قال هيسايوكي إيديكوبا، وهو الرئيس التنفيذي لشركة التوظيف والإنترنت "ريكروت هولدينغز"، إحدى أكبر الشركات اليابانية وأكثرها انفتاحاً، إن الشركة كانت في وضع جيد، سمح لها بالتحول نحو استراتيجية العمل من المنزل، والانتقال إلى مستقبل ما بعد وباء "كوفيد".
حيث إنه في خامس أكبر شركات اليابان، يجري الحكم على الموظفين بناء على قدرتهم على تحقيق النتائج، بدلاً من الاعتماد على الوقت الذي يقضونه في المكتب أو في حضور الاجتماعات، وقد شكلّت "الثقافة البنّاءة" هذه في الشركة، حجر أساس لمتابعة الأعمال خلال فترة الجائحة. ذلك وفقا لإديكوبا، صاحب الـ 46 عاماً، والذي أصبح عندما تولى منصبه في شهر أبريل الماضي، أصغر مدير تنفيذي ضمن شركات مؤشر "نيكاي 225".
وقد قال إيديكوبا في مقابلة أجريت معه مؤخراً في المقر الرئيسي لشركة "ريكروت" في طوكيو: "نحن نتمتع بالمرونة نسبياً، وقد كنا على أهبة الاستعداد لإجراء التغييرات على مدار الوقت". وتابع: "في هذا المكتب، ربما لدينا 10% أو أقل من الموظفين".
قطاع التوظيف
يتمثل الجزء الأكبر من أعمال شركة "ريكروت" في التوفيق بين الأشخاص والوظائف المناسبة لهم، حيث تمتلك الشركة موقع "إنديد.كوم" الإلكتروني، أكبر بوابة للتوظيف في العالم. بالإضافة لامتلاكها موقع "غلاسدور"، المختص بتقييم الرواتب وأرباب العمل بحسب الوظائف. كما يمكن القول إن شركة "ريكروت" هي أكبر شركة إنترنت في اليابان، ولديها أفضل المنصات الإلكترونية المختصة بالعقارات، وحجوزات المطاعم، والسفر والسيارات المستعملة. وقد بلغ عدد موظفي شركة "ريكروت" حوالي 47 ألف موظف، وحققت الشركة مبيعات بقيمة 2.3 تريليون ين (21 مليار دولار) في سنتها المالية الأخيرة المنتهية في شهر مارس الماضي
إيديكوبا نوّه خلال المقابلة، إلى أن الجائحة أظهرت بوضوح أن عملية التوفيق بين الأشخاص والوظائف المناسبة لهم باتت "معطلة تماماً".
قال إديكوبا: "نحن نعلم حقيقة أن المليارات والمليارات من الأشخاص يتقدمون للحصول على وظائف، و90% إلى 95% منهم لا يتلقون أي رد من أصحاب العمل". قائلاً إن أصحاب العمل لا يمتلكون أي دافع للاتصال بالمتقدمين غير المقبولين، بمجرد شغل الوظائف الشاغرة لديهم. وأضاف: "ولذلك، نعمل على تطوير حلول لهذه المشكلات".
اللامركزية في التوظيف
من جهته، تحدث ماسومي مينيجيشي، المدير التنفيذي السابق لإديكوبا، والذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة "ريكروت" حالياً، عن الأهمية المتساوية التي يحملها كل من مجالي عمل الشركة الآخرين أيضاً، وهما المنصتين الإلكترونيتين؛ الموجهة للمستهلك، وتلك المختصة بخدمات الموارد البشرية.
بينما يركز الرئيس التنفيذي الجديد بشكل أكبر على وحدتي الوظائف والتوظيف، والتي شكلتا في العام الأخير حوالي 70% من الإيرادات.
وقد أثبت نموذج التوظيف اللامركزي أنه يمثل عقبة إلى حد ما، في ظل قيود وباء "كوفيد-19"، حيث تصدر عملية صنع القرار من أجزاء الأنشطة المختلفة في عالم الأعمال. وقال إيديكوبا: "لم يكن لدينا تسلسل قيادي قوي"، وأضاف أن هذا سمح لهم أيضاً بالتمتع بالمزيد من المرونة في "حالة الطوارئ".
ويشتهر ديكو، كما يُعرف بين زملائه، بارتداء نظارات ذات تصميمات غير اعتيادية، وبأسلوبه غير الرسمي في الإدارة إلى حد ما. وكان إيديكوبا قد بدأ العمل في "ريكروت" بالجانب الذي يركز على المستهلك، بحثاً عن مستخدمين لموقع الحجز الفندقي الخاص بالشركة، وتطوير منصتها للحجوزات "هوت بيبر"، والتي توفر بوابة إلكترونية لحجوزات المطاعم والمواعيد في صالونات التجميل.
موقع "إنديد"
ومنذ ما يقرب من عقد من الزمان، دفع إيديكوبا من أجل استحواذ شركة "ريكروت" على شركة "إنديد" الأمريكية الناشئة مقابل مليار دولار. وانتقل إلى مدينة أوستن، بولاية تكساس، لتشغيل المنصة الإلكترونية للشركة، والتي باتت تضم الآن 250 مليون مستخدم شهرياً وفقاً لموقعها.
وقد ساعدت عمليات الاستحواذ الناجحة، والنمو في عدد المستخدمين، على تعزيز قيمة أسهم شركة "ريكروت" بأكثر من خمسة أضعاف، منذ طرح الشركة للاكتتاب العام قبل سبع سنوات، وهو ما منحها قيمة سوقية تقدّر بـ 9.5 تريليون ين.
الاندماج والاستحواذ
يقول إديكوبا: "لا أعرف ما إذا كان سعر السهم الحالي جيد أم سيئ، لكن ما أعرفه هو أن السوق، أي سوق الموارد البشرية كبيرة". مضيفاً: "تتمثل مهمتنا ورؤيتنا في تبسيط عملية التوظيف، لذلك من أجل فعل ذلك، سنواصل الاستثمار في تقنيتنا وكذلك الاستمرار بعمليات الاندماج والاستحواذ".
وفي الوقت الذي تكافح فيه معظم الشركات اليابانية للإضافة لقيمتها من خلال عمليات الاستحواذ والاستثمارات الخارجية التي تجريها، فمثلاً أدت توسعات مجموعة "نيبون تيليغراف آند تيليفون" اليابانية في الخارج إلى خسائر بمليارات الدولارات، إلا أن مساعي شركة "ريكروت" كانت أكثر صلابة. حيث قفزت قاعدة مستخدمي بوابة "إنديد" الإلكترونية بثلاثة أضعاف تحت إشراف إديكوبا.
ومع ذلك، فقد تباطأ إبرام صفقات شركة "ريكروت" في السنوات الأخيرة. وكان طرح الشركة للاكتتاب العام في عام 2014، يرجع جزئياً لجمع السيولة وإصدار الأسهم العامة التي يمكن استخدامها في عمليات الاستحواذ الكبرى. لكن أكبر صفقة للشركة، منذ ذلك الحين كانت شركة "غلاسدور"، التي تمت قبل ثلاث سنوات.
لكن لا يزال هناك الكثير من الأموال في حوزة الشركة؛ فمع نهاية شهر مارس الماضي، كان لدى شركة "ريكروت" ما يقدر بنحو 501 مليار ين من النقد وما يعادله.
وبحسب ايديكوبا فإن عمليات الاستحواذ الأصغر حجماً تصبح أكثر احتمالية الآن، وذلك بالنظر إلى أن شركة "ريكروت" لديها بالفعل شركتا "إنديد" و"غلاسدور". وقال: "هذه تعتبر منصات أكبر نسبياً، وستكون الاستحواذات من النوع الصغير، أسهل بالطبع. ولكن إذا ظهرت فرصة كبيرة، فإني سأقوم باستغلالها".
عالم من البيانات
ووفقاً لايديكوبا فإن المجال الرئيسي الآخر للاستثمار في الشركة سيكون في التكنولوجيا. ويُعد تعزيز قدرة منصتي المستهلك والوظائف على مشاركة المزيد من البيانات، هدفا رئيسياً بالنسبة لـ "ريكروت".
قال إديكوبا: "ما أفكر فيه هو كيف يمكن إعادة تنظيم، وإعادة تصميم كل شيء باستخدام المزيد من الأعمال المستندة على التكنولوجيا والمنصات الإلكترونية". وتابع: "أفكر في مدى عمق واتساع البيانات المتوفرة. مثلاً، هذا شخص تفحصّ وظيفة لمدة 20 دقيقة ثم تم رفضه. عندما نفكر في البيانات المتعلقة بكل باحث عن عمل، أعتقد أن لدينا بيانات أكبر من أي جهة أخرى".
قصة نجاح
يذكر أن شركة "ريكروت" تعتبر إحدى أكثر الشركات شهرة في اليابان. وقد كان مؤسسها جزءاً من فضيحة متعلقة بالشركات في البلاد، أسقطت معها رئيس الوزراء حينها. وتٌركت "ريكروت" مثقلة بالديون، مع خروج مؤسسها هيروماسا إيزوي، لتجد الشركة نفسها مملوكة بحصة الأغلبية من شركة التجزئة "دايي" (Daiei). ومن ثم قام مينيجيشي مع الموظفين الآخرين في الشركة بتولي المسؤولية، ليعيدوا تأهيلها وتحويلها إلى إحدى أكبر الشركات اليابانية ذات القيمة المرتفعة، والتي تتمتع بنموذج عمل وثقافة، غير اعتياديين.
ويقول إيديكوبا، إنه في الواقع، قد تحتاج "ريكروت" إلى تبني عمليات صنع قرارات أكثر مركزية، خاصة عندما يتعلق الأمر بضمان حوكمة أفضل.
وربما كان إيديكوبا يستخلص درسا من "أسلوب إيزوي" وأحد أبطاله التاريخيين، الساموراي توشيميتشي أوكوبو من القرن التاسع عشر، والذي كان له دور فعّال في الإطاحة بحكومة الحاكم العسكري الشوغون، واستعادة الحكم الإمبراطوري. وقد أرسى أوكوبو أسس اليابان المعاصرة، ودفع باتجاه الحداثة. وهو يعد أيضاً شخصية مثيرة للجدل، حيث يُنظر إليه في الواقع كديكتاتور.