تشفير عمليات مسح قزحية العين على "بلوكتشين" يظهر الحاجة إلى كبح جماح "عقدة المُنقذ" المُتفشية في "سيليكون فالي"

الاندفاع نحو الذكاء الاصطناعي سيجر البشرية إلى المجهول

صورة تعبيرية لمسح بصمة العين البشرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية لمسح بصمة العين البشرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

إن مسح بصمة العين البشرية مقابل العملات المشفرة، وتسجيل النتائج المشفرة على سلسلة الكتل "بلوكتشين" هو نوع من الأفكار البائسة التي ربما أشعلت طفرة مضاربة خلال الوباء، قبل أن تنهار في النهاية بشكل سريع ومفاجئ، وتترك وراءها مجموعة من المستثمرين الغاضبين. لكن مع وصول الاهتمام بالذكاء الاصطناعي إلى ذروته، فإن هذا الحل المحفوف بالمخاطر لإثبات الهوية الشخصية في العالم الرقمي يكتسب زخماً جديداً.

بدأت "وورلد كوين" (Worldcoin)، بدعم من شخصيات بارزة بمن فيهم مارك آندرسن، وسام بانكمان فريد، كطريقة لإنشاء عملة رقمية ذات قيمة من خلال منحها للأشخاص الراغبين في التعريف عن هوياتهم بواسطة بياناتهم الحيوية. وما يسميه المشروع بتعبير ملطف "مرحلة الاختبار الميداني" تضمن مسح نصف مليون قزحية باستخدام جهاز عبارة عن كرة من الكروم يُطلق عليها اسم "ذا أورب" (the orb) ما أدى إلى عدد لا يحصى من حالات الاستغلال، وانتهاك الخصوصية، والخداع، ومحاولات الاحتيال. قد يظن المرء أن القصة تنتهي هنا؛ لكن الأمر ليس كذلك.

مخاطر الذكاء الاصطناعي على الخصوصية

لكن في الوقت الذي يفسح فيه شتاء العملات المشفرة الطريق أمام صيف حار بجمع التمويل للذكاء الاصطناعي، يطمح المشروع لنيل فرصة جديدة تتماشى أكثر مع رؤية "سام" آخر هو سام ألتمان، الشريك المؤسس للشركة الأم "توولز أوف هيومانتي" (Tools for Humanity) التي تتبع لها "وورلد كوين".

تمثل عمليات مسح قزحية العين -التي تم تحويلها إلى أدوات فريدة لتحديد الهوية- حجر الزاوية في خطة لإنشاء "هوية عالمية" (World ID) يمكنها التمييز بين الأشخاص والروبوتات في المستقبل الذي يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي.

مع صعود نجم ألتمان عالياً في سماء "وادي السيليكون"، تنطلق كرة الكروم "ذا أورب" في جولة حول العالم مصحوبةً بتطبيق يقدم عمليات تداول العملات المشفرة. ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن "وورلد كوين"، التي تُقدّر قيمتها بمليار دولار، تقترب من الحصول على تمويل إضافي بقيمة 100 مليون دولار.

هنا تتجلى أيضاً القوة الكاملة لـ"عقدة المخلص" التي تكمن في التكنولوجيا، لذا، على المنظمين والمواطنين على حد سواء الحفاظ على يقظتهم الجماعية. من غير الضروري أن تكون أحد حضور "منتدى دافوس" المناصرين للعولمة لترى فوائد الإنترنت في ظل عدد أقل من الروبوتات، وعدد أكبر من البشر الذين تم التأكد من هوياتهم. ولكن لا يتطلب الأمر أيضاً أن تكون من محبي "بتكوين" أو ناشطي الخصوصية لترى المخاطر. حتى إذا لم يكن من الممكن تتبع مصدرها الأصلي، فإن مسح قزحية العين هي بيانات حساسة، وتسليمها يجب أن يتطلب موافقة مطلعة حول المكان الذي ستصل إليه تلك البيانات.

وهم بصري

يقع مقر شركة "وورلد كوين فاونديشن" (Worldcoin Foundation) خارج مكان عملها الأساسي، في جزر كايمان، التي تتميز بتشريعات مرنة بشأن التنظيم المالي. وعملية تخصيص العملات الرقمية لدى الشركة مبهمة، وتتطلب قاعدة بياناتها المؤلفة من 1.7 مليون رمز قزحية المنشأ الثقة في دقة المعلومات الأساسية الخاصة بها.

لماذا يجب على أي شخص أن يعتبر هذا نظاماً رقمياً موثوقاً للمرور لكل شيء بدءاً من الخدمات المالية وصولاً إلى الدخل الأساسي الشامل؟

اقرأ أيضاً: ثورة الآلات على البشر.. هل تتحقق نبوءات 200 عام من الخيال العلمي؟

بنفس الطريقة التي يقدم بها خبراء الحلول التقنية رفقاء الذكاء الاصطناعي كحل للوحدة التي تسببها وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هذا الحل المقترح للآثار الجانبية لأدوات الذكاء الاصطناعي بما في ذلك "تشات جي بي تي"، البرنامج التوليدي الذي أطلقته شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI) التي يرأسها ألتمان، يهدد بخلق المزيد من العواقب غير المقصودة. وبالفعل، أبلغت "تك كرانش" (TechCrunch) أن قراصنة قد سرقوا بيانات اعتماد العديد من نخبة "مشغلي" كرة الكروم "ذا أورب" –الذين هم في الأساس مسؤولو توظيف يكسبون المال مقابل كل اشتراك- وذلك على الرغم من تأكيد "وورلد كوين" أنه لم يتم الوصول إلى بيانات المستخدم الشخصية.

أكدت "وورلد كوين" أيضاً التقارير التي تفيد بأن المئات من رموز قزحية العين قد انتشرت على "شبكة الإنترنت المظلمة"، وبيعت مقابل نقود في مناطق بما في ذلك الصين حيث لا تعمل الشركة الناشئة. إذا كان لا يمكن التمييز بين أفضل تكنولوجيا وبين السحر، فإن فعالية الـ"هوية عالمية" كأفضل طريقة لهزيمة الروبوتات الخبيثة تبدو أقرب إلى الوهم البصري.

اتباع رؤية بالو ألتو

أخبرني تياغو سادا، رئيس المنتج في "وورلد كوين"، أن مقاومة المستهلك للمشروع كانت أقل مما كان متوقعاً، لكنه أقر بأن العرض معقد، وأن "أشخاص مختلفون يحبون أجزاء مختلفة". يقول سادا إنه يمكن للمرء اليوم إثبات أن تطبيق "وورلد كوين" يساعد البشرية من خلال تقديم تحويلات العملات الرقمية، وفي المستقبل، قد تساعد إضافة هوية رقمية بعض البلدان في الوصول إلى الخدمات المالية لا يرجح أن تردع التغطية الإعلامية السيئة، والأجواء السلبية داعمي "وورلد كوين" وسط الاندفاع على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يساعد على قراءة الأفكار.. فما خطورة ذلك علينا؟

مؤخراً، قامت "هيومين" (Humane) (شركة ناشئة أخرى مدعومة من ألتمان) بجمع 100 مليون دولار على الرغم من عدم امتلاكها لمنتجات أو أرباح. وتقول إنها تتعاون مع شركة "أوبن إيه آي"، وستدخل في شراكة مع الخدمات السحابية لـ"مايكروسوفت".

تخيل أن تكون "وورلد كوين" يوماً ما جزءاً من هذه الشبكة، مع انتشار أوسع لكرات الكروم "ذا أورب"، وبحجم أصغر مما هي عليه اليوم، وأن تعمل فحوصات رمز القزحية كمدققات "حروف التحقق" (CAPTCHA) في عصر الذكاء الاصطناعي، وربما تعزز قيمة "أوبن إيه آي". قد يتضمن نموذج الإيرادات فرض رسوم للتحقق من الهوية، ما سيزيد بلا شك من قيمة عملات "وورلد كوين" المشفرة بالنسبة للحائزين عليها مبكراً. ليست بالضبط إنسانية بالنسبة لمعظمنا، لكنها تتماشى مع الرؤية العالمية للشركة التي تتخذ من بالو ألتو مقراً لتحسين البشرية من خلال التجارب النفعية القائمة على البيانات؛ حتى وإن اعتبرتها الأكاديمية مارجي تشيسمان "وورلد كوين" بأنها "تجربة احتيال".

سيعتمد ما سيحدث بعد ذلك على قدرة مشغلي جهاز "ذا أورب" على استقطاب أعضاء جدد يسجلون في المشروع، وما إذا كان "المستثمرون في العملات الرقمية" سيتأثرون بموجة الحماسة تجاه كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، ومدى إصرار الجهات التنظيمية على كشف خبايا "وورلد كوين".

عندما سُئل في وقت سابق من هذا الشهر عن موعد توزيع عملات "وورلد كوين"، قال ألتمان إن الأميركيين قد "لا يحصلون أبداً" على أي منها بسبب تنظيم قطاع التشفير. ويتضح أنه منزعج من حالة العملات المشفرة في الولايات المتحدة، إذ قال: "يُفترض أن يفعل الأوروبيون هذا، وليس نحن".

وإذا لم يستعرض الأوروبيون عضلاتهم في مجال خصوصية البيانات من خلال إلقاء نظرة فاحصة على كرات الكروم تلك، فإن طفرة الذكاء الاصطناعي ستأخذ البشرية إلى أماكن مظلمة جداً.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة