طموح البلاد الكبير يحتاج للتمييز بين الضجة التي تحيط بهذا القطاع وجوهره مع تفادي ارتكاب بعض الأخطاء نفسها

ماليزيا تراهن على الذكاء الاصطناعي لاستعادة سحرها

المسجد الهندي خلف جسر دار الهناء ،مضاء ليلاً ، في حي كوتشينغ بمنطقة ساراواك في ماليزيا - المصدر: بلومبرغ
المسجد الهندي خلف جسر دار الهناء ،مضاء ليلاً ، في حي كوتشينغ بمنطقة ساراواك في ماليزيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

بعد 5 عقود من حصول صناعة الإلكترونيات على موقعٍ راسخٍ في ماليزيا وقيادتها أعواماً من النمو القوي، يعاود القادة وضع ثقتهم في مجال الرقائق.

ومن شأن الذكاء الاصطناعي والمنافسة على تقديم ماليزيا بوصفها أفضل وجهة صديقة للاستثمار، أن يمنحا دفعة قوية للبلاد هي في أمس الحاجة إليها. فبعد أن كان يُنظر إليها في السابق على أنها نموذج للاقتصادات النامية، تعاني البلاد حالياً من تباطؤ النمو الاقتصادي والتمزق والصراع السياسي.

ويكمن التحدي في التمييز بين الضجيج الذي يحيط بالذكاء الاصطناعي وبين الجانب الجوهري فيه، وما إذا كان بمقدور ماليزيا أن تتجنب ارتكاب بعض الأخطاء بنفسها.

تقدم رئيس الوزراء أنور إبراهيم مؤخراً بخطته وتعهدت الحكومة بتخصيص 25 مليار رينغيت ماليزي (5.3 مليار دولار أميركي) لدعم قطاع أشباه الموصلات.

أشار أنور إلى تحد يواجه البلاد منذ مدة طويلة، وهو ضرورة التحول من مجرد مركز للتجميع والاختبار إلى مجالات أكثر ربحية مثل التصميم.

يراهن رئيس الوزراء أيضاً على أن ماليزيا -وهي واحدة من أكبر الدول المصدرة للرقائق إلى الولايات المتحدة الأميركية ولديها مع ذلك تاريخ من العلاقات الودية مع الصين- يمكن أن تكون لاعباً أساسياً في عصر تتزايد فيه عملية تنظيم سلاسل التوريد وفقاً لاعتبارات الأمن القومي. وقال: "إنني أقدم دولتنا باعتبارها أكثر المواقع حيادية، ولا تنحاز لأي طرف".

حالة الهوس

إن الهوس بكل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي وبعض التعهدات من رواد التكنولوجيا تنتج دعاية إيجابية.

توافر قوى عاملة متعلمة في ماليزيا وانخفاض التكاليف نسبياً فضلاً عن قرب البلاد من سنغافورة، كل ذلك يجعل الشركات تشيد بمزايا البلاد، بنفس الطريقة التي كانت تشيد بها في أيام مجدها تحت قيادة مهاتير محمد، رئيس الوزراء السابق الذي حكم البلاد بقبضة قوية، ولكنه أدرك الحاجة إلى تسهيل عمل الشركات الكبرى متعددة الجنسيات.

تعهد ساتيا ناديلا، رئيس مجلس إدارة "مايكروسوفت"، الشهر الماضي باستثمار 2.2 مليار دولار لإنشاء البنية التحتية الرقمية. وصارت شركة "واي تي إل باور إنترناشونال" (YTL Power International ) نجمة السوق بعد أن أعلنت عن مشروع مشترك مع شركة "إنفيديا" لإنشاء مركز بيانات بقيمة 4.3 مليار دولار في ولاية جوهور الجنوبية.

قادني الحماس تجاه ماليزيا إلى تذكر تاريخ بينانغ، وهي جزيرة تقع شمال البلاد. فكان يذهلني دائماً أثناء زياراتي لها ذلك الاحترام الكبير الذي تحظى به شركة "إنتل" وقادتها الأوائل مثل غوردون مور وأندرو غروف.

جاء الرجلان إلى هذا المكان عندما لم يكن به سوى ميناء ومأكولات بحرية رائعة فقط، ولا شيء يذكر غير ذلك. ومع ذلك، كانت هناك إدارة حكومية حريصة على تعزيز التنمية. افتتحت "إنتل" في الجزيرة أول شركة تجميع واختبار لها خارج الولايات المتحدة في عام 1972، وما زالت الجزيرة مركزاً رئيسياً للشركة. وأصبحت الرقائق حالياً هي تقريباً أهم شيء في بينانغ، التي يلقبها سكانها بـ"جزيرة السيليكون". وتجري حالياً أعمال حفر واسعة النطاق واستصلاح للأراضي لزيادة مساحة المناطق الصناعية.

سحر ماليزيا

إذاً، هل سيعيد الذكاء الاصطناعي والموجة الجديدة من الاستثمارات التكنولوجية لماليزيا سحرها السابق؟

حقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً بمعدل متوسط بلغ 4% تقريباً خلال العقد الماضي، وهو معدل أبطأ كثيراً بالمقارنة مع الأيام النشطة خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وأوائل العقد الأول من القرن الحالي.

كذلك وفرت الحكومة الفيدرالية الاستقرار، إذ هيمن حزب واحد على الحكم منذ الاستقلال حتى عام 2018. تبع ذلك تحالفات ضعيفة وتعاقب للقيادات، حتى تمكن أنور إبراهيم من تشكيل حكومة وحدة وطنية في أواخر 2022. لا يستطيع أحد أن يجزم إذا كان هذا الفريق الحكومي سيصمد لولاية كاملة مدتها 5 أعوام.

أصبحت الاستثمارات التي تدفقت على بينانغ نموذجاً للتنمية والتحضر، إذ انتقل عمال المصانع من القرى الريفية إلى المراكز الحضرية.

تكرر هذا الاتجاه في كافة الأسواق الناشئة. فحتى تحافظ على تدفق الأموال، كان على البلدان الاستثمار بقوة في التعليم والبنية التحتية وتطوير بنية تنظيمية تدعم هذا التوجه.

كانت الظروف مهيأة لتحقيق النمو، وتحولت المجتمعات تحولاً جذرياً. وأصبحت ماليزيا اليوم على أعتاب أن تصبح من الدول ذات الدخل المرتفع، لكنها تسير بخطوات بطيئة نحو بلوغ الهدف.

يتمثل أحد التحديات الأخرى في تركيز قطاع أشباه الموصلات بمنطقة جنوب شرق آسيا حول أنشطة التجميع والاختبار والتغليف. كتب صني ليو، خبير اقتصادي في مؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس"، في تقرير له: "رغم أن صعود الذكاء الاصطناعي يوفر فرصاً تجارية هائلة وإمكانات نمو لقطاع أشباه الموصلات، إلا أن الفوائد لا تتوزع بالتساوي على امتداد سلسلة الإنتاج. وطالما استمرت دول تجمع الآسيان في التركيز على أنشطة التجميع والاختبار والتغليف، فإن الفوائد التي ستجنيها ستكون محدودة بالمقارنة مع الاقتصادات التي تشارك في أعمال التصميم والتصنيع".

مبدأ الحياد

كذلك فإن فكرة الحياد، كما صاغها أنور إبراهيم، تنطوي على مبالغة. فالتنافس على حصة من كعكة الذكاء الاصطناعي قد يربط هذه البلدان برباط أكثر إحكاماً بالولايات المتحدة الأميركية، أو على الأقل بمنطقة الساحل الغربي الأميركي.

ربما يردد الدبلوماسيون العبارات الرنانة حول عدم الرغبة في الانحياز لأي طرف، ولكن من المحتمل أن ينحاز المسؤولون في كل قرار على حدة إلى معسكر واحد أكثر من الآخر. وتصبح الموازنة بين واشنطن وبكين، وهو أمر برعت فيه ماليزيا، عملية أشد صعوبة.

من حق البلاد أن تسعى لجذب الذكاء الاصطناعي. فلا يمكنها أن تسمح بتباطؤ النمو كثيراً، ولا تتحمل ترك جيرانها يتفوقون عليها.

علينا أن نكون واقعيين. لقد اُرتكبت بعض الأخطاء، وستُرتكب مرة أخرى. وتستطيع ماليزيا أن تتحدث عن أهداف كبيرة لكنها لا تحققها دائماً.

وقد يلعب سوء الحظ دوراً هو الآخر. ففي عام 1996، بدأ مهاتير في تطوير خطط لممر الوسائط المتعددة فائق التطور، وهي منطقة تكنولوجية تمتد من كوالالمبور عبر العاصمة الإدارية الجديدة وحتى المطار. ثم عانت البلاد من انقطاع على نطاق واسع للكهرباء. وشعر رئيس الوزراء السابق بحرج شديد بسبب الفشل.

سيأمل أنور أن تتحقق مضاهاة تاريخية مختلفة. ففي عام 1975، وبعد أعوام قليلة من وجود شركة "إنتل" في بينانغ، دمر حريق جزءاً كبيراً من المنشأة. وكان الموظفون مصممين على مواصلة العمل وتلبية الطلبات. وُزعت عليهم قمصان مطبوعة عليها عبارة "إنتل مستمرة في تسليم الطلبات". إذا كانت ماليزيا تبحث عن شعار ملهم، فلن تجد أفضل من محاكاة هذه الرسالة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك