يمثل مخطط الرئيس، جو بايدن، لقطاع أشباه الموصلات الأمريكي مجهوداً طموحاً لوضع سياسة صناعية لقطاع حيوي من الاقتصاد. لكن الاستراتيجية ستحتاج المزيد من الأموال والدعم العالمي لاستعادة التفوق في صناعة الرقائق واستباق الجهود المنافسة من الصين.
وضع البيت الأبيض، يوم الثلاثاء، الخطوط العريضة لخطة شاملة لتأمين معروض الموصلات للمنتجات الهامة بدءاً من الأدوية إلى الرقائق، فيما تعد استجابة جزئية للنفوذ الاقتصادي والسياسي المتزايد للمنافس الآسيوي. واحتلت أشباه الموصلات -المكونات الأساسية ولكن المتطورة بشكل لا يصدق في معظم الأجهزة الحديثة- الموضوع الرئيسي في تقرير للبيت الأبيض مكون من 250 صفحة، والذي سلط الضوء على "هدف بكين النهائي المتمثل في السيادة الإلكترونية وترسيخ تميزها باعتبارها المتحرك الأول".
وأظهر مجلس الشيوخ الأمريكي دعم الحزبين للمخطط من خلال تمرير مشروع قانون في نفس اليوم يضخ 52 مليار دولار لتعزيز تصنيع الرقائق محلياً، وهي خطوة تستهدف طمأنة قادة الصناعة مثل "انتل كورب"، و"سامسونغ إليكترونيكس"، وشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات "TSMC" في الوقت الذي يفكرون فيه في زيادة استثماراتهم في الطاقة الإنتاجية في الدولة، وهو تعهد ضخم، لكن الأموال ستصرف سريعاً، إذ تبلغ تكلفة إنشاء مصنع واحد لصناعة رقائق السيليكون المتقدمة أكثر من 10 مليارات دولار.
كسر تقاليد السياسة الأمريكية
جعلت الصين الإنجازات التكنولوجية إحدى الركائز الرئيسية في خطتها الخمسية الرابعة عشرة، إذ تعهد الرئيس، شي جين بينغ، بـ1.4 تريليون دولار على مدار ست سنوات لتحقيق الريادة في قطاعات مثل الرقائق والذكاء الاصطناعي والقيادة الذاتية، كما التزمت الشركات الكورية الجنوبية مثل "سامسونغ"، و"إس كيه هاينكس إنك" (SK Hynix Inc) باستثمار 450 مليار دولار على مدى عشر سنوات في أبحاث الرقائق وزيادة القدرة الإنتاجية، بينما خصصت "TSMC" وحدها 100 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة.
تعليقاً على الموضوع، قالت آن هويكر، الشريكة في "بين آند كومباني": "يعد مبلغ 50 مليار دولار بداية رائعة، لكن هذه الصناعة عالية التكاليف وتتمتع بمستويات كبيرة من الدعم الحكومي عبر المناطق الجغرافية المختلفة"، وأضافت أن هذا الاستثمار "يقدم مزيداً من التطمينات لصناع أشباه الموصلات للمضي قدماً في استثمارات كبيرة ومتعددة السنوات".
يبدي الرئيس بايدن استعداده لكسر تقاليد السياسة الأمريكية بعدم التدخل في الصناعات، ويرى أن صناعة أشباه الموصلات تستحق نهجاً مختلفاً نظراً للتدخل الحكومي العميق في القطاع في الدول الأخرى، كما أنه يحظى بحلفاء أقوياء في الدول الرائدة في المجالات المختلفة لقطاع صناعة الرقائق العالمي العملاق.
أهداف البيت الأبيض
من بين الأهداف الموضحة في تقرير يوم الثلاثاء جذب المزيد من الاستثمار الخاص من الخارج والاستفادة من القوة الدبلوماسية الأمريكية، وتجري "TSMC" و"سامسونغ" حالياً محادثات لتأمين الحوافز الضرورية لبناء مصانع رقائق متقدمة في الولايات المتحدة، وهو ما قد يزيد على الفور الدراية بأشباه الموصلات والقدرة الإنتاجية في الولايات المتحدة.
دعا البيت الأبيض أيضاً إلى ضوابط تصدير فعالة ومتعددة الأطراف والتي من شأنها "حماية مصالح الأمن الوطني الأمريكي من خلال الحد من إمكانات أشباه الموصلات المتقدمة في دول محددة".
وتعد هولندا موطن شركة "إيه إس إم إل هولدينغ" (ASML Holding NV)، التي تتمتع باحتكار كامل تقريباً لسوق معدات الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية المتطورة والضرورية في صنع رقائق 5 نانومتر الأكثر تقدماً وغيرها. ولم تتمكن الشركة من شحن أي من تلك الأنظمة إلى الصين لأن الحكومة الهولندية لم تجدد تراخيص التصدير للعملاء الصينيين. وفي نفس الوقت، توفر شركة "طوكيو إلكترون" وشركة "نيكون كورب" اليابانيتين معدات متطورة لشركات تصنيع الرقائق من الدرجة الأولى مثل "إنتل" وكذلك الشركات الصينية.
حل لأزمة الإمدادات
تعكس خطة بايدن جزئياً القلق المتزايد على مستوى العالم، وتظهر مدى الاعتماد الشديد للعالم على مجموعة تعد على الأصابع من موردي الرقائق الأساسيين في آسيا مثل "TSMC" العام الجاري، بعد أن أدت أزمة إمداد عالمية إلى توقف مصانع العديد من شركات صناعة السيارات الأمريكية، وهو ما يهدد بخسائر قدرها 110 مليار دولار من المبيعات.
ويعد التهديد المتزايد من الصين الخطر الآخر على المدى الطويل. ولا تزال الدولة متخلفة عدة أجيال على الأقل عن تايوان والولايات المتحدة في تصميم الرقائق المعقدة، لكن سجل الصين الحافل بكونها أرض المصانع في العالم والحزم الهائلة من البيانات يمكن أن تمنحها ميزة في قطاعات محورية معينة، مثل العمل كثيف العمالة لكنه حيوي في تجميع أشباه الموصلات وترزيمها، أو المجال الناشئ وهو الرقائق المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
وفي علامة على مدى أهمية هذه الجهود، اجتمع كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال أشباه الموصلات وكبار صانعي السياسات في نانجينغ الأسبوع الجاري لحضور مؤتمر أشباه الموصلات العالمي، ومدته ثلاثة أيام، لتبادل الأفكار حول المناهج المستقبلية وتعزيز التحالفات.
وقال هيوكر من شركة "بين آند كومباني" إن ترزيم الرقائق المتقدم يوفر للصين فرصة لتحسين الأداء من خلال الجمع بين عدد من الرقائق في رزمة واحدة، لكنه في النهاية ليس بديلاً عن التطوير الأساسي لأشباه الموصلات.
وقال وو هانمينغ، عضو الأكاديمية الصينية للهندسة، وهي معهد أبحاث مدعوم من الحكومة يضم نخبة العلماء: "كانت الصين تطارد بقية العالم خلال العقد الماضي، لكن مع تحسن أداء الرقائق بوتيرة أبطأ بشكل ملحوظ اليوم مقارنة بالسنوات الماضية، من المؤكد أن الصين ستكون قادرة على سد الفجوة مع رواد المجال".
تحفيز الصناعة المحلية
على المدى القصير، يعطي مخطط بايدن دعماً قوياً فورياً. ومن المتوقع أن يضيف البرنامج الفيدرالي بقيمة 50 مليار دولار لتحفيز تصنيع أشباه الموصلات محلياً إلى الاقتصاد الأمريكي 24.6 مليار دولار سنوياً، وفقاً لتقديرات جمعية صناعة أشباه الموصلات و"أكسفورد إيكونوميكس". كما قد يخلق 280 ألف وظيفة دائمة، من بينها 42 ألف في صناعة أشباه الموصلات مباشرة.
وفي هذا الشأن يقول دان وانغ، محلل التكنولوجيا في "غافيكال دراغونوميكس": "هدف أشباه الموصلات في الولايات المتحدة أبسط من هدف الصين لأنها تحتاج فقط دعم تصنيع الرقائق، وهي تسير بالفعل على المسار الصحيح. أما التحدي الذي يواجهه الصين فهو ليس إتقان تصنيع الرقائق فحسب، وإنما أيضا ابتكار المعدات اللازمة لإنتاجها والتي تعد من أكثر المعدات تعقيدا في العالم".
[object Promise]