) مكاناً يمكن لجميع السنغافوريين أن يفخروا ويستمتعوا به. سيُظهر المبنى الجديد للعالم مدى تميّز سنغافورة".