رفع إيلون ماسك دعوى قضائية ضد "أوبن إيه آي" (OpenAI) ورئيسها التنفيذي سام ألتمان، زاعماً أنهما انتهكا المهمة التأسيسية لشركة الذكاء الاصطناعي الناشئة عن طريق منح الأولوية للربح على تحقيق الفائدة للجنس البشري.
قال الملياردير البالغ من العمر 52 سنة، والذي كان مؤسساً مشاركاً لشركة "أوبن إيه آي"، لكنه لم يعد منخرطاً في أنشطتها، في دعوى قضائية رفعها بوقت متأخر يوم الخميس في سان فرانسيسكو إن علاقة الشركة الوثيقة بـ"مايكروسوفت" قوّضت مهمتها الأصلية المتمثلة في ابتكار تكنولوجيا مفتوحة المصدر لا تخضع لأولويات الشركة.
كان "ماسك"، وهو أيضاً الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" من بين الأشخاص الأكثر صراحة بشأن مخاطر الذكاء الاصطناعي والذكاء العام الاصطناعي (AGI). أدى إصدار "أوبن إيه آي" لتطبيق "تشات جي بي تي" منذ أكثر من سنة إلى نشر التطورات في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وأثار مخاوف حول المخاطر المحيطة بسباق تطوير الذكاء العام الاصطناعي، حيث تعمل أجهزة الكمبيوتر بذكاء مثل ذكاء الإنسان العادي. يملك "ماسك" أيضاً منصة شبكة التواصل الاجتماعي "إكس"، ويقوم بجمع الأموال لمشروع ذكاء اصطناعي يسمى "إكس إيه آي" أو (xAI)، والذي يتميز بروبوت دردشة منافس خاص يدعى "غروك" (Grok).
الدعوى القضائية
قال "ماسك" في الدعوى: "حتى يومنا هذا، يواصل موقع شركة (أوبن إيه آي) الإلكتروني الادعاء بأن ميثاقها هو ضمان أن الذكاء العام الاصطناعي يفيد جميع البشرية. عملياً، تبدلت (أوبن إيه آي) إلى شركة فرعية مغلقة المصدر في حقيقة الأمر لأكبر شركة تكنولوجيا حول العالم، وهي (مايكروسوفت)".
لم يستجب متحدثون باسم "أوبن إيه آي" و"ماسك" و"مايكروسوفت" لطلبات للتعليق على الموضوع.
تُشكل الدعوى القضائية تصعيداً لواحدة من أبرز النزاعات بالمجال الناشئ للذكاء الاصطناعي، حيث وضعت اثنين من أبرز لاعبيه في مواجهة ضد بعضهما البعض. ستؤثر الدعوى ليس فقط على "أوبن إيه أي" -التي تسعى لجمع تمويل يقدر تقييم أسهمها بـ100 مليار دولار أو يزيد- لكن سيكون لها تأثير بالنسبة لـ"مايكروسوفت" أيضاً، التي استثمرت نحو 13 مليار دولار في "أوبن إيه آي". وصعد سعر سهم الشركة التي يقع مقرها بمنطقة ريموند في واشنطن، 68% السنة الماضية، ما يجعل منها الشركة الأعلى قيمة حول العالم، إذ تسعى إلى أن تصبح رائدة في تبني الذكاء الاصطناعي.
يرفع "ماسك" الدعوى القضائية نتيجة خرق العقد والإخلال بالواجبات، فضلاً عن مزاعم بوجود ممارسات تجارية غير عادلة، من بين شكاوى أخرى. وتم رفع الدعوى بصفته مانحاً للمنظمة الأم غير الربحية حتى 2019، ويسعى "ماسك" لدفع "أوبن إيه آي" للتوقف عن إفادة "مايكروسوفت" و"ألتمان" شخصياً.
مطالب "ماسك"
طلب "ماسك" عبر الدعوى القضائية إصدار أمرٍ لإجبار "أوبن إيه آي" على فتح كافة أبحاثها وتكنولوجياتها للجمهور العام، وأن يتخلى "ألتمان" عن أي أموال كسبها نتيجة للممارسات التي يزعم أنها غير قانونية. يسعى "ماسك" أيضاً للحصول على تعويضات غير محددة، والتي تذكر الدعوى أنه سيُسهم بها في أعمال خيرية إذا ظفر بأي تعويض.
استثمر "ماسك" عشرات الملايين من الدولارات في "أوبن إيه آي"، علاوة على وقته وموارده الأخرى، "بشرط أن تبقى أوبن إيه آي منظمة غير هادفة للربح مكرسة بصورة نهائية لابتكار ذكاء عام اصطناعي آمن ومفتوح المصدر لخدمة المنفعة العامة"، إلا أنها (أوبن إيه آى) تخلت عن مهمتها، وفقاً لما ورد في الدعوى القضائية.
يعد زعم "ماسك" بأن علاقة "أوبن إيه آي" الوطيدة مع "مايكروسوفت" تتعارض مع التزام الشركة الأصلي بالذكاء العام الاصطناعي مفتوح المصدر، "ادعاءً من الصعب إثابته للغاية من الناحية القانونية"، بحسب المحامي المختص بالأوراق المالية وأستاذ القانون المساعد بجامعة "نورث وسترن" أندرو ستولتمان، الذي ذكر أن تلك غالباً ما تسمى وعوداً وهمية، وهي بشكل عام غير قابلة للتنفيذ بموجب القانون، مشيراً إلى أن "ماسك" لديه تاريخ في استخدام الدعاوى باعتبارها وسيلة لإرسال رسالة تعبر عن وجهة نظره.
الذكاء الاصطناعي
أطلقت "أوبن إيه آي" منذ طرح "تشات جي بي تي" و"جي بي تي-4" -نموذج اللغة الكبير الذي يشغل روبوت الدردشة- موجة من تبني الذكاء الاصطناعي في الشركات على مستوى العالم. كانت "مايكروسوفت" واحدة من أكثر الشركات جرأة في دمج التكنولوجيا بمجموعتها الواسعة من خدمات الحوسبة السحابية والخدمات المؤسسية. يؤكد "ماسك" أن تطبيق "جي بي تي-4" التابع لـ"أوبن إيه آي" يمكن اعتباره نظام ذكاء عام اصطناعي. يتوقع "ألتمان" التوصل للذكاء العام الاصطناعي خلال الأربعة إلى الخمسة أعوام المقبلة، بحسب ملف شخصي عنه نشره موقع "تايم مغازين" في ديسمبر الماضي.
ساعد "ماسك"، أغنى شخص في العالم، في تأسيس "أوبن إيه آي" خلال 2015، لكنه ابتعد عن الشركة بعد سنتين تقريباً بسبب الاختلافات الفلسفية حول تطوير التكنولوجيا.
تذكر الدعوى القضائية أن "ماسك" ساوره القلق للمرة الأولى من وقوع الذكاء الاصطناعي القوي تحت سيطرة شركة ما عندما تحركت "غوغل" لشراء مختبر البحوث البريطاني "ديب مايند" (DeepMind). عيّن "ماسك" لوك نوسيك -شارك بوقت سابق في تأسيس "باي بال" مع ماسك- في محاولة لشراء "ديب مايند" أواخر 2013. وأخفقا في نهاية الأمر، وبعد سنة، استحوذت "غوغل" على "ديب مايند".
في ملف تقديم الدعوى، استهدف "ماسك" إعادة هيكلة قيادة "أوبن إيه آي" السنة الماضية، وهي فترة مضطربة أُطيح خلالها بـ"ألتمان" من منصب الرئيس التنفيذي ثم أعيد سريعاً له بدعم من "مايكروسوفت". ذكر "ماسك" في الدعوى أن "ألتمان" ورئيس "أوبن إيه آي" غريغ بروكمان و"مايكروسوفت" عملوا معاً على التخلص من معظم أعضاء مجلس إدارة الشركة الناشئة، الذين كانوا مسؤولين عن إنفاذ مهمتها الأصلية وهي تطوير التكنولوجيا لصالح البشرية.
قالت الدعوى: "اختار ألتمان مجلس إدارة جديد يفتقر لخبرة فنية مشابهة أو أي خلفية أساسية في حوكمة الذكاء الاصطناعي، والتي كان مجلس الإدارة السابق يمتلكها وفق تصميم محدد. يتألف مجلس الإدارة الجديد من أعضاء يتمتعون بخبرة أكبر في الشركات أو السياسة التي تركز على الربح بالمقارنة مع أخلاقيات الذكاء الاصطناعي والحوكمة. وبحسب ما ورد كانوا من كبار معجبي ألتمان".
تحقيقات موسعة
بدأت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية تحقيقاً حول ما إذا كانت الشركة قد ضللت مستثمريها خلال تلك العملية السنة الماضية، بحسب شخص على دراية بالموضوع. وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" في وقت سابق إلى هذا التحقيق. بدأت الوكالات التنظيمية الأخرى، بما فيها الاتحاد الأوروبي وسلطات أميركية متعددة، التحقيق أيضاً في العلاقة بين "أوبن إيه آي" و"مايكروسوفت". تتركز المخاوف بطريقة كبيرة حول ما إذا كانت "أوبن إيه آي" تتسم بالشفافية بما فيه الكفاية إزاء تعاملاتها الهادفة للربح، وما إذا كانت شراكاتها بهدف الربح قوية بصورة مفرطة.
تطلب الدعوى أيضاّ تدقيقاً أكثر في تصرفات "ألتمان" شخصياً، و"قدرة مجلس الإدارة على التحكم في استخدام السيد ألتمان للذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر لتعزيز مصالحه الاقتصادية، والتي يبدو إلى حد الآن أنها جرت دون رقابة". تستشهد الدعوى بتوقيع ألتمان على خطاب نوايا خلال 2019، "لشراء رقائق بقيمة 51 مليون دولار من شركة ناشئة استثمر فيها السيد ألتمان بقوة".
قال لاري هامرميش، أستاذ القانون المتقاعد بجامعة بنسلفانيا والخبير في قانون الشركات بولاية ديلاوير: "يمثل السيد ماسك طرفاً في اتفاقية تأسيس (أوبن إيه آي) ما يمنحه الحق لرفع دعوى إذا كان يعتقد أن السيد ألتمان وآخرين يتخلون عن الوعود التي قطعوها في تلك الاتفاقية".
أقام "ماسك" سلسلة طعون قانونية. وخلال نوفمبر الماضي، رفع دعوى قضائية ضد مجموعة "ميديا ماترز فور أميركا" (Media Matters for America) غير الربحية، متهماً إياها بإبعاد المعلنين "بصورة خبيثة" من منصة "إكس"، وفي يوليو الماضي رفع دعوى قضائية ضد منظمة غير ربحية أخرى، وهي "مركز مكافحة الكراهية الرقمية". وأوشك أحد القضاة على رفض هذه القضية فيما بدا.
خلال ديسمبر الماضي، خسرت "إكس" جهودها لمنع قانون ولاية كاليفورنيا الذي يسعى إلى السيطرة على المنشورات الضارة على وسائل التواصل الاجتماعي بواسطة مطالبة الشركات بالكشف عن سياساتها لإدارة المحتوى.
مقاضاة "مايكروسوفت"
هدد "ماسك" أيضاً من قبل برفع دعوى قضائية حول الذكاء الاصطناعي. خلال أبريل الماضي، نشر على منصة "تويتر" سابقاً، المعروفة باسم "إكس" حالياً، أنه ربما يتخذ إجراءات قانونية ضد "مايكروسوفت" جراء استخدامها لبيانات منصة التواصل الاجتماعي لتدريب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الخاصة بها على حد قوله. وتابع: "لقد تدربوا بصورة غير قانونية باستخدام بيانات تويتر. وذلك وقت رفع الدعوى". وهدد بملاحقة تطبيق "ثريدز" (Threads) التابع لشركة "ميتا بلاتفورمز"، بعد أن أطلقت خدمة وسائل تواصل اجتماعي تنافس "إكس".
رفعت "سبيس إكس" -شركة أخرى يرأسها ماسك- دعوى قضائية ضد الجيش الأميركي حول العقود الحكومية الممنوحة لشركة "بوينغ"، وشركة "لوكهيد مارتن". تنازل "ماسك" عن الدعوى لاحقاً. تعمل "سبيس إكس" حالياً على رفع دعوى قضائية لإعلان أن المجلس الوطني لعلاقات العمل يعد غير دستوري بعد أن اتهمت وكالة العمل الأميركية الشركة بالانتقام من 8 موظفين وزعوا رسالة مفتوحة تنتقد "ماسك".