الطيران أكثر أماناً من الإبحار حيث فاق ضحايا "تيتانيك" من قضوا بحوادث الطيران خلال 5 أعوام

كم تطور الطيران في 120 عاماً؟

الطائرة الأكبر في العالم "إن-225 مريا" من صنع شركة "أنتونوف" الأوكرانية تهبط في مطار بيرسون في تورونتو، كندا - المصدر: بلومبرغ
الطائرة الأكبر في العالم "إن-225 مريا" من صنع شركة "أنتونوف" الأوكرانية تهبط في مطار بيرسون في تورونتو، كندا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

ستشعر بالهواء الساخن الذي ينفثه محرك طائرة لدى إقلاعها من مطار تايبيه سونغشان إن وقفت في تلك اللحظة في شارع ضيق يقع غرب المدرج. كان العشرات يقصدونه في عطلة نهاية الأسبوع، قبل تفشي الوباء، لينتظروا لحظات الإثارة القصيرة حين تدنو الطائرات الهابطة من رؤوسهم وتجعل شعرهم يطير لدى إقلاعها.

يفكر معظم الناس بعجائب الطيران فقط حين يربطون أحزمة مقاعد الطائرات، لكن الراصدون شديدو الحماسة الذين يخيمون في المطارات لمشاهدة وتوثيق الطائرات، استمر شعورهم بهيبة تلك القدرة السحرية، التي اكتشفناها منذ 120 عاماً.

المروحيات الكهربائية لا تعدو كونها هليكوبتر بحلّة جديدة

حين ضربت عاصفة "يونيس" أوروبا في منتصف فبراير، استقطب بث مباشر لأكبر طائرات العالم، وهي تترنح في طريقها إلى مطار هيثرو قرب لندن نحو 8 ملايين مشاهدة، حيث أبقت "بيغ جيت تي في" (Big Jet TV)، وهي قناة على "يوتيوب" أسسها الراصد جيري داير، المتحمسين والمشاهدين العاديين مفتونين لساعات، فيما هبطت طائرة تلو أخرى بعد تمايل صاخب في سماء ملبدة بالغيوم سعياً لتوصيل حمولاتهن بأمان إلى الأرض. دفعت حينها الرياح القوية بعضها لمحاولة الهبوط مرتين أو ثلاثة، وتحول بعض آخر إلى مطارات أخرى، لكنها نجحت جميعها بالهبوط.

تقنيات سطحية

ما تزال هذه الطائرات تعمل وفق المبادئ التي اختبرها الريادي الألماني أوتو ليلينثال ومعاصروه في أواخر القرن التاسع عشر. حيث وجد المهندسون الأوائل أنه عوضاً عن استخدام الناقلات الأخف من الهواء، مثل مناطيد المراقبة ومناطيد الهواء الساخن، أنه يمكن تكوين ضغط هواء متباين بين أسفل الجناح وأعلاه لتحقيق قوة رفع عبر إمالة الأسطح المستوية بالقدر المناسب.

إن قارنت طائرة "بوينغ" أو "إيرباص" حديثة بالآلة ذاتها التي حلقت 12 ثانية فقط بواسطة أورفيل رايت في كيتي هوك في 17 ديسمبر 1903، يمكنك أن ترى أن أساسيات الطيران لم تتغير تقريباً، بينما كانت مجالات التقدم الرئيسية هي الدفع والهندسة الإنشائية وأنظمة الملاحة، وليست الفيزياء الأساسية للطيران. مع ذلك، فإن العالم مختلف تماماً بسبب ذلك.

شبكات الجيل الخامس تثير الذعر بين الطيارين بسبب تداخل الشبكات

كان مكتب الحرب البريطاني من بين الداعمين الأوائل للأخوان رايت بعدما تجاهلتهم الحكومة الأمريكية في البداية، لذلك حين اندلعت الحرب العالمية الأولى في 1914، قلب استخدام الطائرات أساليب القتال بشكل لا رجعة فيه. نُقل عن أورفيل رايت لدى انتهاء الحرب في 1918 قوله لأحد أصدقائه: "لقد جعلت الطائرات الحرب مروعة لدرجة أنني لا أعتقد أن أي دولة ستحرص على بدء حرب مجدداً".

كان مخطئاً بشكل مأساوي، إذ أصبح الطيران مكوناً رئيسياً للصراع العسكري على مدى القرن الماضي، ونُقل السلاح الأكثر فتكاً في العالم إلى هدفه فوق هيروشيما بواسطة طائرة أمريكية في 1945، بينما تطورت الهجمات الجوية لتقوم بها طائرات بدون طيار في جميع أنحاء العالم.

شهد غزو روسيا أوكرانيا الشهر الجاري معارك بين القوات في البحر والأرض والجو ما أدى لدمار كبير. إضافة إلى آلاف الأرواح التي أزهقت، حطم القصف النموذج الوحيد لأكبر طائرة في العالم من شركة "أنتونوف" الأوكرانية وهي "إن-225".

نفعه أكبر من ضرره

رغم كل الموت والدمار الذي تسببه الطائرات، يمكن القول إن اختراعها عاد بنفع فاق الضرر، حيث فتح الطيران حركة الأفراد والبضائع وعزز التعاون بين الدول، فبدلاً من الإبحار قرب تمثال الحرية، يسافر المهاجرون اليوم إلى مطار جون كنيدي في نيويورك، وبدلاً من رحلة تستغرق أسبوعاً في أعالي البحار، يمكن للمسافرين الآن تناول الإفطار في لندن والعشاء في نيويورك.

كما أن الطيران أكثر أماناً من السفر عبر البحر، حيث فاق عدد ضحايا سفينة "تيتانيك" من قضوا في حوادث الطيران خلال السنوات الخمس الماضية. يسجل قطاع النقل البحري أكثر من 1500 حادث سنوياً مقارنة بنحو 85 سنوياً بين مشغلي الطائرات التجارية، رغم أن السفن تنقل عدداً أقل بكثير من الأشخاص حول العالم سنوياً، فإن أكثر من 1000 شخص ماتوا أو فقدوا في الحوادث البحرية في السنوات الخمس حتى 2019، مقارنة مع 1,459 في قطاع الطيران.

اتهام طيار سابق في "بوينغ" بخداع المنظمين حيال طراز "ماكس"

الشعار الشائع لدى مدارس الطيران حول العالم هو "إن كنت تستطيع قيادة السيارة فستتمكن من قيادة طائرة". هم على حق إذ أنه من السهل التحليق بالطائرة، لكن الهبوط بها صعب، والمحاولات الفاشلة في ذلك اليوم الشتوي في لندن دليل على أنه حتى أفضل الطيارين قد يواجهون صعوبات، وهي أيضاً دليل على محدودية التقنية. يُنظر إلى مقصورة الطيران المعدة لشخصين اليوم على أنها تأكيد على أن الأنظمة الأكثر تعقيداً لها ما يبررها في الطائرات الحالية، كما أن حصيلة الفوائد، بما فيها الكفاءة وسلامة الطيران تجعل من الصعوبة طرح حجة تعارض ذلك.

كان للطائرة في الأيام الأولى طيار واحد فقط، وحلق الأخوان رايت معاً مرة واحدة فقط، فيما سافر عديد من الرواد الأوائل وحدهم، بمن فيهم أميليا إيرهارت، وهي أول امرأة تعبر المحيط الأطلسي بمفردها. حتى الطائرات الحديثة الصغيرة والمتوسطة غالباً ما يكون بها شخص واحد فقط أمام أدوات التحكم، لكن أُضيف مزيد من الأشخاص إلى قمرات قيادة الطائرات في منتصف القرن العشرين لأن الأجهزة الإلكترونية المعقدة بشكل متزايد ظلت تتكاثر في الطائرات أنواع من مساعدات الملاحة إلى معدات الاتصالات اللاسلكية. هناك حاجة لاثنين على الأقل هذه الأيام لمجرد التعامل مع أجهزة الكمبيوتر وقوائم المراجعة.

معركة بالسكاكين

قد تكون التطورات التقنية قد بلغت أقصى مجالها، حيث بدأت الإلكترونيات الحديثة تبدو أكثر مما يمكن التعامل معه حتى بالنسبة للطيار المتمرس لدى تعطلها. بالكاد تمكن الكابتن كيفين سوليفان من استعادة السيطرة على رحلة طيران "كانتاس" رقم 72 عندما هوت طائرة إيرباص "إيه 330" فجأة نحو الأرض مرتين في طريقها من سنغافورة إلى بيرث في أكتوبر 2008. كتب سوليفان الطيار السابق في البحرية الأمريكية في كتاب بعدها أنه شعر وكأنه "في معركة بالسكاكين مع هذه الطائرة، وقد جرحتني مرتين".

نقص الطيارين .. التحدي القادم لشركات الطيران

أدت أعطال الأنظمة لمأساة أكبر بعد عقد. بعد أن قررت "بوينغ" إعادة تدوير تصميم طائرة حالية بدلاً من البدء من الصفر فأتت بطراز "737 ماكس". كان وضع محركات أكبر وأكثر كفاءة في استهلاك الوقود، يعني أن الشركة اضطرت للعبث ببعض الفيزياء الأساسية التي تحكم التوازن والرفع في الطائرة، واختارت التكيف مع هذه التغييرات من خلال البرامج التي تدير أدوات التحكم في الرحلة، وكان الطيارون غير مدركين لذلك ما أسفر عن حادثين منفصلين ومقتل أكثر من 340 شخصاً.

تعرضت "بوينغ" منذئذ للملاحقة، وتعلم العالم من تلك الكوارث، فعدنا لمسار طيران أكثر أماناً مع انحسار الوباء العالمي. سيحلق مزيد من الطائرات في السنوات المقبلة بأنظمة تحكم متطورة في السماء لتعيد الوصل بين بقاع الأرض، كما سيوثق عشاق السفر الجوي، الذين يطلق عليهم اسم "المهوسون بالطيران" (AvGeeks)، رحلاتهم ويذكرونا بالإنجازات.

ليس عليك أن تكون قادراً على التمييز بين طائرة من "بوينغ" وأخرى من "إيرباص"، أو أن تعرف الفرق بين أنماط نهايات الأجنحة كي تحلق. ما عليك سوى أن تتعجب من أننا نستطيع أن نطير.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

فى هذا المقال

الآراء الأكثر قراءة