قضى الاقتصاديون القلقون بشأن تباطؤ الإنتاجية العقد الماضي في نقاشات ساخنة حول قيمة الخدمات الرقمية المجانية مثل بحث الويب من "غوغل" ومتجر "أمازون" عبر الإنترنت. لكن تلك الخدمات عبر الإنترنت أثبتت جدارتها أثناء الوباء. وقد يدفع كوفيد-19 مجتمعنا في النهاية إلى تعلم طرق جديدة لاستخدام التقنيات الرقمية التي تسرع نمو الإنتاجية.
على مدار العام الماضي، تعرضت أحياناً لسلسلة من التغريدات التي تلقي بظلال من الشك على قيمة شركات البرمجيات. جاء الادعاء بأن الخدمات عبر الإنترنت لم تساعد على مواجهة الوباء وأنها لا تضيف إلا القليل إلى الاقتصاد الحقيقي على رأس مخاوف موجودة مسبقاً، ومنتشرة بين بعض الاقتصاديين ومنتقدي صناعة التكنولوجيا.
لكن دعونا نجري تجربة صغيرة مخيفة. حاولوا أن تتخيلوا كيف سيكون شكل عام 2020 بدون "غوغل" أو "أمازون" أو "زووم" أو "سلاك" أو أي من الخدمات الأخرى عبر الإنترنت. إنه أمر مرعب للغاية.
أولاً، نظراً لعدم وجود أمازون (إذاً لن يكون هناك أي سوق آخر على الإنترنت)، سيتعين على الجميع شراء كل شيء من المتاجر الفعلية. تخيلوا الخطوط الممتدة حول الحي حيث تقف الحشود التي ترتدي القناع بفارق ستة أقدام، وتنتظر ساعات للحصول على فرصة لشراء بعض ورق الحمام أو الصابون. لن يكون هذا مجرد إزعاج لا يصدق، بل سيزيد من خطر الإصابة بالعدوى. ولأن الكثير من الناس قد يؤخرون شراء الأثاث والأجهزة إلى ما بعد الوباء، فإن الاقتصاد سيعاني أكثر.
سيتعين على الناس أيضاً الذهاب إلى مكاتبهم. مع عدم وجود "زوم" أو "سلاك" أو غيرها من أدوات الإدارة عن بُعد، كان سيتعين على الشركات التي يعمل موظفوها حالياً من المنزل إما إيقاف العمليات، ما يؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد بشكل أكثر خطورة، أو إيجاد طريقة ما لتنفيذها. يتجمع الناس في المكاتب وهذا من شأنه أن ينشر المرض، خاصة قبل أن يدرك الجميع أهمية التهوية وحقيقة أن مسافة ستة أقدام ليست كافية. بالطبع، كان هذا هو الواقع بالنسبة للعديد من العاملين الأساسيين في الخطوط الأمامية، ولكن من خلال العمل عن بعد، تمكن جزء من الأمريكيين على الأقل من تجنب الأمر، مما ساعد في الحفاظ على جزء كبير من الاقتصاد.
تخيلوا مقدار الوحدة التي كان يمكن أن يشعر بها الأشخاص أثناء التباعد الاجتماعي بدون أدوات الاتصال عبر الإنترنت التي تسمح لك برؤية وجوه الأصدقاء، والعائلة، وسماع أصواتهم.
أخيراً، تخيلوا أنكم تبحثون عن معلومات حول "كوفيد" بدون "غوغل" و"فيسبوك" وغيرهما من جهات نشر الأخبار المجانية على الإنترنت. سيكون الناس ملتصقين بشاشات التلفزيون، في انتظار التحديثات من الحكومة؛ وهذا يعني إجبارهم على الاستماع إلى سلسلة المعلومات المضللة التي أدلى بها دونالد ترمب. كان من الممكن أن يستغرق الجمهور وقتاً أطول ليدرك أن الأقنعة تساعد بالفعل في الحد من انتشار الفيروس.
لذلك عندما تفكروا في الأمر، ستجدون أن هذه الخدمات عبر الإنترنت قد تم اختراعها في الوقت المناسب لوباء يحدث مرة واحدة في القرن، وهو أمر لا يصدق. رغم أن البعض استغلوا فائدة وادي السيليكون في عصر كوفيد، إلا أن ظهور شركات البرمجيات هذه غيّر تماماً قدرة أمريكا على الصمود في وجه الوباء.
لذلك يجب أن نفكر ملياً في قيمة الخدمات الرقمية المجانية. في العقود الأخيرة، ناقش الأكاديميون ما إذا كانت المنتجات المجانية للمستخدمين مثل "غوغل" و"فيسبوك" والإصدارات الأساسية من "أمازون" و"زووم" و"سلاك" توجد قيمة اقتصادية أكبر من الأرقام القياسية الرسمية. لقد تباطأ نمو الإنتاجية في العقد ونصف الماضيين، ما دفع الكثير من الناس إلى التساؤل عن كيفية حدوث ذلك عندما يكون لدينا كل هذه الابتكارات الرائعة. لكن قياسات الإنتاجية تعتمد على السعر الذي يدفعه الناس مقابل الأشياء؛ وإذا لم يضطر الناس إلى الدفع، فقد تكون هناك قيمة فوتتها الإحصائيات.
حتى الآن، إن الذين يجادلون بأن الخدمات عبر الإنترنت لا توجد الكثير من القيمة الخفية كانت لهم اليد العليا في النقاش. جادل الخبير الاقتصادي تشاد سيفرسون، مثلاً، بشكل مقنع بأن الخدمات الرقمية لا توجد كميات هائلة من القيمة غير المقاسة.
لكن تحليل سيفرسون يقتصر على الأوقات العادية. قد يكون اعتماد الولايات المتحدة على الخدمات عبر الإنترنت لتجاوز الوباء أحد أسباب المعاناة الأقل لاقتصادها من غيره، وهي الآن في طريقها للتعافي بشكل أسرع.
بطبيعة الحال، فإن مقدار مساهمة الخدمات الرقمية في الأداء المتفوق للولايات المتحدة هو سؤال يحتاج إلى بحث للإجابة عليه. لكنه يوضح المبدأ القائل إنه لا يمكننا الاعتماد فقط على الأوقات العادية للحكم على قيمة الابتكارات. تعمل التقنيات في بعض الأحيان كسياسات تأمين، وكوسيلة لدعم المجتمع ضد الكوارث.
علاوة على ذلك، قد يؤدي الوباء إلى زيادة إنتاجية الخدمات الرقمية بشكل كبير في المستقبل. في موجات الابتكار السابقة، استغرق المجتمع وقتاً طويلاً لمعرفة كيفية استخدام التقنيات الجديدة بطريقة مفيدة. على سبيل المثال، لم تجعل الكهرباء المصانع أكثر كفاءة على الفور. لم ترتفع إنتاجية التصنيع إلا بعد أن تعلم رجال الأعمال كيفية إعادة تنظيم خطوط التجميع الخاصة بهم حول المحركات الكهربائية الصغيرة. ويعد الكمبيوتر من الأمثلة الأخرى، كما صرح الخبير الاقتصادي روبرت سولو في عام 1987 بأنه "يمكنك رؤية عصر الكمبيوتر في كل مكان إلا في إحصاءات الإنتاجية"، ولكن بعد بضع سنوات فقط، كانت الحوسبة هي القوة الدافعة لازدهار التسعينيات.
وبالمثل، قد يكون التباعد الاجتماعي الذي فرضه كوفيد-19 على المجتمع علمنا كيفية استخدام الخدمات عبر الإنترنت بطريقة أكثر إنتاجية. يمكن أن يسمح العمل عن بُعد للشركات بتوزيع قواها العاملة على مواقع منخفضة التكلفة، ويمكن أن يحثهم على إعادة تقييم ضرورة العديد من الاجتماعات والمهام المكتبية الروتينية. قد يؤدي التحول من الأعمال التجارية التقليدية إلى التجارة الإلكترونية إلى جعل سلاسل التوريد أقل توزعاً.
لذلك -بالإضافة إلى إيجاد المرونة ضد كوفيد- قد تسمح منتجات الخدمات الرقمية لوادي السيليكون في النهاية بتحويل اقتصادنا الذي كان من الصعب تصوره في أيام ما قبل الوباء. لعل البرمجيات بدأت للتو إظهار قيمتها.