يشدد المنظمون الأمريكيون موقفهم من الشركات الصينية المُصنعة لكاميرات المراقبة وغيرها من الأجهزة الحاسوبية.
لكن رغم ذلك، إذا نظرنا إلى قواعد اللعبة القديمة، سنجد أن واشنطن بذلك تُحوِّل تركيزها بعيداً عن المستقبل، وتقلل من قدرة الولايات المتحدة على أن تظل رائدة عالمياً في مجال التكنولوجيا.
حظر فيدرالي
ويوم الخميس الماضي، اقترحت لجنة الاتصالات الفيدرالية، فرض حظر على استخدام بعض منتجات الاتصالات السلكية واللاسلكية وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، التي تُصنعها الشركات الصينية، بما في ذلك واحدة من أكبر الشركات المصنعة لكاميرات المراقبة في العالم، وهي شركة "هيكفيجن ديجيتال تكنولوجي" (Hikvision Digital Technology Co)، التي يقع مقرها في مدينة هانغتشو، إضافة إلى شركة "داهوا تكنولوجي" (Dahua Technology Co).
وأشار أمر الحظر إلى مخاطر الأمن القومي المزعومة، كما يسعى أيضاً إلى حظر المبيعات الأمريكية المستقبلية لتلك المنتجات، ويمكن أن يلغي التراخيص المسبقة للمعدات.
وقالت "هيكفيجن"، إنها "تعارض بشدة" إجراء لجنة الاتصالات الفيدرالية، بينما وصفته "داهوا" بأنه "لا مبرر له".
تأثير سلبي
إن محاولة تخليص الولايات المتحدة من المعدات والكاميرات الإلكترونية الموجودة في زوايا الشوارع، وساحات المدارس، ومرافق الحكومة المحلية، ستكون ذا تأثير مُخرِّب أكثر من كونها خطوة استباقية.
فمن الناحية الأولى، لا توجد العديد من البدائل الأفضل، كما أن البحث عن منتجات جديدة، أو التخلص التدريجي من المنتجات القديمة، سيكون عملية طويلة لن تؤدي بالضرورة إلى التراجع عن أي ضرر مزعوم للخصوصية أو الأمان، هذا إن كان هناك أي ضرر على الإطلاق.
بل وفي بعض الحالات، يُنظر إلى هذه التكنولوجيا على أنها مفيدة. ففي عام 2018، قالت إدارة شرطة "ممفيس"، التي اشترت المئات من كاميرات "هيكفيجن" في العِقد السابق، إن تلك الأجهزة ساعدتها في إجراء ما يصل إلى 100 عملية اعتقال سنوياً، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في ذلك الوقت.
تقدّم الشركات الصينية
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، حاولت مختلف الإدارات الحكومية الأمريكية استبعاد الشركات الصينية من خلال وضع قيود مماثلة.
وبدلاً من أن تنتظر تلك الشركات حتى يتم فتح تلك المصادر المحدودة لإيراداتها الخارجية، انتقلت ببساطة إلى الأمام.
وحالياً، باتت هذه الشركات تتقدم في مجالات أخرى، مثل: الروبوتات، وأنظمة المركبات الذكية، وتقنيات الكواشف الحساسة، وتطبق على نطاق واسع ما يسمى بتقنيات الإدراك متعدد الأبعاد، التي من شأنها تحسين قدرات الذكاء الاصطناعي للاستخدامات الصناعية وغيرها.
"هيكفيجن"
أيضاً وجدت "هيكفيجن" الدعم محلياً، وعززت جهود البحث والتطوير. وفي أحدث تقرير سنوي لها، أشارت إلى أن الإنفاق على البحث والتطوير بلغ 6.38 مليار يوان (حوالي 1 مليار دولار)، أو ما يعادل 10.04٪ من إجمالي الدخل التشغيلي، مع زيادة المصروفات بنسبة 16٪.
كما أشارت الشركة إلى أن لديها أكثر من 20 ألف موظف، يركزون على هذا المجال والخدمات الفنية الأخرى.
ونما الدخل التشغيلي من شركات التكنولوجيا المبتكرة بنسبة 40٪ تقريباً خلال العام الماضي، مقارنة بحوالي 8٪ للتقنيات والمعدات القديمة.
"هواوي"
في الوقت نفسه، تعزز شركة "هواوي تكنولوجيز" مكانتها المهيمنة، وتتوسع في أجزاء أخرى من العالم مثل أفريقيا.
وركزت الشركة على الخدمات السحابية بوصفها أولوية استراتيجية لها، وخلال العام الماضي، في خضم الوباء، نمت الإيرادات الناتجة عن هذا القطاع بنسبة 168٪.
في هذه المرحلة، لا جدوى من إهدار الوقت والمال والجهد في البحث بالماضي، أو أي مخاوف يمكن أن تكون مرتبطة به، فكل هذا سيكون أمراً غير مجدٍ.
النظر إلى الأمام
ورغم أن الولايات المتحدة تحدد المعايير التكنولوجية العالمية حالياً، إلا أنها لا تزال تحاول اللحاق بالركب في مجالات أخرى مثل شبكات ومعدات الجيل الخامس.
في هذه الأثناء، يقوم المخططون الحكوميون في الصين بشق طريقهم نحو إنشاء بنية تحتية واسعة النطاق للجيل الخامس، واستيراد الآلات من اليابان، وبناء عشرات الآلاف من المحطات التأسيسة، التي تعتبر اللبنات الأولى لبناء الجيل التالي في مجال الاتصالات. وأصبح هذا الآن جزءاً أساسياً من السياسة الصناعية للصين على مدار السنوات الخمس المقبلة.
ختاماً، يتمثل الخطر الحقيقي للولايات المتحدة في أن الشركات الصينية تعمل على تطوير تقنية جديدة أخرى على نطاق واسع، والتي سيتعين على الشركات المصنعة الأمريكية محاولة اللحاق بها. ولن يساعد النظر إلى الوراء على مضي الولايات المتحدة قدماً.