مع ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، يهدِّد ارتفاع مستويات سطح البحر باقتلاع أكثر من ثلث سكان العالم من جذورهم. ويعدُّ فهم مدى سرعة ارتفاعها، ومقدار الارتفاعه أيضاً، مهمٌ للغاية لصانعي السياسات الذين يحاولون حماية المجتمعات التي تعيش بالقرب من الساحل،فضلاً عن العلماء المهتمين بتأثيرات الاحتباس الحراري. من أجل التنبؤ بكيفية ارتفاع مستوى سطح البحر في المستقبل.
ويحتاج العلماء إلى بيانات على مدى فترة طويلة من الزمن. ولعلَّ الأقمار الصناعية لرصد الأرض، أفضل أداة لدينا للقيام بذلك. لقد أطلقناها في الفضاء منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، إذ تدور حول الأرض، وتتبع البيانات التي يمكن استخدامها لتقدير ارتفاع مستوى سطح البحر. ولكن، وفقاً للعالم "ناسا جوش ويليس"، فالتكنولوجيا التي يستخدمونها ظلَّت كما هي إلى حدٍّ كبير على مر السنين.
قمر جديد للاستشعار
أطلق "ويليس"، وفريقه القمر الصناعي Sentinel-6 Michael Freilich، يوم السبت، وعملت الولايات المتحدة وأوروبا على المشروع معاً على أمل أن يتمكن Sentinel-6 من قياس تطور مستويات سطح البحار التي تغطي 90 % من العالم للتنبؤ بحركتها خلال السنوات العشر القادمة.
إنَّ مقارنة البيانات التي جمعها القمر مع بيانات أسلافه، التي تعود إلى التسعينيات، تساعد الباحثين على توقُّع ارتفاع مستوى سطح البحر خلال العقود القليلة المقبلة. قال "ويليس": "تبيَّن أننا ممتازون في توقع الاحتباس الحراري، ولكننا سيئون في توقع مستوى ارتفاع البحر." وأضاف: "إنَّ أفضل طريقة لتوقع ذلك الآن، هو النظر إلى السنوات الـ10 أو الـ20 أو الـ30 الماضية على الأقل، ومحاولة توسيع ذلك ليشمل المستقبل."
اعتمد العلماء على الطريقة نفسها لقياس ارتفاع مستوى سطح البحر لعقود. كما يقوم رادارٌ موجودٌ في الجزء السفلي من القمر الصناعي بإطلاق موجات الراديو على سطح المحيط، ويقيس المدة التي تستغرقها الأمواج لتضرب المياه وتعود. ويتضمَّن الرادار نظام تحديد المواقع "GPS"، وأنظمة تحديد المواقع الأخرى لتحديد موقع القمر الصناعي. إنَّ مقارنة البيانات بمرور الوقت، تُظهر مدى تغيُّر ارتفاع سطح الماء.
تكنولوجيا جديدة
سيتضمَّن Sentinel-6 بعض المعدَّات الجديدة التي ستساعد على صقل العملية. مثلاً، سيتمكن راداره من قراءة البيانات الأقرب إلى الساحل أكثر من ذي قبل وبتفصيلٍ أدق. نظرت الأدوات السابقة إلى مساحاتٍ أكبر من الماء في الوقت نفسه، مما جعل التمييز بين الماء والأرض على طول السواحل صعباً.
ويملك Sentinel-6 أيضاً مقياس إشعاعٍ مستقرٍ أكثر من الأقمار الصناعية السابقة، ويجب أن يساعد هذا على تقديم قراءات دقيقة أكثر. كما تُصبح موجات الرادار أبطأ عندما تصطدم بالماء، وكلَّما كانت كمية المياه أكبر، تحرَّكت بشكلٍ أبطأ.
وينظر مقياس الإشعاع إلى الأسفل عبر الغلاف الجوي لرؤية كمية المياه الموجودة في الهواء، ليتمكن العلماء بالتالي من تصحيح ذلك عند تحديد التوقيت الذي ستستغرقه الأمواج للوصول إلى الماء والعودة. كما سيتضمن القمر الصناعي الجديد جهازاً لقياس احتجاب الموجات اللاسلكية أيضاً، وهو عبارة عن لاقط "GPS" يتطلع إلى الأمام، ويشاهد أقمار "GPS" الصناعية التي تظهر في الأفق أثناء تحليقها. ويقيس الجهاز تغيير درجة الحرارة والرطوبة لقسم من الغلاف الجوي، مما قد يساعد على توقع الطقس.
يقول "كريغ دونلون"، عالم المحيطات والجليد في وكالة الفضاء الأوروبية، الذي كان مشاركاً في المشروع أيضاً، إنَّ Sentinel-6 من أحدث التقنيات للمدار المحدَّد الذي سيسافره. قال: "إنَّ مستوى البحر، هو أمرٌ نريد حقاً أن نكون على علمٍ به." وأضاف: "إنها إحدى هذه الظواهر المشؤومة والمخيفة للعالم التي تساهم في القضاء على الدفاعات الساحلية، مما يؤدي إلى تآكل مجتمعنا." وإنَّ إطلاق Sentinel-6 سيسمح للعلماء بجمع بياناتٍ جديدة مدة 10 سنوات. ويتم بناء هذه الأقمار الصناعية لتستمر بين خمس وسبع سنواتٍ، لذا سيتم إطلاق نموذجٍ مماثلٍ ثانٍ في 2025. بالإضافة إلى ارتفاع مستوى البحر، وسيتعقَّب القمران الصناعيَّان أيضاً دوران المحيطات والضغط الجوي والرطوبة. ويعمل العلماء على القفزة التكنولوجية التالية في قياس تغيُّر مستوى المياه بمرور الوقت. وتخطِّط الولايات المتحدة وفرنسا وكندا على إطلاق القمر الصناعي "SWOT"، الذي سيستشعر "المياه السطحية وتضاريس المحيطات"، في السنتين التاليتين. يقول "ويليس"، إنَّه سيأخذ أول مسحٍ عالمي لمياه الأرض السطحية، ويضعها "بدقة عالية".