تأتي الإدارات السياسية وتذهب، ولكن يعلم الرؤساء التنفيذيون من أمثال تيم كوك رئيس شركة "أبل" أنه لا توجد طريقة أفضل من الإنفاق المالي لإظهار دعمهم لها بغض النظر عن المسؤول عنها.
قالت "أبل" يوم الإثنين إنها سترفع التزاماتها الاستثمارية الأمريكية بنسبة 20% إلى 430 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة. ويحل الرقم الجديد، الذي يشمل الإنفاق مع الموردين الأمريكيين وبناء مراكز البيانات والنفقات المحلية الأخرى، محل هدف الشركة الخمسي السابق البالغ 350 مليار دولار والذي تم تحديده في عام 2018 في ظل إدارة ترمب. بعد ذلك، دفعت التخفيضات الضريبية على الشركات "أبل" إلى القول إنها ستعيد بعض مخزونها النقدي الخارجي إلى الوطن، مما يسمح بزيادة الإنفاق ويمنح الشركة أيضاً فرصة لتسجيل مكسب سياسي من خلال وعود الوظائف. وحينها، غرّد الرئيس السابق دونالد ترمب أن ذلك "فوز ضخم للعمال الأمريكيين والولايات المتحدة الأمريكية!"
رسالة إلى السياسيين
يعتبر الرقم الذي تم الإعلان عن زيادته يوم الإثنين أمر إيجابي كبير، إذ يشير إلى ثقة "أبل" في الاقتصاد واستعدادها للاستثمار بقوة من أجل مواكبة وتيرة الابتكار. وفي بيانها الرسمي، قالت شركة التكنولوجيا العملاقة إنها ستستثمر عشرات المليارات من الدولارات لتطوير الجيل التالي من أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي وتقنيات الجيل الخامس اللاسلكية، وكلها مجالات شديدة الأهمية لـ"أبل" من أجل إنشاء منتجاتها المستقبلية والمنافسة في السوق. ولكن من الواضح أن هذا الإعلان لا يخلو أيضاً من عنصر سياسي. فهو يخبرنا كيف تكرر "أبل" أنها أكبر دافع للضرائب في الولايات المتحدة، وأنها تدعم أكثر من 2.7 مليون وظيفة في جميع أنحاء الاقتصاد، وتقول الشركة بوضوح إن استثماراتها تستلزم العمل مع أكثر من 9000 مورد في جميع الولايات الخمسين. وقدّمت "أبل" أيضاً خططاً تفصيلية لخلق فرص عمل مستقبلية بكاليفورنيا، وكولورادو، وماساتشوستس، وتكساس، وواشنطن، وأيوا. وكل ذلك يرسل رسالة إلى السياسيين المحليين والفيدراليين وعلى مستوى الولاية حول مدى مساهمة الشركة في اقتصاداتهم.
تحت المراقبة
بالتأكيد لم يأت التوقيت من قبيل الصدفة، حيث تدرس إدارة بايدن زيادة العبء الضريبي على عمالقة التكنولوجيا الكبيرة من أمثال شركة "أبل" عن الأرباح المتواجدة في الخارج. يهدف الاقتراح إلى التشديد على ممارسة وضع الأصول المدرّة للدخل في الدول الخارجية ذات الضرائب المنخفضة. كما يخطط بايدن إلى رفع معدل الضريبة على الشركات إلى 28% من 21%. إذا تعثرت تدفقات الأرباح بعد الضرائب، فقد لا تتمكن "آبل" من استثمار الكثير في المستقبل، أو على الأقل أظن أن هذا ما يقولونه وراء الأبواب المغلقة.
هناك القضايا التنظيمية أيضاً. فلقد خضعت "أبل" لتدقيق متزايد بخصوص مكافحة الاحتكار خلال العام الماضي. وتخضع الشركة أيضاً لتحقيقات متعددة من قبل الاتحاد الأوروبي. كما يحقق الكونغرس في مزاعم متعلقة بممارسات تجارية معادية للمنافسة بمتجر التطبيقات الخاص بها. وأدلى مسؤولون تنفيذيون من "سبوتيفاي تكنولوجي" ومحموعة "ماتش" يوم الأربعاء الماضي بشهادة أمام لجنة مكافحة الاحتكار التابعة للجنة القضائية بمجلس الشيوخ، حيث اشتكوا من الرسوم المرتفعة في متجر التطبيقات والقواعد التقييدية لدى "أبل". وربما كطريقة للرد على ذلك، شدّدت "آبل" مراراً وتكراراً يوم الإثنين على أن اقتصاد تطبيقات "آي أو إس" يوفّر سبل العيش لملايين المطورين.
ليست الوحيدة
لم تكن "أبل" الشركة الوحيدة التي سخّرت استثماراتها لإثبات وجهة نظر سياسية. فقد أعلنت شركة "إنتل" العملاقة للرقائق الإلكترونية في شهر مارس أنها ستنفق 20 مليار دولار على بناء مصنعين جديدين في ولاية أريزونا، ومن المتوقع أن يوفرا ما يقرب من 15 ألف وظيفة محلية. ويتوقع المحللون أن تتمكن "إنتل" من الحصول على إعانات وحوافز مستقبلية من إدارة بايدن لبناء المزيد من مصانع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة.
هذه تحركات ذكية من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى، فبعد كل شيء، لا ضرر في إظهار حجم المساهمات علناً وتغليفها سياسياً، حتى لو كانت "أبل" ستنفق وتستثمر في هذه المجالات على أي حال. ومن يدري، قد يغيّر هذا من رأي عضو أو اثنين في الكونغرس.