بعد عامين من تعثُّر المبيعات، وقضايا الفساد المالي التي واجهها رئيسها السابق كارلوس غصن في 2018، تقف إدارة شركة "نيسان موتور" اليابانية أمام مفترق طرق لتضع الإدارة الجديدة أمام تحدي إخراج مبيعات ثاني أكبر شركة لصناعة السيارات في اليابان من كبوتها، وكذلك تخطِّي التداعيات التي خلَّفتها السمعة السيئة للرئيس السابق الذي قاد الشركة لعقود.
وتكمن صعوبة المهمة أمام إدارة الشركة، مع تراكم الديون التي بلغت نحو 8.3 تريليون ين (80 مليار دولار) - ضعف ما كانت عليه قبل 10 سنوات – والأداء الباهت للشركة في أوروبا، ومشاكل سلسلة التوريد التي تواجه مصانعها في المملكة المتحدة.
وتجد "نيسان" صعوبة في مواجهة منافسيها، لا سيَّما في مجال السيارات ذاتية القيادة، إذ تنفق شركة "تويوتا" سنوياً نحو نصف تريليون ين ياباني على البحث والتطوير، لكن بصفة عامة، لا تزال شركات صناعة السيارات متخلِّفة عن شركات التكنولوجيا التي تضخُّ استثمارات أكبر من أجل التطوير التكنولوجي، فقد أنفقت شركة "ألفابيت" أكثر من مليار دولار على تقنية القيادة الذاتية من خلال شركتها التابعة "وايمو" (Waymo LLC).
ولا يخفي النائب الأول لرئيس "نيسان"، تاكاو أسامي، تلك التحديات، ويقر ذلك بقوله: "إذا خسرنا التكنولوجيا، فسوف نخسر أعمالنا التجارية".
وقال أسامي في مقابلة: "نناقش على الدوام داخل أروقة الشركة في الآونة الأخيرة نقاط تميزنا، وما هي المجالات التي يمكننا أن نفوز بها، إذا تمَّ التركيز عليها بعمق".
وتطفو على السطح داخل اللجنة التنفيذية للشركة حاجة "نيسان" للعودة إلى جذورها، ومضاعفة جهود البحث والتطوير لإحياء التصور الذي كان موجوداً قبل قرن من وصول غصن بأن تصبح "نيسان" الشركة الرائدة للأجيال الجديدة من التكنولوجيا في اليابان.
مليون سيارة كهربائية
ويعني هذا التوجُّه اقتحام "نيسان" التكنولوجيا التي تجتاح صناعة السيارات في المجالين الأهم في الوقت الراهن، وهما تكنولوجيا القيادة الذاتية، والسيارات الكهربائية.
وتستهدف "نيسان" بيع مليون سيارة كهربائية بالكامل مع حلول 2023، ونحو 1.5 مليون سيارة مجهزة بنظام "برو بايلوت"، وهو النظام شبه المستقل للقيادة، في حين تستهدف شركة "تويوتا" بيع 5.5 مليون سيارة كهربائية مع حلول 2025 مع تجهيز معظم السيارات بإمكانيات مستقلة.
و يسلِّط خبراء الصناعة الضوء على تقنية "برو بايلوت"، التي تتضمَّن ميزات تثبيت السيارة في مسار واحد مع تناسب سرعتها مع حركة المرور المحيطة، وهي تقنية يمكن أن تكون محورية بالنسبة لخطة "نيسان"، و قد تمكنها من تعزيز مبيعات الشركة، ورفع قيمة علامتها التجارية التي تضمن لها الحفاظ على مصادر تمويل تسهم في تنميتها.
وقال لي تشو، الشريك الاستشاري في "ديلويت توهماتسو" Deloitte Tohmatsu، إنَّ "نيسان بارزة" في الكيفية التي تجلب بها ميزات مستقلة إلى السوق بشكل عام. وأضاف أنَّ شركة صناعة السيارات اليابانية أدخلت تقنية "برو بايلوت" في مجموعة واسعة من الطُرز في وقت مبكر، وأنَّ استخدامها بهذا النطاق يدعم خفض التكاليف.
ويتمُّ تعريف القيادة الذاتية على مقياس من خمس خطوات، بدءاً من الصفر، وهي الدرجة التي تصدر خلالها السيارة تحذيرات آلية فقط، إلى المستوى 5، الذي تكون فيه السيارة قادرة على التعامل مع جميع الطرق والظروف دون تدخل بشري.
ويصل الحد الأقصى للتقنيات المتاحة تجارياً في المركبات اليوم - بما في ذلك ProPilot من نيسان - إلى المستوى 2، مما يعني أنَّ النظام الآلي يمكنه التحكُّم في وظائف معينة، ولكن يجب على السائقين المراقبة والانطلاق بالسيارة.
ويظهر عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة والصين تقدُّماً أكبر عندما يتعلَّق الأمر بتكنولوجيا القيادة الذاتية، إذ يقدِّمون مستويات تصل إلى المستوى 4 أو المستوى 5 في درجات القيادة الذاتية.
وتبقى هناك تحديات خاصة بالاستثمار في المستويات الأولى من المستويات الخمس المذكورة، فعلى الرغم من سهولة تحقيق الربح الآن، إلا أنَّ تلك التقنيات من السهل أن تنتشر بسرعة في باقي السيارات.
وقال تاتسو يوشيدا المحلل في بلومبيرغ إنتليغنس: "تعدُّ تقنية "برو بايلوت" نظاماً متقدِّماً بالنظر للمستوى الثاني، لكنَّه من السهل وبسرعة كبيرة أن ينتشر في باقي السيارات، ويفقد قيمته كميزة تنافسية".
وكانت "نيسان" واحدة من روَّاد الصناعة في اليابان، واحتلت مكانتها جنباً إلى جنب مع "تويوتا" من خلال بناء سمعتها، كونها من أوائل المتبنين للتقنيات الجديدة في صناعة السيارات.
ووفقاً لبلومبرغ بيزنس ويك، بدأت "نيسانط تصدير السيارات إلى الولايات المتحدة أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وحقَّقت نجاحاً مع سيارتها الرياضية Datsun 240Z ، التي أوجدت "مزيجاً لا مثيل له من الخطوط الفخمة، والقدرة الحصانية" بتكلفة أغرت الشباب الياباني والأمريكي بصورة كان من الصعب مقاومتها.
وتعثَّرت الشركة في أواخر الثمانينيات، عندما طرحت سلسلة من سيارات "السيدان" التي لم تترك أثراً في السوق، وكانت أغلى من منافسيها، حتى وصلت مع حلول عام 1999، لشبح الإفلاس الذي استدعى تدخل التمويل الحكومي لإنقاذ الشركة من الانهيار.
وعندما أرسلت شركة "رينو"، غصن إلى طوكيو بعد أن اشترت الشركة الفرنسية حصة استراتيجية في "نيسان"، عادت السفينة لمسارها الطبيعي، بعدما أعاد غصن "نيسان" لتحقيق الربح قبل الموعد المتوقَّع. وخلال فترة إدارة غصن، توسعت "نيسان" عالمياً بسرعة فائقة، وحصلت على حصة سوقية كبيرة في أسواق، مثل الهند والصين على حساب شركات أخرى كانت موجودة في تلك الأسواق.
وبعد إلقاء القبض على غصن في أواخر عام 2018 بتهمة ارتكاب جرائم مالية، أبحرت "نيسان" في التعامل مع تحالف غير مستقر بشكل متزايد، ضمَّ "رينو"، و"ميتسوبيشي موتورز كورب"، إلى جانب تغييرات متعددة في كبار مسؤوليها التنفيذيين.
وكشفت "نيسان" في مايو الماضي، عن خطة تحوُّل تضمَّنت اتخاذ خطوة واضحة بعيداً عن المبادئ التي وضعها رئيسها السابق، وقد تضمَّنت خفض قدراتها الإنتاجية حول العالم بأرقام مزدوجة، وتقليص الحوافز، والتدريب للموارد البشرية في أسواق مختارة.
وخلال السنوات الماضية لم تفقد "نيسان" قدراتها التكنولوجية بشكل كامل. غفد قدمت في 2010 أول سيارة كهربائية يتمُّ تسويقها على نطاق تجاري واسع، وهي سيارة Leaf، لكنَّها فقدت مؤخراً صدارة مبيعات السيارات الكهربائية التي حافظت عليها طوال العقد الماضي، وحصلت بها على لقب أفضل صانع سيارات بعد "تويوتا"، لصالح طراز 3 من شركة "تسلا".
وقال أسامي، الذي بدأ عمله في الشركة عام 1981 بعد دراسة الهندسة الكهربائية في جامعة طوكيو، إنَّ التركيز على تكنولوجيا القيادة الذاتية يمثِّل اليوم فصلاً جديداً لشركة "نيسان".
وأضاف أنَّه على الرغم من أنَّ جائحة كورونا قد خفَّضت مبيعات السيارات العالمية في السنة الماضية بنحو نحو 15%، وبالرغم من توقُّعات "نيسان" خسارة تشغيلية قدرها 340 مليار ين للسنة المالية المنتهية في مارس، إلا أنَّ الشركة لم تخفِّض استثماراتها المخصصة للتطوير التكنولوجي، قائلاً: " إنَّ اكتشاف كيفية المضي قدماً بكفاءة أمر بالغ الأهمية، وهي المشكلة الأكبر بالنسبة للشركة".
وتتركَّز استراتيجية "نيسان" الحالية على نشر أنظمة "برو بايلوت" على نطاق واسع في كلِّ نماذج السيارات التي تقدِّمها للأسواق بدلاً من العمل على تقنية متقدِّمة في طراز واحد، وهو ما يجعلها قادرة على تحقيق إيرادات أعلى يمكن استغلالها في بناء الجيل التالي من تكنولوجيا المستقبل.
وقال أسامي: "هذا هو المستقبل بإنشاء شركة قائمة على التقنيات الأساسية". وأضاف: "حتى مع الموارد المحدودة، سنواصل الطرق على الصخر".