المشروع الصحي قيد التطوير للشركة حافظ على سرّيته منذ 2010.. ويعتمد على قياس طيفية الامتصاص الضوئي

"أبل" تحقق تقدماً كبيراً في ساعتها لقياس سكر الدم دون وخز

عميل يجرب ساعة "أبل" في أحد متاجر "أبل، سيدني، أستراليا - المصدر: بلومبرغ
عميل يجرب ساعة "أبل" في أحد متاجر "أبل، سيدني، أستراليا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تعمل شركة "أبل" على مشروع طموح تعود فكرته إلى عهد مؤسسها ستيف جوبز، يتمثل في المراقبة المستمرة لنسبة السكر في الدم من دون وخز.

يهدف هذا المشروع السرّي الذي أطلق عليه "إي 5" (E5) إلى قياس نسبة السكر في جسم الإنسان دون الحاجة إلى وخزه للحصول على عينة دم. وبعد الوصول إلى مراحل مهمة مؤخراً، باتت الشركة واثقة حالياً بقدرتها على طرح هذه التقنية في السوق وفقاً لتصريحات المُطلعين على تلك الجهود.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

إذا اكتمل هذا المشروع فسيكون بمثابة هدية لمرضى السكري، كما سيساعد على ترسيخ مكانة "أبل" باعتبارها عملاقاً في مجال الرعاية الصحية. كما أن إضافة نظام مراقبة السكر إلى ساعة "أبل" -وهو الهدف النهائي- سيجعل منها غرضاً لا غنى عنه لملايين مرضى السكري في أنحاء العالم.

الرقاقات هي الحل

ما زال العمل على هذه التقنية يحتاج إلى سنوات، لكن تلك الخطوة قد تقلب قطاعاً قيمته مليارات الدولارات رأساً على عقب. فواحد من كل 10 أميركيين تقريباً مصاب بداء السكري، وعادةً ما يعتمد المرضى على جهاز يتطلب وخز الجلد للحصول على عينة دم، كما توجد لصقات تصنعها "ديكسكوم" (Dexcom) و"أبوت لابراتوريز" (Abbott Laboratories) توضع تحت الجلد، لكنها تحتاج إلى الاستبدال كل أسبوعين تقريباً.

تعتمد "أبل" نهجاً مختلفاً، إذ تستخدم إحدى تقنيات الرقاقات التي تُعرف باسم رقاقات السيليكون الضوئية وعملية قياس تسمى قياس طيفية الامتصاص الضوئية. يستخدم النظام أشعة الليزر لبثّ ضوء ذي أطوال موجية محددة في الموضع تحت الجلد حيث يوجد السائل الخلالي، وهي مادة تتسرب من الشعيرات الدموية ويمكن للسكر امتصاصها، ثم ينعكس الضوء إلى المُستشعر بطريقة توضح تركيز السكر، وبعدها تحدّد خوارزمية مستوى السكر في دم الشخص.

يعمل مئات المهندسين على المشروع الذي يمثل قسماً من " إكسبلوراتوري ديزاين غروب" (Exploratory Design Group) -"إكس دي جي" اختصاراً- وهو قسم لم يسبق الكشف عنه يشابه قسم "إكس" المختص بالتطورات الكبيرة في "ألفابت" (Alphabet). ويعتبر "إكس دي جي" من أكثر المبادرات السرية في "أبل" المعروفة بتكتمها، بل يعمل فيه عدد أقل ممن يعملون في مشروع سيارة "أبل" ذاتية القيادة -الذي تشرف عليه "سبيشيال بروجكتس غروب" (Special Projects Group)- أو أولئك الذين يعملون على سماعة الواقع المختلط التي تطورها "تكنولوجي ديفلوبمنت غروب" (Technology Development Group) التابعة لها.

رفض المتحدث الرسمي باسم الشركة في كبرتينو -مقر "أبل" في كاليفورنيا- التعليق على الأمر، لكن في الوقت ذاته صرح ممثل عن شركة "أبوت لابراتوريز" بأن الشركة تطور أيضاً منتجات جديدة لمراقبة مستوى السكر.

الابتكار المستمر مهم جداً

قال المتحدث الرسمي باسم الشركة، سكوت ستوفل: "الابتكار المستمر في تقنيات الصحة غاية في الأهمية". وأضاف: "إنها مسألة معقدة، ولا بد أن تكون دقيقة وسهلة وميسورة التكلفة. (أبوت لابراتوريز) رائدة عالمياً في المراقبة المستمرة لمستويات السكر، لأن منتجات (فري ستايل ليبري) التي نصنعها تلبي تلك الاحتياجات".

اختبرت "أبل" تقنية قياس السكر على مئات الأشخاص على مدى العقد الماضي. وفي تجربة النظام على الإنسان، استخدمته على أشخاص لا يعرفون ما إذا كانوا مصابين بالسكري أم لا، كما استخدمته على أشخاص يعانون من مقدمات السكري، ومرضى السكري من النوع الثاني. وقارنت الشركة نتائجها بنتائج الاختبارات المعيارية للدم المسحوب من الأوردة والعينات المسحوبة بوخز الجلد المعروفة باسم الدم الشعيري.

بلغ النظام الذي تعمل عليه "أبل" منذ أكثر من 12 عاماً مرحلة الإثبات، حسب تصريحات الأشخاص الذي طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم نظراً إلى سرية المشروع. وتثق الشركة بقابلية التقنية للتطبيق، لكنها في حاجة إلى الوصول إلى حجم أكثر عملانية.

يعمل المهندسون على تطوير نموذج أولي للجهاز في حجم "أيفون" يمكن تثبيته على العضلة ثنائية الرأس في ذراع الشخص، وسيعد هذا تصغيراً كبيراً عن النسخة السابقة من النظام التي كانت تحتاج إلى طاولة لتوضع عليها.

هدف طموح

من بين الأهداف التي وضعتها "أبل" للتقنية، ابتكار إجراء وقائي يحذّر الناس من مقدمات السكري، وعندها يمكنهم تغيير نمط حيواتهم لتجنب الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، الذي يحدث عندما يعجز الجسم عن استخدام الإنسولين بطريقة صحيحة. وعقد فريق "أبل" التنظيمي بالفعل محادثات مبكّرة للحصول على الموافقة الحكومية على النظام.

لكنّ هناك سبباً لاعتبار هذا النظام هدفاً طموحاً، إذ حاولت شركات ناشئة عديدة، وبعض أكبر الشركات في العالم، تطوير نظام للمراقبة بلا وخز، لكنها فشلت في تحقيق ذلك. فمثلاً أعلنت "غوغل" (Google) عن خططها لصنع عدسات ذكية يمكنها قياس السكر في الدم باستخدام الدموع، لكن الشركة صرفت نظرها عن المشروع المعقّد في 2018.

يعتقد كبار المديرين التنفيذيين في "أبل" أنهم وحدهم قادرون على حل هذه المشكلة، نظراً إلى خبرة الشركة في التكامل بين الأجهزة والبرمجيات، إلى جانب إمكاناتها المالية الهائلة. كما يشارك في المشروع تيم كوك، الرئيس التنفيذي للشركة، وجيف وليامز، مدير العمليات، ويوجين كيم، رئيس قسم أجهزة ساعات "أبل". وحسب المُطلعين على الوضع، فقد أنفقت "أبل" مئات الملايين حتى الآن.

لقد تحوّلت ساعة "أبل" تدريجياً إلى أداة صحية، إذ تضمّن الطراز الأول -الذي طُرح في 2015- مستشعراً لمعدل ضربات القلب، لكن تركيزها الأكبر كان على تتبع اللياقة البدنية، ثم أضيفت إلى الساعة القدرة على إجراء مخططات كهربائية للقلب من خلال المعصم في 2018، كما يمكنها الآن استشعار درجة حرارة الجسم -لتتبع صحة المرأة- وحساب مستويات الأكسجين في الدم.

رقاقات السيليكون

سيعتمد نظام قياس السكر على لوح من رقاقات السيليكون الضوئية والمستشعرات التي صممتها "أبل". وقد وقع اختيار الشركة على "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ" (Taiwan Semiconductor Manufacturing) لصنع الرقاقة الرئيسية لتوصيل الطاقة إلى النظام، علماً بأن الشركة التايوانية تُعتبر أحد أهم شركاء "أبل"، وتصنع المعالجات الأساسية في هواتف "أيفون" وأجهزة "أيباد" وحواسيب "ماك".

تعاونت "أبل" مع "روكلي فوتونيكس هولدينغز" (Rockley Photonics Holdings) لتطوير المستشعرات والرقاقة اللازمة للتنقية، وكان هذا قبل أن تحوّل وجهتها إلى "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ". أفصحت "روكلي فوتونيكس هولدينغز" علنياً في 2021 عن تعاونها مع "أبل"، ما ألهب الاهتمام بمورّدة "أبل" التي أعلنت بعدها إنهاء الشراكة بينهما، وقدمت "روكلي فوتونيكس هولدينغز" طلباً لإعلان إفلاسها في الشهر الماضي.

بينما قطعت "أبل" شوطاً كبيراً في التقنية في جهودها لمراقبة مستوى السكر، عانت من عقبة حديثة. فرئيس المجموعة، بيل أثاس، العالِم طويل الباع والمدير التنفيذي للشؤون الهندسية، تُوفي فجأةً في نهاية 2022. يقود العمل الآن قلة من أعلى نواب أثاس، ومنهم المديران ديف سايمون وجيف كولر، ويرفعون تقاريرهم إلى جوني سروجي، رئيس قسم الرقاقات في "أبل".

تكتم شديد

كان المشروع محاطاً بتكتّم أشد، قبل أن يبدأ فريق "إكس دي جي" العمل عليه، فتأسست له شركة ناشئة خاصة باسم "أفولونت هيلث" (Avolonte Health) التي لم تكن لها علاقة بشركة "أبل"، كما يبدو لأي مراقب من الأطراف الخارجية.

المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: غيتي إيمجز

كان مقر الشركة الناشئة مبنى صغيراً للمكاتب في بالو ألتو، يبعد 19 كيلومتراً (12 ميلاً) عن مقر "أبل" الرئيسي. وحمل أعضاء الفريق بطاقات موظفين في شركة "أفولونت هيلث"، بدلاً من بطاقات موظفي "أبل"، وحافظت تلك الاستراتيجية على إبقاء عمل "أبل" طيّ الكتمان خلال التجارب على الإنسان، وخلال مساعيها للحصول على براءات الاختراع وحشد الشركاء.

بدأ المشروع في 2010 حين اشترت "أبل" شركة ناشئة اسمها "ريرلايت" (Rarelight) التي روّجت لنهج مبكّر لمراقبة مستوى السكر في الدم بلا وخز.

البداية من ستيف جوبز

بينما كان ستيف جوبز، الشريك المؤسس للشركة يواجه مشكلاته الصحية، وجّه صانعة "أيفون" لشراء الشركة الناشئة، وتواصلت "أبل" مع بوب ميسرشميدت، مؤسس "ريرلايت" لبدء عمله على مراقبة مستوى السكر، الذي أطلق عليه في البداية الاسم الرمزي "إي 68" (E68)، ويدير ميسرشميدت حالياً شركة للرعاية الصحية اسمها "كور هيلث" (Cor Health).

جرت الصفقة في النهاية بسبب "رؤية جوبز لإدماج الرعاية الصحية مع التكنولوجيا"، كما قال في مقابلة له. ووفقاً للمشاركين، كان بوب مانسفيلد ومايكل كولبرت، المديران التنفيذيان للأجهزة بشركة "أبل"، من ضمن القوى الدافعة خلف المشروع.

حلّ مايكل هيلمان، رجل "أبل" المخضرم، محل ميسرشميدت رئيساً للمشروع في 2011، ورحل عنها في 2015. وقفت "أفولونت هيلث" نشاطها تدريجياً بعد رحيل هيلمان، وأصبحت المحاولة جزءاً من "إكس دي جي" الذي ترأسه أثاس، ويعمل الفريق حالياً بالقرب من مقر "أبل بارك".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك