برأت محكمة أميركية شركة صينية لصناعة الرقائق الإلكترونية من تهمة التجسس الاقتصادي واتهامات جنائية أخرى، موجهة بذلك ضربة ضد الإجراءات الصارمة التي تفرضها وزارة العدل الأميركية لمحاصرة سرقة الصين لحقوق الملكية الفكرية.
بعد أكثر من خمسة أعوام على إدراج وزارة التجارة الأميركية شركة "فوجيان جينهوا إنتيغريتد سيركويت" (Fujian Jinhua Integrated Circuit) في القائمة السوداء، معتبرة إياها خطراً على الأمن القومي، وجدت قاضية المقاطعة في سان فرانسيسكو ماكسين تشيسني أن الشركة غير مذنبة عقب محاكمة عقدت دون هيئة محلفين. قد يترتب على هذا الحكم الذي صدر يوم الثلاثاء تخفيف مساعي إدارة جو بايدن إلى استخدام الملاحقات القضائية المتشددة في حماية التكنولوجيا الأميركية.
خلُصت تشيسني إلى أن سلطات الادعاء الأميركية عجزت عن إثبات أن الشركة الصينية التي ترعاها الدولة حصلت بطريقة غير مشروعة على بيانات مملوكة حصراً لشركة "ميكرون تكنولوجي" (Micron Technology)، وهي كبرى شركات صناعة رقائق الذاكرة الأميركية. ويزعم المدعون الأميركيون أن هذه البيانات مررت إلى الشركة الصينية "فوجيان جينهوا" عبر شركة "يونايتد مايكرو إلكترونيكس" (United Microelectronics) التايوانية من خلال اتفاق معها على التصنيع.
ساعدت شركة "يونايتد مايكرو إلكترونيكس" وزارة العدل الأميركية في قضيتها ضد "فوجيان جينهوا" بعد إقرارها بالذنب في عام 2020 في قضية سرقة أسرار تجارية ودفعها غرامة قيمتها 60 مليون دولار.
في حال كانت المحكمة أدانت "فوجيان جينهوا"، فإن الشركة كانت ستواجه غرامة مالية بالإضافة إلى صدور أمر قضائي يلزمها بالتنازل عن الرقائق والدخل الذي حققته عبر استغلال التكنولوجيا التي يزعم الادعاء أنها سرقتها، وفق بيان أصدرته وزارة العدل عندما قدمت الدعوى للمحكمة.
قالت "ميكرون تكنولوجي" في بيان إنها توصلت من قبل إلى تسوية مع "فوجيان جينهوا"، اتفقت فيها الشركتان على التنازل عن جميع القضايا التي رفعتها كل شركة ضد الأخرى، حيث تشمل تلك القضايا دعوى مدنية رفعتها الشركة الأميركية العام السابق على توجيه وزارة العدل اتهامات جنائية ضد الشركة الصينية.
لم يرد ممثلون عن شركة "فوجيان جينهوا" فوراً على طلبات التعليق، كذلك لم يرد مكتب المدعي العام الأميركي في سان فرانسيسكو ولا السفارة الصينية في واشنطن.
حكم هام
يكتسب هذا الحكم أهمية خاصة بسبب أن وزارة العدل نادراً ما لاحقت شركات صينية في المحاكم الأميركية على الرغم من ملاحقة مؤسسات أخرى بالولايات المتحدة العديد من الأفراد وإدانتها لهم بسبب التسريب غير القانوني لمعلومات تتمتع بحماية الملكية الفكرية إلى الصين.
رُفعت القضية ضد شركة "فوجيان جينهوا" في عام 2018 في خضم الحرب التجارية التي شنها رئيس الولايات المتحدة آنذاك دونالد ترمب ضد الصين، وروج لها باعتبارها محاولة بارزة لمحاصرة تجسس بكين على الشركات والجامعات البحثية الأميركية. وفي عام 2022، أنهت وزارة العدل في ظل إدارة الرئيس جو بايدن العمل بـ"مبادرة الصين" التي أطلقها ترمب بعد أن تعرضت للنقد الشديد بسبب تأجيجها للتمييز ضد الأميركيين من أصول آسيوية، وهو ما حدث رغم أنها كانت تمضي قدماً في ملاحقتها القضائية لشركة "فوجيان جينهوا".
حاول الرئيس الأميركي بايدن مع الرئيس الصيني شي جين بنغ بشكل عام تحقيق استقرار في العلاقات بين البلدين التي تدهورت بسبب مخاوف التجسس ومشاكل أخرى، وشملت تلك المحاولة قمة مباشرة عُقدت في نوفمبر الماضي أثناء مؤتمر التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والباسيفيك في سان فرانسيسكو. ومع ذلك، استمر أكبر اقتصادين في العالم في صراعهما على التفوق في مجال التكنولوجيا.
ما الذي اتفق عليه بايدن وشي في قمة عالية التوترات؟
في الوقت نفسه، يبدو أن شركة "ميكرون تكنولوجي" قد حاولت استرضاء بكين، وشملت محاولتها وعوداً باستثمار 4.3 مليار يوان أخرى في مصنعها لتعبئة الرقائق الإلكترونية في الصين، وإرسال رئيسها التنفيذي سانجاي مهروترا في زيارة إليها.
أما التسوية التي وقعت في شهر ديسمبر بين الشركة الأميركية، ومقرها أيداهو، وشركة "فوجيان جينهوا" الصينية، فقد جاءت بعد منع حكومة الصين، في مايو الماضي، رقائق شركة "ميكرون تكنولوجي" من الاستفادة من "بنية أساسية حساسة" بسبب مخاوف تتعلق بالأمن السيبراني.
من جانبها، عملت الولايات المتحدة بالتعاون مع حلفائها على منع بكين من الحصول على أكثر المنتجات تقدماً من أشباه الموصلات، وكذلك أحدث تقنيات صناعة الرقائق.
رقائق ذاكرة الوصول العشوائي
كانت محاكمة شركة "فوجيان جينهوا" تتعلق برقائق ذاكرة الوصول العشوائي الدينامية أو "DRAM"، وليست شرائح أشباه الموصلات التي عرقلت تصدير مجموعة واسعة من المنتجات، من بينها السيارات والهواتف الذكية، أثناء نقص المعروض العالمي منها.
في عام 2018، كان مصنع "فوجيان جينهوا"، الذي تبلغ قيمته 6 مليارات دولار، في سبيله إلى إنتاج هذه الرقائق بالكامل في غضون شهرين فقط، وهي خطوة حاسمة في اتجاه وقف اعتماد الصين في ذلك الوقت على استيرادها بتكلفة تبلغ 380 مليار دولار سنوياً.
في تلك اللحظة، قامت وزارة التجارة الأميركية بإدراج شركة "فوجيان جينهوا" فيما يسمى "قائمة الكيانات" المتورطة في أنشطة تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة، ورفعت دعواها الجنائية في سان فرانسيسكو.
منعت هذه الإجراءات التي اتخذتها وزارة التجارة الشركة من شراء آلات صناعة الرقائق، وتسببت في خروج جماعي للموردين والمهندسين الأميركيين والأوروبيين من مقاطعة جينجيانغ، التي يقع فيها مقر شركة "فوجيان جينهوا" على الساحل الجنوبي الشرقي للصين.
الحكومة الصينية تشتري رقائق إنفيديا رغم الحظر الأميركي
زعم المدعون الأميركيون آنذاك أن رئيس "فوجيان جينهوا" في ذلك الوقت نظم عملية تسريب غير قانونية لتصميم رقائق الذاكرة التي تنتجها "ميكرون تكنولوجي" من خلال صفقة بين شركته و"يونايتد مايكرو إلكترونيكس" التايوانية. واتُهم بالتآمر مع اثنين من المهندسين التايوانيين كانا يعملان في السابق لدى "ميكرون تكنولوجي" قبل انتقالهما إلى الشركة التايوانية.
وعلى الرغم من ضم هؤلاء الثلاثة كمتهمين في القضية، وإصدار الولايات المتحدة أوامر بضبطهم في عام 2020، فإنهم لم يمثلوا أبداً للمحاكمة في جلسات محكمة سان فرانسيسكو، إذ لا توجد اتفاقية تسليم للمتهمين بين الولايات المتحدة وتايوان أو الصين.
أثناء سنوات انعقاد المحاكمة، كانت شركة "فوجيان جينهوا" تشكو من أن سلطات الادعاء الأميركية تعرقل تطلعات الصين إلى الإنتاج الكبير لرقائق الذاكرة. وقالت الشركة إن وجودها ذاته مهدد بسبب إدراجها في القائمة السوداء في عام 2018، الذي أعاق قدرتها على شراء آلات ومعدات أميركية لصناعة الرقائق الإلكترونية وأدى إلى إفشال خطط الإنتاج.
وفي أغسطس، حذرت الرابطة البارزة لشركات صناعة الرقائق الإلكترونية العالمية من أن شركة "هواوي تكنولوجيز" –التي أدرجت في قائمة كيانات وزارة التجارة الأميركية في عام 2019– تقوم ببناء مجموعة من المنشآت السرية لتصنيع أشباه الموصلات في مختلف أنحاء الصين، وقالت إن شركة "فوجيان جينهوا" جزء من شبكة "هواوي تكنولوجيز".