تعهدت الصين بتسخير جميع موارد البلاد لتسريع الإنجازات العلمية المحلية، مؤكدة من جديد على أن الأولوية المركزية بالنسبة لها هي الاعتماد على نفسها في كثير من المجالات من الذكاء الاصطناعي حتى تصنيع الرقائق لانتزاع التفوق التكنولوجي من الولايات المتحدة الأميركية.
شددت بكين على هدف طويل الأجل يتمثل في كسر السيطرة الأميركية المحكمة على بعض المجالات الأساسية، بحسب تقارير العمل الحكومية المقدمة إلى المجلس التشريعي بالبلاد اليوم.
سترفع الحكومة المركزية الإنفاق على البحوث العلمية والتكنولوجية بنسبة 10% إلى 370.8 مليار يوان (51.5 مليار دولار) خلال 2024، وتدعم الشركات الوطنية الكبيرة المهيمنة في الاقتصاد المحلي، وتمنح المؤسسات دوراً محورياً في قيادة التقدم، بحسب تلك التقارير، التي يجري فحصها بدقة بحثاً عن مؤشرات على اتجاه تفكير الرئيس الصيني شي جين بينغ.
تعبئة الموارد
جاء في التقرير الذي سلمه رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ للمشرعين اليوم في بكين: "سنستفيد بصورة كاملة من نقاط القوة بالنظام الجديد لتعبئة الموارد على الصعيد الوطني لتعزيز قدرة الصين على الابتكار في كافة المجالات. وسنحشد القوة العلمية والتكنولوجية الاستراتيجية لبلدنا وموارد الابتكار غير الحكومية لتحقيق إنجازات في التكنولوجيات الأساسية بمختلف المجالات الرئيسية وتكثيف بحوث التكنولوجيات المبتكرة والمتقدمة".
ستكون الصين بحاجة للتصدي لعدد كبير من التحديات خلال السنة الجارية، بما فيها طريقة مجابهة الحملة الأميركية لوقف تقدمها التكنولوجي بمجالات مثل الرقائق الإلكترونية والذكاء الاصطناعي الذي يعتبر مهماً لمستقبل البلاد. ويتعرض قطاع أشباه الموصلات في البلاد لظروف غير مواتية إذ تواجه شركات تصنيع الرقائق المحلية صعوبات في الوصول للمعدات المطلوبة لإحراز تقدم تكنولوجي، بينما تحرم شركات تطوير البرمجيات من رقائق شركة "إنفيديا" المتقدمة التي باتت معياراً لتدريب واستضافة منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي المشابهة لتطبيق "تشات جي بي تي".
نائب رئيس الصين يحث الشركات الأميركية على إيجاد مجالات تعاون جديدة
اكتفاء الصين تكنولوجياً
قال تشن يغوانغ، مندوب بـ"مؤتمر الشعب الوطني" وأستاذ علوم الحياة في جامعة تسينغهوا، لـ"بلومبرغ نيوز"، إن مثل تلك العقوبات تشير إلى جهود ممنهجة من بعض الدول الأجنبية -مثل الولايات المتحدة- لاحتواء الصين.
وأضاف في مقابلة أجريت معه في قاعة الشعب الكبرى: "عندما ترى بعض الدول أنك قوي، فإنها لن ترغب في دعمك وستستمر في محاولة حصارك، ولهذا السبب تحتاج الصين إلى الاكتفاء الذاتي في قطاع التكنولوجيا. ويجب أن نتأكد من تحقيق ذلك بشكل جيد، خاصة في مجالات مثل البحوث الأساسية".
تحت إشراف شي، عززت الصين سيطرة الدولة على قطاعات تحظى بأهمية استراتيجية بداية من تصنيع أشباه الموصلات إلى الحوسبة الكمية. وأطلق نوابه ما يسمى بنهج "الأمة كلها" لدفع التقدم التكنولوجي، وتنسيق الجهود الوطنية بصفة أساسية لتوجيه الموارد إلى كسر القيود الأميركية في مجالات التكنولوجيا الرئيسية. وأنفقت البلاد إجمالاً 3.3 تريليون يوان على البحوث الأساسية السنة الماضية، أي 2.6% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب التقرير.
في ظل هذه الظروف، دعمت بكين جهود الشركات الوطنية الكبرى مثل شركة "هواوي تكنولوجيز"، التي أذهلت الولايات المتحدة الأميركية السنة الماضية بتصميم وتصنيع رقائق أكثر تقدماً مما كانت واشنطن تظن أنها قادرة على صناعتها. وتواصل الحكومة دعم ظهور شركات رائدة محلية في قطاع التكنولوجيا مثل شركة "سيمي كونداكتور مانوفاكتشرينغ إنترناشيونال" (SMIC) من خلال الإعانات والسياسات الداعمة.
تحديات التصنيع والتكنولوجيا الصينية
يتعين على بكين كذلك التعامل مع خروج أنشطة التصنيع المتسارعة بصورة مطردة إذ تبدأ شركة أبل وعلامات تجارية أميركية أخرى في بناء قدرات إنتاجية جديدة في بلدان من الهند إلى جنوب شرق آسيا للتخفيف من تعرضها لمخاطر التوترات بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.
وطلب عدد متزايد من الوكالات الحكومية والشركات المملوكة للدولة في الصين من الموظفين تجنب استخدام أجهزة "أيفون" وغيرها من الأجهزة ذات العلامات التجارية الأجنبية بأماكن العمل السنة الماضية، ما أضعف جاذبية السوق للشركات الخارجية.
لكن بكين أصدرت رسائل متضاربة إلى قطاع الإنترنت لديها -الذي كان في السابق من بين أكبر القطاعات القائدة للاقتصاد- ما أضاف حالة من عدم اليقين حول السياسة الحكومية إلى ثقة المستثمرين الهشة فعلياً.
ولعب القطاع المدعوم من الدولة خلال الأعوام الأخيرة دوراً متنامي الأهمية بالقطاعات بداية من التمويل إلى الأسواق والتكنولوجيا، لا سيما وأن حملة الإجراءات التنظيمية الصارمة ضد شركات من بينها "علي بابا غروب هولدينغ" و"ديدي غلوبال" قلصت نفوذ الشركات الخاصة. اتسع نطاق هذا الجهد فقط خلال فترة تراجع أعقبت وباء كوفيد وأزمة العقارات الآخذة في التشكل آنذاك، بينما تجابه بكين صعوبات للسيطرة على تتابع الأحداث، واحتواء التداعيات في قطاع العقارات وتصميم خطط تحفيز لإنعاش الاقتصاد.
كان بمقدور الصين الاستفادة بدعم إضافي من قطاعي الإنترنت والخدمات لزيادة الاستهلاك المحلي والحد من البطالة وسط فئة الشباب. ومع ذلك، ردت الشركات بداية من "علي بابا" إلى "تينسنت هولدينغز" على حملة التضييق بتسريح العمالة بعد أعوام من التوسع السريع.