عمالقة القطاع يُعقّدون تصميم الأجهزة عمداً بدعوى التأثير سلباً على المبيعات

كيف تقاوم شركات التكنولوجيا مشروع قانون "الحق في الإصلاح"؟

كابلات شحن وهاتف محمول مفكك وأدوات على منضدة عمل في كشك لإصلاح الهواتف - المصدر: بلومبرغ
كابلات شحن وهاتف محمول مفكك وأدوات على منضدة عمل في كشك لإصلاح الهواتف - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بعضنا كبير في السن بما يكفي لتذكُّر الأيام حينما كان يمكن بسهولة استبدال بطارية معطوبة في هواتفنا. أما اليوم، قد يُكلّف إصلاح أي جهاز إلكتروني -بما في ذلك الهواتف الذكية إلى وحدات التحكم في ألعاب الكمبيوتر أو فرن مايكروويف أو مروحة– أكثر مما يكلف شراء واحد جديد.

تُعقِّد الشركات على الفنيين الولوج إلى داخل منتجاتها وقطع المكونات وبرمجيات التحديث. لذا يجري التخلص من الأجهزة، ما قد يولِّد نفايات خطرة، ويدفع المستهلكين لشراء أجهزة جديدة يؤثر إنتاجها على البيئة أكثر.

بعد مقاومة دعوات جماعات معنية بحملات "الحق في إصلاح" الأجهزة لفترة طويلة، بدأت بعض كبرى الشركات المُصنعة تُغيِّر رأيها.

1) ماذا وراء حركة الحق في الإصلاح؟

منذ ظهور أول سلع استهلاكية إلكترونية في خمسينيات القرن الماضي، حاول المشترون الحفاظ على استمرارية عمل الأجهزة من خلال إصلاح أو استبدال الأجزاء المعطوبة. واليوم، يتضح أن العديد من المنتجات مصمَّمة لتكون غير قابلة للإصلاح.

يستخدم المصنّعون براغي غير قياسية، ويقومون بإغلاق الأجهزة بمادة صمغية أو لحام القطع بعضها ببعض، ما يجعل استبدال مكوناتها مستحيلاً. يعني تعقيد الأجهزة المتزايد أن الفنيين سيحتاجون لدليل مُفصّل وأدوات قد يصعُب أو يستحيل الحصول عليها.

يُغيّر بعض المصنّعين البرمجيات أيضاً، لكي لا تعمل منتجاتهم بشكل سليم عندما تُستبدل القطع. بل وتُوجَّه لهم اتهامات بتحديث البرمجيات لتؤثر سلباً على أداء المنتج بمرور الوقت. فشركة أبل، التي تقول إنها تصمم "كل إصدار للبرمجيات بحيث تتأكد من عمله بسلاسة على كل الأجهزة المدعومة"، كانت تحديداً محل شكوى.

2) ما الشكاوى بخصوص "أبل"؟

مثل شركات التكنولوجيا الأخرى، لا تزوّد "أبل" عادةً قطع الغيار لمحلات التصليح التي لم تعتمدها. ويقول النقاد إن ذلك يجعل الإصلاحات المستقلة غير المرتبطة بالشركة لا فائدة لها، إذ قد يكلف الإصلاح أكثر مما قد يكلف شراء جهاز جديد. عندما تستبدل محلات أخرى البطاريات أو الشاشات، قد يعاني المستخدمون من كثرة الأعطال الفنية أو الإشعارات بوجود خلل.

وتقول "أبل" إن القطع التي لم يجر التحقق منها قد تؤدي إلى أداء ضعيف ومشاكل كبيرة في السلامة. وقدمت شركة التكنولوجيا العملاقة بعض التنازلات خلال السنوات الأخيرة. في 2019، أطلقت "أبل" برنامجاً يتيح للأطراف الثالثة إصلاح الأجهزة التي أضحت خارج الضمان، وبدأت تدريب أكثر من 265 ألف فني. وفي 2021، أعلنت "أبل" خططاً لتوفير قطع الغيار، ليتمكن أصحاب هواتف "أيفون 12" و"أيفون 13" من إصلاح الشاشة والبطارية والكاميرا في الأجهزة الخاصة بهم.

يقول نشطاء حملة "الحق في الإصلاح" إن قطع الغيار والأدوات التي تؤجِّرها "أبل" لزبائنها قد تكون باهظة الثمن لدرجة أن استبدال الجهاز بأكمله ما يزال أرخص ثمناً.

3) ماذا عن الصناعات الأخرى؟

رغم أن الحملة تركز بشكل رئيسي على الأجهزة الإلكترونية، مثل الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، فهي تشمل عدداً من السلع، مثل أجهزة تحميص الخبز، والثلاجات، والسيارات، والدراجات البخارية، والجرارات.

تضغط المحلات المستقلة لإصلاح المحركات بولاية ماين في الولايات المتحدة للحصول على البيانات التشخيصية التي تحتاج إليها لإصلاح العديد من السيارات والشاحنات. لم تسمح شركة "دير آند كو" (Deere & Co) عادةً سوى لفنييها بإصلاح الإلكترونيات في جراراتها الشهيرة بلونيها الأخضر والأصفر.

لجأ بعض المزارعين إلى شراء طرازات أقدم بمكونات أبسط ما يزال بإمكانهم إصلاحها. في يناير، وافقت الشركة على منحهم رموز التشخيص والإصلاح وكتيبات الاستخدام ودليل المنتج. رغم ذلك، لم يتضح إن كانت "دير" ستشارك كل المعلومات التي يحتاجها المزارعون لإصلاح الآلات دون اللجوء لمحل تصليح معتمد.

4) ما تأثير ذلك على البيئة؟

ولّدت الأجهزة التي تخلص منها أصحابها ما يُقدَّر بـ53.6 مليون طن من النفايات في 2019، وجرى إعادة تدوير 17% فقط منها بشكل سليم. تحتوي النفايات على معادن ثقيلة ومُركَّبات تشمل الزرنيخ، والرصاص، والزئبق، والكادميوم، التي قد تُعرِّض التجمعات السكانية لخطر الإصابة بالسرطان والعيوب الخلقية، إذا لم يجر التخلص منها على نحو ملائم.

إن إنتاج وشحن الأجهزة الجديدة لاستبدال تلك التي لا أمل في إصلاحها، ناهيك عن تعدين المواد الخام الضرورية، يستهلك طاقة، ما يَنتُج عنه عادةً انبعاثات غازات مسؤولة عن رفع درجة حرارة الكوكب. وقدّر باحثون في دراسة أن إنتاج هاتف ذكي مسؤول عن إصدار ما يعادل بين 40 إلى 80 كيلوغراماً من ثاني أكسيد الكربون، أي نحو الكمية نفسها الناتجة عن قيادة سيارة ركاب عادية لما يصل إلى 200 ميل (320 كيلومتراً).

مع شراء مزيد من الأشخاص هواتف محمولة وأجهزة أخرى، تتضاعف الانبعاثات الصادرة عن إنتاجها. وخلال السنوات الخمسين الماضية، نما استهلاك الأجهزة الإلكترونية 6 أضعاف، رغم أن تعداد السكان العالمي زاد بمقدرا الضعف فقط، بحسب مؤلفي الدراسة.

5) كيف تقاوم شركات التكنولوجيا الحق في إصلاح الأجهزة؟

أنفقت شركات، من بينها "أبل" و"غوغل" و"مايكروسوفت" و"تسلا"، بشكل كبير على الشركات المتخصصة في الضغط السياسي لإثبات أن قوانين الحق في الإصلاح من شأنها أن تكشف أسرار الصناعة وتتيح للأطراف الثالثة الوصول إلى معلومات حساسة وتُعرِّض سلامة وأمن المستهلكين للخطر.

عندما قاوم ممثلو "أبل" مشروع قانون الحق في الإصلاح بولاية نبراسكا خلال 2017، أبلغوا المُشرِّعين أن الأمر سيُحوِّل الولاية إلى "قِبلة" لمخترقي الأجهزة. يقول النقاد إن الصناعة تعارض سوقاً حرة في مجال الإصلاح، لأنها ستخفض الأسعار لهذه الأشغال، وتشجع المزيد من الأشخاص على إصلاح أجهزتهم، ما يؤثر سلباً على مبيعات الأجهزة الجديدة.

6) ماذا تفعل الحكومات؟

تدفع القوانين المطبقة في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة صنّاع غسالات الملابس وغسالات الأطباق والثلاجات وأجهزة التلفزيون لضمان إمكانية استبدال قطع الغيار بأدوات شائعة يستطيع المستهلكون استخدامها بسهولة.

يدرس الاتحاد الأوروبي فرض قواعد تنظيمية للهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر اللوحية والشخصية. ففي فرنسا، يجب على المصنّعين توفير "تقييم القابلية للإصلاح" لبعض الأجهزة الإلكترونية. على سبيل المثال، منحت "أبل" تقييماً لهاتفها من طراز "أيفون 12 بروماكس"، الصادر في أواخر 2020، ست درجات على مقياس من صفر إلى 10.

طلب الرئيس الأميركي جو بايدن من مسؤولين فيدراليين في 2021 تقديم إجراءات تحد من قدرة المصنّعين على منع إصلاح منتجاتهم بأنفسهم أو من خلال طرف ثالث. ودرست عدة ولايات أميركية مشروعات قوانين الحق في الإصلاح منذ ذلك الحين، لكن جرى التصويت ضد الكثير منها أو استبعادها، وفقاً لمجموعات حماية المستهلك التي تتابع مشروعات القوانين.

أصبحت نيويورك أول ولاية أميركية تمرر القانون في ديسمبر. وقال القائمون على الحملة إن مشروع القانون أفسدته تعديلات تعني أن إجراء إصلاحات مستقلة بتكلفة منخفضة ما يزال مستحيلاً.

7) هل تحقق أي من الإجراءات الجديدة فارقاً؟

إن التحقق من ذلك ما زال سابقاً للأوان، لأن العديد من الإجراءات تأخرت لمنح المصنّعين فرصة للتأقلم. يُعبِّر مدافعون عن حقوق المستهلك بالفعل عن استيائهم من أن بعض القواعد الجديدة تفيد الشركات المتخصصة في الإصلاح فقط، إذ أنها لا تضمن حق الإصلاح للمشترين والمؤسسات غير الهادفة للربح.

كما أن التشريع يركز عادةً على المكونات الملموسة وليس البرمجيات. وتفشل الكثير من مشروعات قوانين الحق في الإصلاح في معالجة إقدام المصنعين على بيع قطع كاملة للأجهزة بدلاً من مكون جزئي قد يحتاج الإصلاح، ما قد يجعل عمليات الإصلاح مكلفة.

على سبيل المثال، قد يضطر المستهلك الذي يسعى لاستبدال الحلقات المعدنية في غسالة ملابس إلى تغيير حوض الغسيل بأكمله، وهذا يجعل تكلفة الإصلاح تماثل تقريباً تكلفة شراء جهاز جديد.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك