ربما يجب منح الآلة القدرة على تعريف نفسها في عالم يزداد فيه الاعتماد على أجهزة الحاسوب

على الذكاء الاصطناعي وضع قاموسه الخاص بالمصطلحات

روبوت مصنوع لالتقاط الأشياء من تطوير شركتي "بريدجستون" و"أسينت روبوتكس" معروض داخل منشأة "بريدجستون" في كودايرا في مدينة طوكيو، اليابان - المصدر: بلومبرغ
روبوت مصنوع لالتقاط الأشياء من تطوير شركتي "بريدجستون" و"أسينت روبوتكس" معروض داخل منشأة "بريدجستون" في كودايرا في مدينة طوكيو، اليابان - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يضايق الاهتمام المفاجئ على نطاق واسع بإمكانات الذكاء الاصطناعي، العديد من الناس القلقين بشأن تزايد دور الحاسوب في إنجاز أمور كانت حكراً على البشر، مثل الفنون البصرية والموسيقى والأدب.

ومؤخراً، حتى المصطلحات التي نستخدمها لوصف هذه الأنظمة لا يستسيغها البعض ممن يعترضون على البحث عن كلمات قديمة من أجل استخدامات جديدة أو محاولة تشبيه الآلة بالإنسان.

كانت كل من الظاهرتين شائعة بالفعل، قبل فترة طويلة من كتابة الدوائر الكهربائية في الآلة للأشعار، لدرجة أن جزءاً كبيراً من الدراما التي تحدث حالياً مبني على الخوف وليس المنطق. وهو أمر منطقي في هذا الصدد، إذ إن الآلة لا تشعر بالخوف، ومنطق الإنسان عادةً ما يفشل.

"هل يمكن للآلة أن تفكر؟"

حتى مصطلح الذكاء الاصطناعي يعتبره البشر إهانة حينما يُنسب إلى الجماد. يبدو هذا الأمر منطقياً، وهو مُستخدم منذ قرون رغم معاناة الفلاسفة في تعريف ماهية "الذكاء".

لتحقيق تلك الغاية، تكهن علماء الحاسوب مثل آلان تورنغ، المشهور بالمساهمة في فك شفرة ألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، بكيفية اختبارنا المحتمل لما إذا كانت الآلة يمكنها تقليد البشر بما يكفي لخداعنا، واخترع ما سُمّي باختبار المحاكاة لذلك الغرض.

إليك كل ما تحتاج معرفته عن "ChatGPT-4" الجديد

كتب تورنغ في عام 1950: "أعتقد أن السؤال الأصلي (هل يمكن للآلة أن تفكر؟) لا معنى له على الإطلاق ولا يستحق النقاش. رغم ذلك، أعتقد أن في نهاية القرن الحالي، سيكون استخدام الكلمات والرأي العام المثقف قد تغيَّر بدرجة كبيرة حتى أنه سيسمح للإنسان بالحديث عن قدرة الآلات على التفكير بدون توقّع أن يجد من يخالفه الرأي".

الجدل لم ينته بعد

للأسف، كان تورنغ مخطئاً، إذ إن الجدال أبعد ما يكون عن الانتهاء، والبشر يناقضون بعضهم البعض باستمرار. فالنسبة للكثيرين، تُعد كلمتا "آلة" و"تفكير" متضادتين. أما بالنسبة لتغيُّر استخدام الكلمات بحيث يتماشى مع التقدم الذي نحرزه في الأمر، فيبدو أن هذا هو لُب المشكلة للإنسان.

هل يمكن لـ"ChatGPT" أن ينافسني في كتابة الروايات؟

بعد كلمتي "ذكاء" و"تفكير"، يبدو أن كلمة "هذيان" هي المرحلة المقبلة. حين تُدلي أداة تعمل باستخدام الذكاء الاصطناعي، مثل "تشات جي بي تي"، بقولٍ غير حقيقي بكل ثقة، ثم يُقال عنها إنها "تهذي". لكن النقاد يسارعون إلى القول إن الآلة لا تفعل ذلك على الإطلاق، بل هي ببساطة تختلق الأمور.

هؤلاء النقاد على حق. لكن هناك مشكلات قليلة تنتج عن التسرع في إبداء الأحكام. أولاً، مثلما بذل المديرون التنفيذيون في شركتي "ألفابت" و"مايكروسوفت" جهداً للتوضيح، فإن روبوتات الدردشة ليست محركات بحث، وكل ما في الأمر أنها مُدرَّبة على تقليد كلام الإنسان، وليس تقديم معلومات صحيحة.

لغات تتطور باستمرار

عدم تقديم معلومة صحيحة ليس بمثابة نجاح أو فشل. والمشكلة الأخرى هي أن كلمة "هذيان"، من حيث التعريف، تعني "فكرة أو انطباعاً غير صحيح أو خاطئاً".

لكن بشكل أوسع نطاقاً، فإن الغضب العارم بشأن حالات استخدام كلمات قديمة لأغراض جديدة غير مبرر.

كيف يجب أن تتحدث إلى "ChatGPT"؟ إليك الدليل المبسط للمستخدم

فلغات البشر حية وتتطور باستمرار. وعلى مدى قرون، انخرطنا في علوم التشبيه، وهي نسب صفات بشرية إلى غير البشر. فنحن نُطلق أسماءً على حيواناتنا الأليفة، حتى عندما نملك حيواناً واحداً فقط في المنزل ولا يمكنه التحدث.

كما نفترض أن الدلافين سعيدة لأن أفواهها الطويلة على شكل ابتسامة. ونفرض على غير البشر أحكاماً تشبه ما نفرضه على البشر، مثل ربط الدهاء بالقطط، والوفاء بالكلاب، والشجاعة بالأسود.

قاموس البشر

نحن نعامل الجماد بالطريقة نفسها. فنقول مثلاً إن برمجيات الحاسوب بها أخطاء (وتُسمى بالإنجليزية حشرات "bugs")، وهو تعبير ظهر عندما وجدت عالِمة الحاسوب الأميركية غرايس هوبر فراشة محبوسة في أحد الأجهزة– ولا تزال قوة المحرك تُقاس بالحصان.

ولا توجد فأرة على سطح مكتبك، رغم أنك تستخدمها يومياً، وقد يُقبض عليك متلبساً (وكأن يديك ملطخة بالدماء) بدون أن تكون قد ذبحت أحد الحيوانات التي اصطدتها بشكل غير قانوني.

هذا ما يحدث عندما يُطلب من أحد أجهزة الحاسوب كتابة قاموسه الخاص.

هل يتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في كتابة المقالات والأخبار؟

ولا نزال نفعل ذلك اليوم، إذ توصَف بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي بأنها كتلك المبنية على شبكات عصبية. لكنها بالطبع لا تملك أعصاب ولا مسارات عصبية.

ففي هيئتها الملموسة، تبدو المسارات العصبية للذكاء الاصطناعي وكأنها عبارة عن هياكل تحدد العلاقة بين البيانات، وبالنسبة لهيئتها الثنائية، فنستخدمها لوصف أجهزة الترانزستور الموجودة داخل الشريحة. فعلى سبيل المثال، نقبل استخدام مصطلح "لوحة مفاتيح أيفون" (iPhone keyboard) رغم أنه ليس لها وجود فعلي، مثلما أعلن ستيف جوبز بفخر.

لا مفر من التطور

إذا كان على الناس درء نهوض الآلة، سيحتاجون للقيام بأفضل ما يقومون به حالياً، وهو التطور. ويعني ذلك قبول فكرة أن حتى لغتنا تتغير بمرور الوقت وفقاً للأوضاع الجديدة.

في الواقع، هذه القدرة على التكيُّف اللغوي قد تكون بالتحديد ما يجعل البشر أكثر مرونة. يُقال إن أجهزة الحاسوب تشبه الجنّي الشقي، فهي ستفعل ما تطلبه منها بالضبط، حتى لو لم يكن ذلك ما تقصد. اسأل حتى أذكى روبوت دردشة مثل "تشات جي بي تي" من شركة الأبحاث "أوبن إيه آي" لشرح كلمة وسيقدم لك تعريفاً نموذجياً– أي التعريف الذي قدمناه له.

"من شابه صانعه فما ظلم".. "تشات جي بي تي" يكذب مثل البشر

وإذا لم تعجب البشر فكرة تطبيق الأوصاف التي يطلقها الناس على بعضهم البعض، على أجهزة الحاسوب التي بدأت تقلدنا، فهناك بديل لذلك، وهو منح الآلات القدرة على تعريف نفسها.

وعن نفسي حاولت القيام بذلك مع "تشات جي بي تي"، وقد ينتاب من يؤمنون بنقاء الجنس البشري شعور اً بخيبة الأمل إذا عرفوا أن النتائج كانت شبيهة فعلاً بما قد يقوله البشر.

مصطلحات اخترعها "تشات جي بي تي"

كان تعبير "انجراف العقلية" (mindset drift) من بين 8 أمثلة قدمها التطبيق. ويُعد ذلك مثلما وصفنا من قبل: التغيير التدريجي في طريقة استيعاب نموذج للذكاء الاصطناعي وتعامله مع العالم مع مرور الوقت، وهو عادةً ما يكون بسبب وصوله لبيانات جديدة أو تغير الأوضاع.

ليس من المفاجئ أن العديد من المصطلحات مشتقة مما ابتكرناه نحن أنفسنا، حيث يمتلك البشر آلاف الأعوام من الحياة والتطور لنبني عليها، لكن الآلة لا تملك سوى التاريخ الذي نمنحه إياها، إلى جانب القدرة على الهذيان.

رغم ذلك، فإن ما قدّمه روبوت الدردشة يطرح حلاً وسطاً مفيداً. فبإمكاننا أن ننظر لكل مصطلح، مثل "إرهاق اللوغاريتمات" (algorithm fatigue)، ونفكر فيما قد يعنيه فعلاً.

لكن بما أن أحد أجهزة الحاسوب، وليس البشر، هو الذي كان وراء صياغة التعريف، ليس بوسعنا إلقاء اللوم سوى على روبوت الدردشة. وإن لم تكن الآلات واعية، فلا يمكن بالفعل إلقاء اللوم عليها في كل الأحوال.

ختاماً، إذا رفض البشر أقلمة لغتهم في عالم يزداد فيه انتشار أجهزة الحاسوب، سيبرز سيناريو أسوأ بكثير تقوم فيه الآلات بتعريف الأشياء بطريقتها الخاصة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك