بايدن وجّه الوكالات الحكومية الرقابية للتدقيق في المخاطر المحتملة للتقنية الجديدة

كيف سينظم الاتحاد الأوروبي وأميركا والصين الذكاء الاصطناعي؟

شعار "تشات جي بي تي" على حاسوب محمول - المصدر: بلومبرغ
شعار "تشات جي بي تي" على حاسوب محمول - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

لا تملك الحكومات سجلاً جيداً في مواكبة التكنولوجيا الناشئة، لكن مجال الذكاء الاصطناعي المعقد وسريع التطور يثير مخاوف تتعلق بالجوانب القانونية والأمن القومي والحقوق المدنية لا يمكن تجاهلها. توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مبدئي بشأن قانون شامل يفرض قيود حماية على هذه التكنولوجيا؛ وفي الصين، لا يمكن لأي شركة تقديم خدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي دون استصدار موافقات مناسبة عليها.

لا تزال الولايات المتحدة تعكف على تقديم نهجها التنظيمي في هذا الصدد. بينما يدرس الكونغرس تشريعاً ينظم التكنولوجيا، أقرّت بعض المدن والولايات الأميركية بالفعل قوانين تحدّ من استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل تحقيقات الشرطة والتوظيف، كما وجّه الرئيس الأميركي جو بايدن الوكالات الحكومية بالتدقيق في منتجات الذكاء الاصطناعي المستقبلية بحثاً عن مخاطر محتملة تمسّ الأمن أو الاقتصاد القومي.

1. لماذا يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى التنظيم؟

الأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي والتي تُشغّل منتجات متنوعة، مثل فرشاة الأسنان والطائرات المسيّرة، لديها القدرة على إحداث ثورة في العديد من الصناعات، بدءاً من الرعاية الصحية وصولاً إلى الخدمات اللوجستية. لكن استبدال التقدير البشري بالتعلم الآلي ينطوي على مخاطر عديدة. حتى لو ظل أقصى مستوى للقلق-من أنظمة الذكاء الاصطناعي سريعة التعلم الخارجة عن السيطرة والتي تحاول تدمير البشرية- في عالم الخيال، فهناك بالفعل مخاوف من أن الروبوتات التي تؤدي الوظائف البشرية قادرة على نشر معلومات مضلّلة، وتضخيم حالة التحيز، والإضرار بنزاهة الاختبارات وانتهاك خصوصية الناس.

أدى الاعتماد على تقنية التعرف على الوجه، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بالفعل إلى اتهام بعض الناس بارتكاب جرائم زوراً. فقد انتشرت صورة مزيفة باستخدام الذكاء الاصطناعي تظهر حدوث انفجار بالقرب من البنتاغون على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى تراجع الأسهم الأميركية لفترة وجيزة. حثت كلٌ من شركات "غوغل"، و"مايكروسوفت"، و"إنترناشونال بيزنس ماشينز" المعروفة اختصاراً بـ"آي بي إم" (IBM)، و"أوبن إيه آي" المشرّعين على فرض رقابة فيدرالية على الذكاء الاصطناعي، وهو الأمر الذي يرونه ضرورياً من أجل ضمان السلامة.

2. ما الذي أنجزته الولايات المتحدة؟

يضع الأمر التنفيذي الذي أقره بايدن بشأن الذكاء الاصطناعي معايير لحماية الأمن والخصوصية، ويعزز الالتزامات الطوعية التي اعتمدتها أكثر من اثنتي عشرة شركة. وأبدى أعضاء الكونغرس اهتماماً بالغاً بتمرير قوانين بشأن الذكاء الاصطناعي، والتي ستكون أكثر قابلية للتنفيذ من جهود البيت الأبيض، لكن لم تظهر حتى الآن أي استراتيجية مهيمنة. قال اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الرئيسيين إنهما سيرحبان بتشريع يقر بمنح تراخيص لنماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة، وإنشاء مكتب فيدرالي مستقل للإشراف على الذكاء الاصطناعي، وتحمُّل الشركات مسؤولية انتهاك الخصوصية والحقوق المدنية. من بين مشروعات القوانين المقترحة الأكثر استهدافاً حتى الآن، مشروع يحظر على حكومة الولايات المتحدة استخدام نظام آلي لإطلاق سلاح نووي دون تدخل بشري، فيما يتطلب مشروع آخر تصنيف الصور التي يتم إنشاؤها من خلال الذكاء الاصطناعي في الإعلانات السياسية بوضوح.

كانت 25 ولاية أميركية على الأقل تدرس سنّ تشريع متعلق بالذكاء الاصطناعي في عام 2023، حيث أصدرت 15 ولاية منها قوانين أو قرارات في هذا الشأن، وفقاً للمؤتمر الوطني للمجالس التشريعية للولايات. استهدف التشريع المقترح الحد من استخدام الذكاء الاصطناعي في قرارات التوظيف، والتأمين، والرعاية الصحية، وفرز الأصوات، وأنظمة التعرف على الوجه في الأماكن العامة، وغيرها من الأهداف.

3. ماذا فعل الاتحاد الأوروبي؟

توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مبدئي في ديسمبر بشأن ما يوشك أن يصبح التنظيم الأكثر شمولاً للذكاء الاصطناعي في العالم الغربي. من شأن ذلك أن يضع ضمانات على استخدامات الذكاء الاصطناعي التي ينظر إليها على أنها الأكثر تلاعباً ببيانات الجمهور، مثل المسح المباشر للوجوه. سيُطلب من الشركات المطورة لنماذج الذكاء الاصطناعي للأغراض العامة الإبلاغ عن ملخص مفصل للبيانات المستخدمة لتدريب نماذجها، وفقاً لوثيقة الاتحاد الأوروبي التي اطلعت عليها "بلومبرغ".

ستخضع النماذج ذات القدرات العالية، مثل "جي بي تي-4" (GPT-4) من "أوبن إيه آي"، لقواعد إضافية، بما في ذلك الإبلاغ عن استهلاكها للطاقة، وإعداد الحماية اللازمة من المخترقين. لا يزال مشروع القانون بحاجة إلى موافقة رسمية من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبرلمانه. ستواجه الشركات التي تنتهك القواعد غرامات مالية تصل إلى 35 مليون يورو (37.7 مليون دولار)، أو ما يعادل 7% من الإيرادات العالمية، بحسب نوع الانتهاك وحجم الشركة.

4. ماذا فعلت الصين؟

دخلت مجموعة مؤلفة من 24 توجيهاً أصدرتها الحكومة حيز التنفيذ في 15 أغسطس الماضي، واستهدفت خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل "تشات جي بي تي" (ChatGPT)، التي تنشئ الصور ومقاطع الفيديو والنصوص والمحتويات الأخرى.

بموجب هذه المبادئ التوجيهية، يجب تصنيف المحتوى الذي يولده الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح، واحترام القواعد المتعلقة بخصوصية البيانات، والملكية الفكرية. دخلت مجموعة منفصلة من القواعد التي تحكم خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها شركات التكنولوجيا للتوصية بمقاطع فيديو ومحتويات أخرى حيز التنفيذ في عام 2022.

5. ماذا تقول الشركات؟

تعهدت شركات التكنولوجيا الرائدة بما في ذلك "أمازون" و"ألفابت" و "آي بي إم" و"سيلز فورس" (Salesforce) باتباع معايير الشفافية والأمن الطوعية التي أقرتها إدارة بايدن، بما في ذلك إخضاع منتجات الذكاء الاصطناعي الجديدة للاختبارات الداخلية والخارجية قبل طرحها. استدعى الكونغرس في سبتمبر الماضي أباطرة التكنولوجيا، بمن فيهم إيلون ماسك وبيل غيتس، للاسترشاد بمشورتهما بشأن جهوده لإنشاء منظومة رقابية. تتمثل إحدى مخاوف الشركات في مدى تطبيق القواعد الأميركية على الشركات المطورة لمنتجات الذكاء الاصطناعي، وليس فقط على مستخدميها، ما يعكس نقاشاً في أوروبا، حيث أكدت "مايكروسوفت"، في وثيقة توضيحية لموقفها، مدى أهمية التركيز على حالات الاستخدام الفعلية للذكاء الاصطناعي، لأن الشركات لا يمكنها "توقع مجموعة كاملة من سيناريوهات النشر والمخاطر المرتبطة بها".

6. لماذا يتم التركيز على جهود الولايات المتحدة؟

بما أن شركات التكنولوجيا الأميركية والمتخصصة في الرقائق الإلكترونية أميركية الصُنع تأتي في طليعة الابتكار بمجال الذكاء الاصطناعي، يتمتع قادة الولايات المتحدة بنفوذ خاص في كيفية مراقبة هذا المجال. شدّد العديد من المشاركين في اجتماعات مجلس الشيوخ على ضرورة أن تؤدي الولايات المتحدة دوراً رائداً في تشكيل الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي، حيث أشار البعض إلى تقدم الصين في هذا المجال باعتباره مصدر قلق خاص.

أثار منتقدون قلقاً بشأن احتمال أن يكون للمسؤولين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا تأثير كبير على التشريعات، ما يخلق شكلاً من أشكال الهيمنة التنظيمية التي قد تعزز نفوذ عدد محدود من الشركات الكبيرة، وتعرقل بذلك الجهود التي تبذلها الجهات التي يُطلق عليها "المؤسسات مفتوحة المصدر" لبناء منصات ذكاء اصطناعي منافسة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك