المنطاد الصيني، الذي حلّق فوق الولايات المتحدة -وانتشرت مزاعم حول دروه في التجسس- كان قادراً على جمع إشارات الاتصالات، وكان جزءاً من جهد أوسع لجمع معلومات مخابراتية لصالح جيش التحرير الشعبي (الجيش الصيني) وشمل أكثر من 40 دولة، بحسب تصريحات مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية، الخميس الماضي.
أضاف المسؤول، في بيان اشترط فيه عدم الكشف عن هويته، أن الصور عالية الدقة التي قدمتها طائرات التجسس "يو-2" (U-2) بعدما حلقت مارة بالمنطاد كشفت عن مجموعة من معدات المراقبة والاستطلاع التي تتعارض مع ادعاء بكين بأن الجهاز كان جهازاً لمراقبة الطقس وخرج عن مساره.
البيان، الذي صدر قبل مثول مسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع أمام الكونغرس في جلسات علنية وأخرى مغلقة للإحاطة أول أمس، يُعتبر أبرز مثال على إصرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على أن المنطاد كان لأغراض التجسس على الولايات المتحدة خلال رحلته المثيرة التي دامت أسبوعاً.
قال وزير الدفاع لويد أوستن، في مقابلة مع شبكة (سي بي إس نيوز)، إن وزارته اتخذت إجراءات للحد من قدرة المنطاد على الوصول للمعلومات عن القدرات النووية الأميركية. مضيفاً: "تأكدنا أن جميع منشآتنا الاستراتيجية كانت متوقفة عن العمل، والحركة كانت محدودة وكذلك الاتصالات، حتى لا نكشف عن أي قدرات دون داع". واستطرد أن المناطيد الصينية حلّقت فوق أجزاء من الولايات المتحدة في السنوات السابقة، ومرت بتكساس وفلوريدا.
الشركة المصنّعة للمنطاد
قال المسؤول بوزارة الخارجية إن الولايات المتحدة تحاول الآن كشف جهود التجسس الصينية الأوسع نطاقاً ومكافحتها بالتعاون مع حلفائها. وأضاف أنها تدرس أيضاً اتخاذ إجراء مناهض للكيانات الصينية المرتبطة بمساعي جمع معلومات المخابرات، بعدما عرفت أن شركة صينية لتصنيع المناطيد تبيع منتجات للجيش الصيني.
التفاصيل الجديدة التي نُشرت أمس -بما فيها الكشف عن أن المنطاد كان جزءاً من أسطول أوسع موجه عسكرياً- ستفاقم الضغوط التي تعكر صفو العلاقات الأميركية الصينية.
أفادت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بأن الصين رفضت طلباً لإجراء اتصال هاتفي بين أوستن ونظيره الصيني، وي فنغي، مباشرة بعد إسقاط المنطاد قبالة سواحل ساوث كارولاينا في الرابع من فبراير الجاري.
قال إيلي راتنر، مساعد وزير الدفاع، للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: "على مدى الأشهر العديدة الماضية، واصل جيش التحرير الشعبي النظر إلى العلاقات العسكرية المتبادلة على أنها شيء يمكن التلاعب به وقتما شاء للتعبير عن استيائه من الأشياء الأخرى"، وذلك في إشارة منه إلى العلاقات العسكرية للجيش الصيني مع نظيره الأميركي. وأضاف "نعتقد أن هذا أمر خطير حقاً، لكن يدنا ما تزال ممدودة".
من جانبها، صرحت وزارة الدفاع الصينية، أمس، أنها رفضت التحدث إلى الولايات المتحدة بشأن المنطاد لأن "استخدام القوة ينتهك الممارسات الدولية، ويمثل سابقة سيئة"، وفقاً لبيان صادر عن المتحدث باسمها تان كيفي. واستطرد: "الولايات المتحدة لم تهيئ أجواء مواتية للحوار"، واصفاً إسقاط ما تعتبره الصين منطاداً مدنياً بأنه عمل "غير مسؤول".
بكين تستنكر مزاعم باستخدام منطاد للتجسس على أميركا
أدى الكشف عن المنطاد الأسبوع الماضي إلى تأجيل زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن المخطط لها منذ فترة طويلة إلى الصين في إطار محاولة لتطبيع العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم.
قال المسؤولون الأميركيون إنهم اتخذوا إجراءات لإبطال قدرة المنطاد على جمع معلومات المخابرات أثناء عبوره الولايات المتحدة القارية، لكن التأكيد الجديد على أنه قادر على جمع الاتصالات الحساسة بفاعلية من شأنه أن يؤيد انتقادات الجمهوريين بأنه كان ينبغي لإدارة بايدن إسقاطه على نحو أسرع، بدلاً من انتظار عبوره للبلاد حتى يتسنى إسقاطه فوق الماء.
رد فعل الكونغرس
صوّت مجلس النواب بالإجماع لإدانة الصين بسبب رحلة المنطاد، وجاء ذلك رغم استمرار انقسام المشرعين على أسس حزبية إلى حد بعيد حيال ما إذا كانت الإدارة قد تصرفت على نحو سليم.
بعد جلسة الإحاطة التي عقدها أعضاء مجلس النواب لمسؤولين من الإدارة، قال النائب آدم شيف، وهو ديمقراطي من كاليفورنيا، "لقد أجابوا على جميع أسئلتنا. وأعتقد أن الإدارة اتخذت القرار الصحيح بشأن إسقاطه، والتوقيت الذي اختاروه لذلك. أعتقد أنه كان سيشكل خطراً حقيقياً على الناس في الأرض".
لكن النائبة الجمهورية سوزان كولينز عن ولاية مين قالت في جلسة بمجلس الشيوخ إنها "ترفض تصديق أنه لم تكن هناك ولو فرصة واحدة لإسقاط منطاد التجسس هذا بأمان أثناء عبوره للبلاد". وتابعت أنه وفقاً لمنطق الإدارة هذا "سنسمح للصينيين بإطلاق منطاد مراقبة فوق البنتاغون مباشرة".
كيف كشفت حادثة المنطاد هشاشة العلاقات الأميركية الصينية؟
أيّدها في طرحها السناتور الديمقراطي جون تيستر عن ولاية "مونتانا" التي أُعلن عن وجود المنطاد لأول مرة عندما مر فوقها.
وقال إنه كان يجب إسقاط المنطاد عندما مر في البداية فوق ألاسكا. وقال "لا أريد منطاداً لعيناً يمر فوق الولايات المتحدة".
في السياق ذاته، أشارت السناتور الجمهورية عن ألاسكا ليزا موركوفسكي إلى أن عدم القيام بذلك بعث بإشارة إلى الصين مفادها أن "لديها "مجالاً مفتوحاً في ألاسكا" من أجل "التحليق فوق" ولايتها "قبل أن تصل إلى المناطق الأكثر حساسية".
ورد الفريق دوغلاس سيمز، مدير العمليات في هيئة الأركان المشتركة عليهم بأن أولويتهم الأولى كانت "تقليل احتمال حدوث أضرار جانبية لما يقرب من الصفر" سواء على الأرض في ألاسكا أو في أي مكان آخر. وأضافت ميليسا دالتون، مساعدة وزير الدفاع لشؤون الدفاع الوطني، أن عمليات انتشال المنطاد للتحقيق في قدراته كانت ستصبح صعبة و"خطيرة للغاية" في المياه العميقة والجليدية قبالة ألاسكا.