اختبارات الحامض النووي تحولت لثغرة يمكن من خلالها النفاذ إلى معلومات قد لا نرغب بمشاركتها

وداعاً زمن الخصوصية.. هكذا يتم استغلال بياناتنا الوراثية تجارياً

أدوات لجمع عينة من اللعاب (البصاق) لأغراض الاختبارات الطبية أو الجينية. - المصدر: بلومبرغ
أدوات لجمع عينة من اللعاب (البصاق) لأغراض الاختبارات الطبية أو الجينية. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أثبتت فحوص تحليل الحمض النووي البسيطة نسبياً فعاليتها في مجالي الطب والعدالة الجنائية، وبالطبع في مجال علم الأنساب، فهي قادرة على الكشف عن الاضطرابات الوراثية وتجريم المشتبه بهم أو تبرئتهم، وتساعد أيضاً على تتبّع شجرة العائلة. لكن بعض الانتهاكات مثل تلك التي تعرضت لها أخيراً شركة "23 آند مي" (23andMe) سلّطت الضوء على الخطر الذي يتهدد العملاء الذين يشاركون عينات من حمضهم النووي مع المختبرات من حيث كشف معلوماتهم الشخصية الأكثر حساسية. وأصبح واضحاً أن بيانات الحمض النووي يمكن أن تُستخدم بطرق غير متوقعة وغير مرغوب بها.

1- لماذا يجب أن أشعر بالقلق؟

من الصعب أن تعرف الطرق التي قد تُستخدم بها بيانات حمضك النووي اليوم، ناهيك عن المستقبل. وعلى عكس رقم حسابك المصرفي، أو كلمة المرور اللذين يمكنك تغييرهما، فبيانات حمضك النووي لا تتغير. تبدي بعض المؤسسات، كشركات التأمين مثلاً اهتماماً بتركيبتك الجسدية لأسباب بديهية. وكان الجيش الأميركي نصح عام 2020 جنوده بعدم استخدام اختبارات الحمض النووي التجارية، مبرراً ذلك جزئياً بأن النتائج التي تشير مثلاً إلى إصابة الشخص بمرض ما قد تفتقر إلى الدقة، وتعيق أيضاً مسيرته المهنية.

يمكن أن تكشف بياناتك الوراثية عن معلومات قد لا ترغب بمشاركتها، فإذا كنت متورطاً مثلاً في جريمة، أو تربطك صلة قرابة بمرتكب جريمة ما، فيجب أن تعلم أن أجهزة إنفاذ القانون باتت تعتمد بشكل متزايد على بيانات الحمض النووي لحلّ لغز القضايا الإجرامية. كما يمكن أن تكشف هذه الاختبارات الخلفية العِرقية للشخص، ما قد يشكّل خطراً عليه في بعض الحالات.

قال معهد السياسات الاستراتيجية الأسترالي شبه الحكومي إن الحكومة الصينية أخذت عينات حمض نووي من مواطنيها بذريعة إجراء فحوص طبية مجانية، وذلك من أجل بناء قاعدة بيانات وراثية تشمل ما يصل إلى 100 مليون شخص. تم جمع بيانات من كلّ شخص تقريباً من سكان إقليم "شينجيانغ"، حيث تقول الصين إنها تحارب التطرف في أوساط مجموعة "الأيغور" العِرقية المسلمة، فيما تقول منظمات حقوق إنسان إن ما يصل إلى مليون شخص من "الأيغور" أو أكثر احتُجِزوا في معسكرات اعتقال.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

2- كيف تستخدم الحكومات الأخرى بيانات الحمض النووي؟

تقول 87 دولة إن لديها قاعدة بيانات للحمض النووي، تساعدها في كشف المشتبه بهم بالجرائم، ومن ثمّ تدينهم أو تبرئهم. في السنوات الأخيرة، تجاوزت الشرطة في الولايات المتحدة حدود قواعد بياناتها الخاصة، وعمدت إلى استخدام نتائج فحوص الحمض النووي التجارية في حلّ القضايا، فهي تأخذ عينة من الحمض النووي من مسرح الجريمة، وتقارنه بنتائج الحمض النووي في قواعد بيانات الفحوصات التجارية، ما يمكّنها من تحديد مشتبه به من خلال أقاربه.

على الرغم من أن معظم شركات فحوص الحمض النووي تقول إنها تحتاج لمذكرات قضائية للسماح للشرطة بالاطلاع على بيانات عملائها، إلا أن قاضياً في فلوريدا أصدر في عام 2019 مذكرة منحت الشرطة حق الاطلاع على كامل قاعدة بيانات خدمة "جي إي دي ماتش" (GEDmatch) التي تتيح لهواة علم الأنساب تحميل بياناتهم من شركات أخرى من أجل العثور على المزيد من الأقارب.

3- من يحق له أيضاً الاطلاع على بيانات الحمض النووي الخاصة بي؟

في الاتحاد الأوروبي، يمكن في بعض الحالات مشاركة بياناتك من دون موافقتك إذا كانت الغاية من ذلك إجراء بحث علمي يفيد المصلحة العامة، وذلك بعد تجهيل البيانات، أي إخفاء المعلومات حول اسم صاحب العينة وتفاصيل الاتصال. كذلك، في الولايات المتحدة، يمكن مشاركة نتائج الفحوصات الطبية إذا تم تجهيل بيانات صاحبها. تخضع شركات فحوص الحمض النووي التجارية الأميركية إلى الأحكام والشروط الخاصة بها. وبشكل عام، تشارك هذه الشركات بيانات فردية مجهولة المصدر مع متعهدين يساعدونها على معالجة البيانات، وإذا حصلت على موافقة إضافية منك يمكنها مشاركتها مع أكاديميين وباحثين في شركات الأدوية، كما أنها غالباً ما تشارك البيانات المجمّعة.

4- هل يحمي تجهيل البيانات هويتي؟

ليس بالضرورة، لأن حمضك النووي يعرّف هويتك، فهو عبارة عن شيفرة خاصة بك، ولا حاجة لتخزينه تحت اسمك لربطه بك. على سبيل المثال، فقد أظهر الباحثون أنه بالإمكان اكتشاف هويات الأشخاص المجهولين الذين يشاركون في البحوث الوراثية من خلال المقارنة بين تاريخ ميلادهم وجنسهم وعنوانهم البريدي مع المعلومات المتوفرة علناً عنهم.

5- ما خطر تعرّض شركات فحوص الحمض النووي للقرصنة؟

أعلنت شركة "23 آند مي" في 4 ديسمبر أن بيانات عملائها البالغ عددهم نحو 6.9 مليون شخص تعرضت للاختراق بعد أن تمكّن مقرصن مجهول من الوصول إلى ملفات المستخدمين، وعرضها للبيع على الإنترنت في وقت سابق هذا العام. تتضمّن المعلومات المخترقة معلومات عن التاريخ الوراثي للمستخدمين، بالإضافة إلى بعض المعلومات الصحية بناءً على بياناتهم الوراثية. وفي حين سُجّلت في السابق عمليات قرصنة بارزة أخرى لشركات فحوص الحمض النووي، إلا أن الاختراق الذي تعرّضت له"23 آند مي" هو الأول الذي يستهدف شركة كبرى يتم فيه الكشف علناً عن تسريب معلومات صحية. (أصدرت لجنة التجارة الفيدرالية مؤخراً أمراً لشركة "فيتاجين" (Vitagene) الأصغر حجماً بتشديد إجراءاتها الحمائية بعد اختراق المعلومات الصحية).

6- هل يمكن استخدام بياناتي للتمييز ضدّي؟

هناك بعض القيود القانونية التي تحول دون ذلك. أصدرت الولايات المتحدة في عام 2008 قانون "منع التمييز على أساس المعلومات الوراثية" الذي يهدف للحماية من التمييز من قبل أصحاب العمل أو شركات التأمين على أساس المعلومات الوراثية. إلا أن هذا القانون تشوبه بعض الثغرات، حيث يمكن لشركات التأمين على الحياة والعجز والرعاية طويلة الأجل أن تلزمك قانونياً بمشاركتها معلومات تتعلق بحمضك النووي، ويمكنها اتخاذ قرارات تستند إلى هذه البيانات، على الرغم من أنه لا توجد أدلة تشير إلى أن ذلك قد حصل حتى الآن.

7- كيف يمكنني الحفاظ على خصوصية حمضي النووي؟

ربما فات الأوان على ذلك. فكثير من الأشخاص لديهم حمض نووي يكاد يكون مطابقاً لحمضك النووي، لذا إذا شارك أحد أقاربك من الدرجة الثالثة حمضه النووي ولم يسبق أن سمعت باسمه، فذلك يعني أن معلوماتك الوراثية أصبحت أيضاً متاحة. حتى أن إحدى الدراسات أشارت إلى أنه يكفي أن يشارك 2% من الأشخاص معلوماتهم الوراثية حتى يصبح بالإمكان تحديد هويات الجميع تقريباً. بما أن الأمل بالحفاظ على خصوصية معلوماتنا الوراثية ضئيل للغاية، بدأ الخبراء يدعون لتبني قواعد ناظمة جديدة للحيلولة دون سوء استخدام هذه البيانات.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك