قطاع العقارات في الولايات المتحدة سيشهد تغيرات كبيرة في ضوء ازدهار الذكاء الاصطناعي

ازدهار الذكاء الاصطناعي سيفاقم أزمات المدن المتعثرة عقارياً

لافتة تشير لعرض منزل للبيع  - المصدر: بلومبرغ
لافتة تشير لعرض منزل للبيع - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

سيغير الذكاء الاصطناعي على الأرجح جوانب عديدة من عالمنا، لكن أحدها لم يلق قدراً كبيراً من الاهتمام، وهو ما يلوح في الأفق من تداعياته على قطاع العقارات.

أضحى الذكاء الاصطناعي عنصراً أساسياً في قطاع الأعمال وفي الحياة اليومية. وسترتفع أسعار المناطق التي يرغب العاملون في قطاع الذكاء الاصطناعي أن يقطنوها، شريطة أن تكون بنيتها التحتية معقولة. في الوقت ذاته، ستتضاءل قيمة المدن الأقل أهمية التي لن تشهد ازدهاراً من حيث الذكاء الاصطناعي.

إحدى الخصائص المميزة للذكاء الاصطناعي هو أن بإمكانه تقليص حجم كثير من الشركات. إذ يمكن للذكاء الاصطناعي إنجاز كثير من المهام التي كانت سابقاً تتطلب عدداً كبيراً من موظفي المكاتب. ليس مفاجئاً أن الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي على النحو الأمثل هي شركات الذكاء الاصطناعي نفسها.

يعمل لدى "كليرفيو" (Clearview)، وهي شركة متخصصة في تقنية التعرّف على الوجه كانت ذات أثر كبير على الحرب في أوكرانيا، 35 موظفاً فقط. كما أن عدد منسوبي شركة "أوبن إيه آي" (Open AI) كان أقل من 300 موظف حين طوّرت الشركة "جي بي تي-4" (GPT-4). أما شركة "أنثروبيك" (Anthropic)، وهي وحدة انفصلت عن شركة "أوبن إيه آي"، فيبلغ عدد عامليها نحو 200 موظف فقط.

مشهد متغير

بالطبع، كلما ازداد تبنّي الشركات للذكاء الاصطناعي، فإنها ستضحى أشبه بشركات الذكاء الاصطناعي نفسها وستُدار بالطريقة نفسها. وفيما تتراجع أعداد الموظفين، سيواجه قطاع العقارات التجارية، الذي يترنح تحت وطأة التحول للعمل من المنزل، أوقاتاً عصيبة.

لكن قيمة الأراضي سترتفع كثيراً في مناطق معينة، إذ ستتخذ الشركات مقارّاً أقرب من مراكز الذكاء الاصطناعي كي تكون قريبة من أسواق عمل الباحثين في الذكاء الاصطناعي، أو لمزيد من الاطلاع على الذكاء الاصطناعي من خلال اللاعبين الرائدين في القطاع. أتوقع آن تعاود العقارات في سان فرانسيسكو والضواحي المجاورة نهضتها بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العقارات في مانهاتن أيضاً. أما على الجانب المقابل من المحيط الأطلسي في أوروبا، فقد تشهد بعض أنحاء جنوب إنجلترا وباريس ارتفاعاً أكبر بكثير في الأسعار.

الشركات الناشئة لا تترك سان فرانسيسكو بعدما فقدت جاذبيتها

سيشمل ارتفاع الطلب العقارات السكنية أيضاً. قبل الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها "أوبن إيه آي"، قيل إن الشركة كانت تعرض على كبار الباحثين حزماً تضم أسهماً تتراوح قيمتها بين خمسة وعشرة ملايين دولار، لكن يُرجَّح أن تتراجع هذه الأرقام مع مرور الوقت فيما تزداد أعداد العاملين في القطاع.

لكن الأعداد الكبيرة المتوقعة للعاملين، ممن يتقاضون أجوراً مرتفعة في قطاع الذكاء الاصطناعي، ستولّد طلباً على بعض المنازل الراقية، مثلما حدث في فترات ازدهار قطاع التقنية قبلاً. إن أكبر شركات الذكاء الاصطناعي ليست مكتظةً بالموظفين، لكن منسوبيها عادةً ما يعملون من مكاتبهم بانتظام لتسهيل التعلم والتعاون، وبالتالي فهم يعيشون على مقربة من مواقعها.

الاقتصاد في الوظائف

إن قدرة الذكاء الاصطناعي على أن يقلص عدد بعض الوظائف لا تعني أننا سنشهد بطالةً واسعة النطاق، فرغم أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي دوراً كبيراً للموظفين، فهو سيتيح فرصةً لبدء عدد أكبر بكثير من المشاريع، وسيكون هناك المزيد من البرمجة والتصميم والتقدم العلمي، إلى جانب عدد أكبر من الخطط المختلفة على النطاق الأوسع. قد تتنوع تلك الخطط ما بين مصادر طاقة أفضل صديقة للبيئة والفنون الإبداعية والمزيد من مشاريع الصحة العامة والكثير غير ذلك.

المواصلات تستنتزف إنتاجية الموظفين

لكن أغلب تلك المشاريع لن تُنجز داخل مكاتب تقليدية، حتى لو تواجدت يها الإدارات المركزية. بل قد لا يكون لكثير من هؤلاء الموظفين علاقات دائمة مع الشركات كما يحدث في هوليوود، إذ تُجمع فرق من المبدعين لتحقيق أهداف معينة ثم ينتقلون في نهاية المطاف ليتولوا مشاريع أخرى.

وكلما ازداد حجم التغير الذي نشهده بمرور الوقت، ازداد الدور الذي تلعبه قرارات قطاع العقارات في تحديد الأماكن التي تود العمالة المطلوبة أن تسكن فيها. يُرجّح أن يُفضّل العاملون المناطق الجذابة التي لا تبعد كثيراً عن الإدارة المركزية وتتمتع بطقس مشمس وتضم مدارس ممتازة وضرائب معقولة والكثير من وسائل الراحة. ستكون للبنية التحتية كالمطارات وجودة الإنترنت أهمية كبيرة.

خارطة جديدة

يُرجَّح أن يكون منطقة شمال ولاية فرجينيا والمنطقة الحضرية في ولاية أتلانتا هما الفائزان المتوقعان الآخران في عملية إعادة تخصيص الموارد هذه في قطاع العقارات. كما يمكننا أن نتوقع أن يسكن العاملون المرتبطون بصناعات معينة في أوستن في مناطق تتجاوز حدود المدينة.

قد تلحق الخسارة بطبيعة الحال بمدن مثل هارتفورد ومينيابوليس، إذ يسود كل منهما طقس بارد نسبياً كما أنهما تعانيان من مشاكل موجودة مسبقاً فيما يتعلق بالجرائم والحوكمة.

سيضرب ذلك بقوة فكرة أن كل مدينة بحاجة إلى عدد كبير من الوظائف الخدمية، وسيؤثر ذلك على قطاع العقارات. سيشبه ذلك التطور، التأثيرات المعروفة جيداً للعمل من المنزل، لكن حجم الوحدات الأساسية للشركات الناجحة سيتضاءل، وسيكون هناك الكثير من المشاريع الجديدة الموزعة في أرجاء البلاد. ستتراجع أهمية المراكز الموروثة للمدن الأقدم بمرور الوقت، وستزداد مقابل ذلك أهمية الأماكن التي يقبل عليها الناس.

ما يزال بالإمكان تحقيق ثروات طائلة في قطاع العقارات، لكن فرص حدوث ذلك ستبلغ ذروتها حين يتمتع المستثمرون بالبصيرة والجرأة القوية في التحولات متسارعة الوتيرة التي تشهدها الولايات المتحدة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة