تشهد تايوان موجة من الزلازل مع احتمال نشوب صراع مع الصين، وهو الأمر الذي يدفع قادتها إلى تسريع الخطط الرامية إلى زيادة مرونة الجزيرة في مواجهة أعطال الاتصالات، والهجمات المباشرة على بنيتها التحتية الرقمية. لكن ذلك قد يكون مهمة مستحيلة.
تسعى أودري تانغ، وزيرة الشؤون الرقمية التايوانية، إلى أن يكون اقتصاد الجزيرة البالغ 740 مليار دولار قادراً على التعامل مع الانهيار المحتمل لجميع اتصالاتها في حالة الطوارئ بحلول نهاية العام المقبل.
اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة وتايوان يزيد التوتر مع الصين
هذا التهديد غير مستبعد إطلاقاً، إذ فقدت جزر ماتسو التايوانية الاتصال مع العالم الخارجي بعدما قطعت قوارب تحمل الأعلام الصينية كابلَي إنترنت بحريَّين في فبراير الماضي. قبل ذلك، قطع زلزال عام 2006 ثمانية كابلات واقعة تحت سطح البحر حول تايوان، واستغرق إصلاحها أسابيع طويلة، ما عطّل بدوره الإنترنت والخدمات المصرفية والتجارة عبر الحدود في معظم أنحاء آسيا. كان كلا الحدثين بمثابة تذكير قاسٍ لما يمكن أن يحدث إذا وقع نزاع أو كارثة طبيعية.
زلازل سياسية
قالت تانغ في مقابلة بتاريخ 17 مايو الجاري: "أكبر درس تعلمناه من هذا هو كيفية إدارة الأزمات المتوقعة في حالة خفض النطاق الترددي لشبكات الإنترنت، وكيفية تحديد أولويات سعة نقل البيانات، والاستخدامات التي لا بأس بها للحصول على سرعة انتقال أعلى قليلاً، وما إلى ذلك".
تشير تانغ إلى أن أسوأ سيناريو لتايوان سيكون تدمير نقاط الاتصال الفعلية على الجزيرة، المتمثلة في شركات تزويد خدمات الاتصالات الرئيسية الثلاث، بالإضافة إلى إمدادات الكهرباء الخاصة بها.
أضافت تانغ:"العدو يعرف تماماً مكان المرافق الرئيسية للجزيرة لأن المعلومات علنية، لذلك يمكننا أن نفترض أنها ستتعطل أو تُشوَّش أو تُدمَّر عند حدوث زلازل سياسية كبيرة".
ردّدت تانغ كلمة "زلازل" كثيراً خلال حديثها، وإلى جانب استخدامها للإشارة إلى الكوارث الطبيعية إذ تقع تايوان في المنطقة النشطة تكتونياً المعروفة باسم "حلقة النار"، فهي أيضاً كناية عن التوترات السياسية مع الصين، بما في ذلك الهجمات السيبرانية.
استطردت الوزيرة البالغة من العمر 42 عاماً، بأنه تشبيه مناسب للغاية لأن الزلزال لن يمنحك تحذيراً مسبقاً.
سيطرة الصين على تايوان
تعتبر الصين تايوان جزءاً من أراضيها، وتتعهد بإخضاعها لسيطرتها يوماً، ولو استلزم الأمر استخدام القوة. فيما ترفض حكومة الرئيسة تساي إنغ وين ادعاء بكين، مؤكدةً أن الجزيرة دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع.
مع إجراء تايوان انتخابات رئاسية في أوائل 2024، يُتوقع أن تكثف الصين جهودها للتأثير في التصويت. لكن تعزيز المرونة الرقمية التي تسعى إليها تانغ بحلول أواخر 2024 هدف صعب.
تدعو خطة الجزيرة الخاصة بالاستجابة للكوارث إلى إنشاء 700 قمر صناعي للاستقبال في جميع أنحاء تايوان. وسيكون بعض المستقبلات ثابتاً وبعضها متحركاً، وسيتعين إعدادها لاستقبال الاتصالات من مجموعات متعددة من الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض (LEO) ونظيره المتوسط (MEO).
وللوصول إلى هذه المرحلة، أتاحت الحكومة التايوانية عطاءات لمعاهد البحوث للمشاركة ضمن استراتيجية "إثبات المفهوم" للاختبار والتحقق. ذكرت تانغ أنه حتى الآن شاركت ثلاثة معاهد في هذه العطاءات، وسيبدأ الفائز العمل مع مزودي خدمات الأقمار الصناعية، بما فيهم شركة "أس إي أس غلوبال" (SES Global) الفرنسية التي يقع مقرها في لوكسمبورغ وتملك جهازَي استقبال في تايوان.
تابعت تانغ بأن "وان ويب" (OneWeb)، وهي شركة لتزويد الأقمار الصناعية يشارك بها عدة مستثمرين بما في ذلك حكومة المملكة المتحدة، والتكتل الهندي "بهارتي غلوبال" (Bharti Global) ومجموعة "سوفت بنك" (Softbank Group)، قد أبدت اهتمامها بمشروعات مثل "كويبر" (Kuiper)، وهي مبادرة أطلقتها شركة "أمازون دوت كوم" (Amazon.com) لإنشاء كوكبة مؤلفة من أكثر من 3 آلاف قمر صناعي للمدار الأرضي المنخفض. لكن أيّاً من هذين غير متوفر حالياً.
"تي-موبايل" تستعين بأقمار "ماسك" الاصطناعية لتغطية المناطق النائية بأميركا
لدى كوكبة الأقمار الصناعية "سبيس إكس" (SpaceX) فقط التابعة لشركة "ستارلينك (Starlink) القدرة على توفير تغطية حية في الوقت الحالي. تصف تانغ "ستارلينك" بأنها مزوّد محتمَل، لكنها تُشير إلى أنها تسعى وراء أكثر من مشارك واحد من أجل التأكد من أنه عندما تحدث محنة، سيحتاج العدو إلى تدمير مجموعة متعددة من الشركات، أو تعطيلها، لحرمان تايوان من الاتصال مع العالم الخارجي.
أقمار صناعية ضعيفة
تتضاءل قدرة الأقمار الصناعية في تايوان حاليّاً مقارنةً بالتغطية التي تحصل عليها حاليّاً من 14 كابلاً ممتدّاً تحت سطح البحر، كما يقول كيني هوانغ رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمركز معلومات شبكة تايوان، وهو منظمة غير ربحية مملوكة جزئيّاً للحكومة.
استطرد هوانغ بأن قدرة الأقمار الصناعية الحالية تضيف فقط نحو 0.01% من قدرة نقل الكابلات تحت سطح البحر. يكاد يكون من المستحيل استخدام هذه الأقمار الصناعية كنسخة احتياطية، أو في تعزيز مرونة الاتصالات".
مع ذلك فإن الكابلات البحرية معرَّضة للخطر للغاية. أضاف هوانغ أن خطة الحصول على 700 جهاز استقبال لن تكون كبيرة بما يكفي لتغطية احتياجات الاتصالات لسكان الجزيرة البالغ عددهم 23 مليون نسمة.
"أمازون" تبدأ اختبار خدمة إنترنت الأقمار الصناعية العام المقبل
اتصلت تانغ بـ700 جهاز استقبال كانت تهدف في البداية إلى الحد الأدنى للحفاظ على الاتصال الأساسي. خصصت الحكومة 550 مليون دولار تايواني جديد (18 مليون دولار) في 2023-2024 لدعم الاختبار والتحقق من برنامج الاستجابة للكوارث.
أضافت أن الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي تلقت دروساً من الصراع في أوكرانيا، التي واجهت هجمات إلكترونية متكررة من روسيا على بنيتها التحتية وسكانها. لكن لدى أوكرانيا إمكانية الوصول إلى نظام "ستارلينك" (Starlink)، الذي ساعد على الحفاظ على الاتصالات وتشغيلها منذ اندلاع الحرب.
قدرة الحكومة على التواصل
ليس من الواضح ما إذا كان هذا خياراً واقعياً لتايوان، لكن التساؤلات كثيرة حول ما إذا كان إيلون ماسك، مالك "سبيس إكس" الذي تضخ شركته "تسلا" استثمارات كبيرة في الصين، يرغب بالتسبب في مشكلات جيوسياسية لمساعدة تايوان. يُتوقع أن يزور الملياردير الصين هذا الأسبوع في أول رحلة له إلى البلاد منذ ثلاث سنوات، وفقاً لأشخاص مطّلعين على الأمر.
اقترح ماسك العام الماضي في تصريحات لصحيفة "فايننشال تايمز" موافقة تايوان على أن تصبح منطقة إدارية خاصة تابعة للصين، مما أغضب المسؤولين في تايوان وحظي بإشادة من بكين.
"ستارلينك" توفّر خدمات الإنترنت في الفلبين قبل نهاية 2022
كما شددت تانغ على أهمية أن تكون الحكومة قادرة على التواصل مع شعبها وكذلك العالم الخارجي في حالة حدوث أي أزمة، مستشهدة بالبيانات اليومية التي قدمها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر تقنية الفيديو كونفرانس طوال فترة الحرب الروسية على أوكرانيا.
يعني هذا أنه يجب التعامل مع مكالمات الفيديو الداخلية محلياً. مع ذلك، في الوقت الحالي، تُوجَّه مكالمات "زووم" (Zoom) في البداية إلى الخارج قبل إجراء اتصال محلي. وأضافت تانغ أن تطبيق "غوغل ميت" (Google Meet) التابع لشركة "ألفابت" (Alphabet) لديه توجيه محلي بالكامل، ما يضمن استمراره قيد التشغيل في حالة قطع الكابلات البحرية في تايوان.
ردّاً على سؤال حول هذا الجزء من خطة الحكومة، لم تستجب شركة "زووم فيديو كوميونيكيشنز " (Zoom Video Communications) و"غوغل" على الفور لطلب التعليق. كما امتنعت شركة "مايكروسوفت" عن التعليق.
أشارت تانغ مجدداً إلى أن البنية التحتية الرقمية للجزيرة محاصرة بالفعل بملايين الهجمات الآلية، إلى حد كبير من جهات يشتبه في أنها تابعة للصين. قالت إن ذلك سيزداد سوءاً في حالة وقوع زلزال مستقبلاً أو وجود حالة طوارئ أخرى.
وقالت: "سنشهد كثيراً من التقارير المباشرة المفبركة من تايوان"، في إشارة إلى مقاطع الفيديو التي تستخدم تقنيات "التزييف العميق" وغيرها من جهود التضليل. واختتمت: "هذا ما نجهز أنفسنا لمواجهته بحلول نهاية العام المقبل".